
















اهلا أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تقديم: وفقا لكل التقديرات سوف يتجاوز نتنياهو وائتلافه الحاكم عتبة قانون تجنيد الحرديم، والذي يشغل الساحة السياسية بشكل مكثف منذ أشهر طويلة. ليأتي تصريح رئيس حزب الصهيونية الدينية سموتريتش عن معقولية مشروع القانون ليحسم الموقف داخل أطراف الائتلاف، وهذا يكفي لعدول الاحزاب الحريدية عن قرارها بمقاطعة التصويت على مشاريع القوانين الحكومية، ويفتح المجال لعودتها الى مواقعها في الائتلاف الحاكم وإشغال وزاراتها.
مع تجاوز هذه العقبة تبقى مسألة اقرار ميزانية الدولة للعام 2026، حيث تم اقرار اطارها في الحكومة ليصل الى 662 مليار شيكل (نحو 200 مليار دولار)، لتخضع الى اجراءات التشريع في الكنيست. تمهيدا لذلك فقد اقرت الحكومة ما يطلق عليه “أموال ائتلافية” يتم اقتطاعها من ميزانية الدولة العامة لصالح مجالات تخص الاحزاب الحاكمة. تبلغ هذه الميزانية 5 مليارات شيكل وقد يضاف اليها لغاية نصف مليار شيكل اضافية تضمن مصالح هذه الاحزاب وتماسكها.
– الاحزاب العربية هي نقطة الاستعصاء امام تشكيل حكومة قادمة:
تشكل الاحزاب العربية محور الاستعصاء في السياسة الإسرائيلية. فالمعادلة القائمة بالنسبة للمعارضة هي انه لا يمكن الحكم معهم ولا يمكن الوصول للحكم من دونهم. في المقابل، يملك نتنياهو خيار حكومة تصريف الاعمال الى أجل طويل. قد ينقذ المعارضة الموقف الامريكي المعني بحكومة وحدة قومية، وبالأساس بحكومة من دون بن غفير وسموتريتش، كل ذلك بهدف ضمان ائتلاف يقوم بتطبيق خطة ترامب بمرحلتيها الثانية والثالثة بما فيه الانسحاب من غزة وتقبّل فكرة أفق سياسي لحل مع الفلسطينيين ومبدأ الدولة الفلسطينية.
– طبيعة المعركة بين الائتلاف والمعارضة:
وفقا للقانون نجحت المعارضة في جمع أربعين توقيعا من النواب لطلب جلسة ملزمة لرئيس الحكومة بالحضور وإلقاء كلمته امام الكنيست يوم 8 كانون الاول/ديسمبر. فعليا استغل نتنياهو خطابه لرسم معالم المعركة الانتخابية للكنيست القادمة والتي يتحكم بموعدها، وفي جدول اعمالها وإجراءاتها ويسعى إلى التحكم بنتائجها مسبقا عن طريق السيطرة على منظومة ادارة الانتخابات واستبعاد جوهري لمنظومة الرقابة عليها.
حدد نتنياهو معالم المعركة الانتخابية بأسلوبها الاكثر عنفا والأكثر إلغاء للآخرين وفي مسعى لقلب نتائج حرب غزة على المعارضة. من أجل البقاء في الحكم يركب نتنياهو موجة التوتر الحربي غير المنتهية والذهنية الإسرائيلية المتحولة تماما عما كانت عليه قبل الحرب ونحو التوحش وتأييد التطهير العرقي السياسي والبشري للفلسطينيين في اسرائيل، واطلاق العنان لتطبيق سياسة التطهير العرقي الحكومية المكثفة في الضفة الغربية وتحت مسمى “الفلتان الأمني” وهو ما يشكل جزءا لا يتجزأ من الخطوط العريضة للحكومة من شهر 12/2022؛ وفي القدس فإن تغييرا جوهريا يحصل في وضعية الأوقاف التي تقع تحت المسؤولية الاردنية وفي تغيير ما يسمى “الوضع القائم” في الاقصى.
سعيا لبناء الرواية اليمينية، وعلى المستوى الرسمي والعسكري تتكثف التصريحات من “جهات عسكرية رفيعة” تحذر من “مساعي 7 اكتوبر جديد” مصدره الضفة الغربية، وكما نقل القنال 14 يوم 10 كانون الاول عن ذات المصدر بأن “الاستحواذ على وسائل قتالية ايرانية عالية الجودة” والى كونه سلاحا “يقوّض التوازن”. ما يدلل على التحول في هوية قيادة الجيش نحو الصهيونية الدينية، والى الاستعداد للتهويل بهذه القدرات من اجل تبرير عمل عسكري واسع وتفكيكي للسلطة الفلسطينية وللوجود الفلسطيني في الضفة. علماً بأن غالبية الاسلحة المهرّبة والذخيرة في الضفة الغربية مصدرها من مخازن الجيش الاسرائيلي وهناك عشرات الجنود المتورطين في الاتجار بالسلاح. ليستغل نتنياهو وحكومته الامر سياسيا وانتخابيا.
– التصعيد في الضفة سلاح انتخابي ضد المعارضة ولتماسك الليكود:
قد يتيح التصعيد الاحتلالي في الضفة الغربية لنتنياهو الغلبة لكونه يتمتع بأغلبية مؤيدة للتصعيد “للحيلولة دون 7 اكتوبر جديد”، ولا توجد معارضة تطرح فعليا أفقا للحل السياسي مع الفلسطينيين. في هذا السياق تأتي الرسالة إلى وزير الامن كاتس من قبل 600 من قادة الاجهزة الامنية السابقين تحذر من مخاطر “الانفلات الامني” في الضفة الغربية على الامن القومي الاسرائيلي ودفعها لانفجار الاوضاع، وذلك من منطلق أثرها على الامن القومي الاسرائيلي لا باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية من التطهير العرقي وبروح الابادة. وبالطبع ليس من باب حماية الضحايا. فيما أن رئيس المعارضة لبيد لم يكن أبعد نظرا من هذه الرسالة في تطرقه إلى نياشين حبل المشنقة التي ثبتها بن غفير واعضاء كتلته على بزاتهم خلال مناقشة مشروع قانون اعدام الاسرى او “حكم الاعدام على المخربين”
– المعارضة تتفوق عدديا ونتنياهو سياسيا:
يشير منحى الاستطلاعات، الى ان المعارضة تتغلب عدديا على الائتلاف فيما لو جرت انتخابات حاليا، فيما نتنياهو يتغلب على المعارضة سياسيا لكونها لا تستطيع اسقاطه بما في ذلك احتمالية ان يبقى رئيس حكومة تصريف اعمال لأمد طويل. يستغل نتنياهو الذهنية الاسرائيلية العدائية لكل ما هو فلسطيني واستطلاعات الراي العام التي تدعم فكرة التطهير العرقي والترانسفير للفلسطينيين مواطني اسرائيل والرفض المطلق لشرعيتهم السياسية، ليقيم طوقا من السطوة والترهيب السياسيين على المعارضة الحالية وهي في طبيعتها غير متجانسة سياسيا وانما متوافقة على اسقاط نتنياهو والعودة الى الحكم بالتناوب بين اطرافها كما حصل في حكومة بينيت – لبيد.
يرفض نتنياهو خلاصة الاستطلاعات ويقول انه من الصحيح وجود اغلبية تريد لجنة تحقيق في اخفاق 7 اكتوبر2023 لتحسم في “دور المستويات السياسي والعسكري والقضائي”، في اشارة منه الى تحميل المستوى القضائي مسؤولية الاخفاق ولتبرير انقلابه القضائي والدستوري، ولينزع الشرعية عن محاكمته بتهم الرشوة. لكن هذه النسبة لم تحدد اية لجنة تحقيق، هل هي رسمية اي مستقلة ام حكومية، ثم لا توجد اغلبية للجنة تحقيق رسمية، بل ويستحضر التجربة الامريكية كما في احداث 11/9 حيث تم التوافق على لجنة بين الحزبين الامريكيين، وبناء عليه يطرح صيغة لجنة بالتوافق بين الائتلاف والمعارضة وفي حال بقي في الحكم فلن تكون لجنة تحقيق تتجاوز هذه الصيغة.
ينجح نتنياهو إلى حد كبير وأمام جمهور مؤيديه في تثبيت الكتلة الانتخابية اليمينية وكذلك التحالف مع الحريديم. فيما المعارضة باستعدائها للحريديم وحصريا بالسعي لنزع شرعيتهم لكونهم لا يخدمون في الجيش انما تلعب في الخانة التي يريدها نتنياهو. فهو يريد احتكار التحالف مع الحريديم. في حين أن التصعيد الصدامي مع المعارضة والابقاء على خطاب التوتر الامني وبذلك يبغي إسكات حالات التمرد الانتخابي التي بدأت تطفو في حزب الليكود ضمن الصراع على مواقع القوة في حزب الليكود والخلاف الحقيقي حول قانون تجنيد الحريديم. في المقابل يعود رئيس المعارضة لبيد ويكرر رفضه هو وليبرمان وايزنكوت لأية احتمالية للائتلاف مع اي حزب عربي، او حريدي، مرددين صيغة “جبهة المتجندين للجيش”.
– الفرج الامريكي والألماني لنتنياهو:
في العلاقات الخارجية يتمسك نتنياهو باتجاهين، احداهما الحملة التي يقودها ترامب لتقويض محكمة الجنايات الدولية والغاء أمر الاعتقال ضد نتنياهو. وفي هذا السياق يرى في زيارة المستشار الالماني ميرس الى اسرائيل إنجازا مضاعفاً، اذ ان زعيم إحدى اهم الدول الاوروبية يكسر قرار محكمة الجنايات. على الصعيد الاخر يبدو ان تمسك نتنياهو بالسلطة بأية وسيلة هي تعبير عن مسعى دولي يميز اصحاب النزعة الشعبوية، وقد يقتدي بالرئيس الهنغاري اوربان المتمرد على مواقف الاتحاد الاوروبي وسياساته، والمتمسك بالحكم لدرجة سعيه حاليا الى تغيير الدستور ليدمج منصبي رئيس الوزراء ورئيس الدولة في منصب واحد وهي طريقة الاخير للبقاء في السلطة بوساطة بالانقلاب الدستوري المعني به بينما نتنياهو قد انجز هذا الانقلاب.
الخلاصة:
**في حال جرت الانتخابات لغاية موعدها في خريف 2026، فإنها ستكون انتخابات مصيرية في تاريخ اسرائيل، وعلى مفترق الطرقK هل تتجه نحو الحكم الفاشي الاستبدادي المطلق، ام تعود التوازنات بين السلطات الحاكمة والناظمة للحكم.
**الانتخابات الاسرائيلية لها اسقاطات مباشرة على الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني، بما فيه تعمق ذهنية التهجير والطرد وحتى خطة الحسم. هذه الخطة مرتبطة بقدرة الائتلاف الحاكم على التطهير العرقي السياسي للأحزاب العربية ومنعها من الترشح للكنيست.
**يبدو حاليا ان الانتخابات الاسرائيلية القادمة لا تحمل بشائر تغيير جوهري، بل أن حظوظ ائتلاف نتنياهو بالفوز لا تزال كبيرة. وان اصرار المعارضة غير المتجانسة على استبعاد الحريديم والعرب قد يكون العامل الجوهري امام احتمالية مواصلة اقصى اليمين للحكم بكل تداعيات ذلك اسرائيليا وفلسطينيا واقليميا.
**عربيا وفلسطينيا، لا مكان للرهان على “الفرج الإسرائيلي” بالتخلص من أخطر حكومات هذه الدولة، ولا يمكن ايضا التغاضي عن قدرة الفعل العربي السياسي المساند لدولة فلسطين واحقاق حقوق الشعب الفلسطيني بوصفها قد تدفع الى تغيير السياسات الاسرائيلية وحتى الى إحداث تحولات في الراي العام الاسرائيلي.
**سعي أقصى اليمين بقيادة نتنياهو الى شطب الاحزاب العربية يشكل عملية تطهير عرقي سياسي، وكذلك ستكون له انعكاسات على سياسات اسرائيل اقليميا وحصريا تجاه شعب فلسطين.
**الصوت العربي في الداخل قد يكون حاسما في اسقاط الائتلاف الحالي وهذا يبدو ممكنا من خلال تشكيل قائمة انتخابية مشتركة وكتلة برلمانية لا يمكن تجاوزها وقد يدفع الامر الى تغيير جدول اعمال الكنيست القادم.