
















اهلا
نتنياهو يطلب العفو ليعزز حكمه وخدمةً لأولويات ترامب
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تقديم: في خطوة تعكس تعقيدات المشهد السياسي الإسرائيلي وتقاطعاته مع التوجّهات الأمريكية الراهنة، تقدّم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بطلب عفو رئاسي إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، مبرّرًا خطوته بضرورات “رأب الصدع” داخل المجتمع الإسرائيلي وتهدئة الاستقطاب الذي خلّفته محاكمته. وجاء في رسالته: “انطلاقًا من مسؤوليتي العامة كرئيس للوزراء في السعي لتحقيق المصالحة بين فئات الشعب… أتعهّد ببذل كل ما في وسعي لاستعادة الثقة في أجهزة الدولة، وأتوقّع من جميع رؤساء أجهزة الدولة أن يحذوا حذوي”.
غير أن هذا التحرك، الذي بدا في ظاهره مبادرة لاحتواء الانقسام الداخلي، حمل في طياته حسابات سياسية أعمق؛ إذ أشارت تصريحات نتنياهو المعلنة إلى أن ما حفّزه لتقديم الطلب هو التوجّهات الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تحضر في ذهنه كعامل حاسم يعيد تشكيل أولويات الحكم ويمنحه فرصة لتعزيز موقعه السياسي. في المقابل، رأت أحزاب المعارضة في هذه الخطوة صفقة سياسية مرفوضة تهدف إلى الالتفاف على المنظومة القضائية، واعتبرتها شكلًا من أشكال الابتزاز السياسي وتقويضًا لمبدأ المحاسبة. كما اتهمت بعض الأصوات الرئيس هرتسوغ بالتواطؤ عبر إتاحة غطاء دستوري لمناورة سياسية تُخرج نتنياهو من مأزقه القانوني.
بهذا، يبرز طلب العفو ليس كإجراء قانوني فحسب، بل كجزء من معركة سياسية أوسع تتقاطع فيها حسابات الداخل الإسرائيلي مع التحولات في العلاقة مع الإدارة الأمريكية، ما يجعل الحدث محورًا مهمًا لتقدير موقف شامل حول مستقبل توازن القوى داخل إسرائيل وانعكاساته الإقليمية.
في النظر الى تداعيات تقديم طلب الاسترحام فإنه من المستبعد تماما ان يتم تقديم مثل هذا الطلب دون ضمان نتنياهو لنتائجه مسبقا ودونما تنسيق مع الرئيس الاسرائيلي هرتسوغ المخوّل بإعلان العفو، كما انه يأتي في سياق مطالبة ترامب المتكررة والتي بدورها تبدو بدفع من نتنياهو، مقابل التزامات سياسية من الاخير يعتبرها ترامب تخدم أولوياته.
اعتبر نتنياهو ان الغاء المحاكمة سيتيح له التفرغ الى "توحيد الشعب" ولمعالجة هذه الشروخ والانقسامات والتي تشغل المجتمع الاسرائيلي رغما عن وجود تحديات أمنية كبرى وفقا له. فيما أن طلب الاسترحام غير عادي وخارج نطاق الاجراء القانوني المعتمد وبالأساس لكون المحكمة لم تصدر حكمها بعد ولم تنه النظر في ملفاته الجنائية. كما انه لا يتضمن حتى ولو من باب التلميح، التنحي عن منصبه مقابل الحصول على العفو. لكن، وبمجرد تقديم طلب الاسترحام فيه تأكيد ان نتنياهو بات مستنزَفا من محاكمته التي لا تنتهي، لكن مناوراته السياسية لا تتوقف ايضا.
تهرب نتنياهو من أية صيغة فيها اعتراف بالذنب او اعلان الاعتذار كما ينص القانون او تقبل شرعية محاكمته. بل يسعى من رسالته الرسمية الى رئيس الدولة هرتسوغ ومن خلال الشريط المسجل الذي حمل كلمته الى الجمهور، لنزع شرعية المحكمة والنيابة العامة، وحصريا أمام جمهوره الذي يقبل روايته.
في البعد السياسي للطلب سوغ نتنياهو طلبه بالاسترحام بتشديده على ان مواصلة نظر المحكمة بالملفات تؤدي الى تعمق الانقسام والشرخ داخل المجتمع الاسرائيلي وبين منظومات الدولة.
في الدلالات السياسية فإن حديث نتنياهو بأن الاسترحام سيتيح له انجاز مهام كبرى مع ترامب، هو مؤشر لمواقف وخطوات تتعلق بغزة وبالشأن الاقليمي. كما أن ربط نتنياهو "القضايا الكبرى" مع "توحيد الشعب" في اسرائيل، فيه اشارة الى الاذعان لتوجهات ادارة ترامب باعتماد نتنياهو وتثبيته رئيسا للوزراء لكن بتغيير ائتلافه الحاكم اي التخلص من أقصى اليمين وحصريا من بن غفير وحزبه، لصالح وحدة قومية مع احزاب المعارضة. فيما يبدو ان حزب الصهيونية الدينية سيضطر الى استبدال رئيسه سموتريتش بشخصية أكثر قبولا على الاجماع الصهيوني.
يستفيد نتنياهو من حكومة وحدة قومية فيما لو نجح بذلك، بالتخلص من صعود قوة نفتالي بينيت الذي ينافسه على رئاسة الحكومة ويملك احتمالات كبيرة. كما ستجعل احتمالات تجاوز عتبة قانون تجنيد الحريديم دون اسقاط الحكومة ممكنة. فيما الحديث عن "مهام كبرى" مع ترامب، انما قد يكون ترويجا لاحتمالية اطالة أمد الحكومة وإرجاء انتخابات الكنيست، وفي حال اضطر للإبقاء عليها سيجعل العفو الرئاسي له نقطة قوة لصالحه.
في الخلاصة؛ تبدو حيثيات طلب نتنياهو بالاسترحام وإلغاء محاكماته بأنها مسألة ستعمق – على الاقل على المدى القريب -التقاطب الاسرائيلي الداخلي وقد تكون لحظة فارقة للمعارضة كي تعزز دورها وتوحد صفوفها. كما وبمجرد الرسالة ومضمونها فإنها تعمّق الحصار الشعبوي اليميني للجهاز القضائي وتهيمن على هويته بعد نزع شرعيته وشرعية مداولاته في ملفات نتنياهو الجنائية. كما تشير الحيثيات الى وجود تنسيق مسبق ما بين نتنياهو وهرتسوغ وترامب، والى توقع النتائج.
يتضح اكثر فأكثر ان المسعى الامريكي المتدخل في كل مستويات القرار والسياسة في اسرائيل، هو ضمان بقاء نتنياهو دونما ائتلافه، ضمن اعتقاد امريكي راسخ بأنه الوحيد القادر على تنفيذ خطة ترامب وعلى إحداث استدارة في وجهة السياسة الاسرائيلية تجاه الاقليم وفي ذلك يحتاج لتغيير ائتلافه نحو وحدة قومية صهيونية مع المعارضة او معظمها.