اهلا-ماهر الحمدان-بيروت تصعيد إسرائيلي في الجنوب السوري يثير الغضب الشعبي
تصاعدت حدة التوتر في الجنوب السوري على خلفية تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها استمرار وجود قواته في منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة لفترة غير محددة، ما أثار ردود فعل غاضبة واحتجاجات شعبية واسعة، وسط تحذيرات من مخططات تهدف إلى إعادة رسم خرائط النفوذ في الجنوب السوري.
نتنياهو يسعى للبقاء والمقايضة
وفي هذا السياق، إن “نتنياهو يلجأ إلى التصعيد العسكري دائماً خوفاً من أن تؤدي ظروف الاستقرار إلى محاسبته أو خسارته سياسياً من خلال الدعوة إلى انتخابات مبكرة”. وأوضح أن “الأطماع الاسرائيلية في جنوب سوريا مؤقتة، وقد يطيل الاحتلال الاسرائيلي بقاءه في تلة الحرمون بسبب موقعها الاستراتيجي، لكنه في النهاية سيفاوض عليها لأجل اتفاقية سلام”.
وأكد الحمدان أن “ما يقوم به نتنياهو في الحقيقة هو محاولة لطمأنة الحاضنة الدرزية، وإن كانت محدودة في صفوف جيشه، لكنه لا ينوي التوقف عن التصعيد العسكري، وسيواصل ذلك حتماً”، مشيراً إلى أن “الموقف في الجنوب السوري يختلف كلياً، حيث يرفض الأهالي من جميع الطوائف أي وجود أو نفوذ إسرائيلي في المنطقة”.
وأضاف: “تركيا تعمل مع الحكومة السورية لإيجاد ضمانة أمنية تتيح انسحاب الاحتلال الاسرائيلي، عبر نشر قوات تركية مؤقتة على الحدود، وربما يكون هناك دور روسي أيضاً، بحيث تسعى موسكو إلى تقديم بعض التنازلات للحكومة السورية مقابل السماح لها بتعزيز وجودها في دمشق. وهذا الأمر يعتمد على آلية التفاوض والمكاسب التي تحققها الحكومة مع الروس”.
احتجاجات شعبية واسعة
على وقع تصريحات نتنياهو، خرجت احتجاجات واسعة في مختلف مناطق الجنوب السوري، أبرزها في القنيطرة ودرعا والسويداء. ففي القنيطرة، نظّم الأهالي وقفات احتجاجية رفعوا خلالها لافتات كتب عليها “لا للتقسيم” و”الجولان السوري حر” و”نعم لوحدة سوريا”.
أما في درعا، فقد شهدت مدن درعا البلد وخربة غزالة وبصرى الشام ونمر وإنخل وجاسم وعتمان وداعل ونوى احتجاجات منددة بمحاولات إسرائيل فرض وصاية على المنطقة. وفي بيان صدر عن أهالي مدينة نوى، أكدوا رفضهم لأي مشروع تقسيمي، قائلين: “وإن لم يبقَ في أيدينا إلا الحجارة، لن نتوانى عن الدفاع عن أرضنا”.
وفي السويداء، شهدت ساحة الكرامة مظاهرات ضخمة، واعتبر المحتجون تصريحات نتنياهو محاولة لبث الفتنة وإثارة الانقسامات الطائفية، مؤكدين أن أي محاولات لربط مستقبل المنطقة بالمشاريع الاسرائيلية “محكوم عليها بالفشل”.
وقال مازن الأحمد، أحد منظمي الاحتجاجات: “هدفنا واضح، وهو رفض أي وصاية إسرائيلية على الجنوب السوري، وسنناضل بالوسائل السلمية كافة من أجل إنهاء الاحتلال”. وأضاف: “نرفض المساعدات والإغراءات الاسرائيلية، ولن نقبل بأي شكل من الأشكال بوجود الاحتلال. نحن سوريون وطنيون، ونؤكد تمسكنا بوحدة سوريا وهويتنا الوطنية، ولن نقبل بأي عروض إسرائيلية مهما كانت”.
مشروع المجلس العسكري في السويداء
في سياق موازٍ، أعلنت مجموعة أطلقت على نفسها اسم “المجلس العسكري في السويداء” انطلاق عملها، مؤكدة أنها “جزء من الجيش الوطني للدولة السورية الجديدة”. وخلال إعلانها، ظهر مقاتلون يحملون الأعلام السورية ورايات طائفة الموحدين الدروز في مطار الكفر الزراعي جنوب السويداء، حيث كشف قائد المجلس العسكري في بيان مرئي رؤى المجلس وتوجهاته، مؤكداً أن مشروعه “يهدف إلى تنظيم التعاون بين القوى المسلحة المحلية وتشكيل نواة من كوادر العسكريين المنشقين”.
لكن هذا الاعلان أثار حفيظة الفصائل المحلية في السويداء، وقال مصدر عسكري لموقع “لبنان الكبير”، من قيادات حركة رجال الكرامة، قوات شيخ الكرامة، ولواء أحرار الجبل، إنهم اجتمعوا مع الرئيس أحمد الشرع، وتم التوافق على الاندماج في وزارة الدفاع السورية. وأكد المصدر رفض هذه الفصائل لمشروع “المجلس العسكري”، معتبرين أنه جزء من “مشاريع غير وطنية” تقف خلفها جهات خارجية، في إشارة إلى محاولات “قسد” لربط مناطق سيطرتها مع الجنوب السوري المحاذي للجولان المحتل.
وقال العقيد عبد الله الحمدان لموقع “لبنان الكبير”: “مشروع المجلس العسكري في السويداء هو إحدى ألاعيب قسد، فكلما طال الوقت في إنهاء الملف التفاوضي معها، ستلجأ إلى تحركات كهذه لتعزيز موقفها التفاوضي وزعزعة الاستقرار”. وأشار الى أن “هذا المشروع قديم، وسبق أن طرحه المستشار اللبناني وليد فارس خلال وجود الايرانيين في المنطقة بهدف قطع الطريق أمامهم، وهو قائم على ربط مناطق قسد شرق سوريا بالمناطق الجنوبية المحاذية للجولان المحتل”، لافتاً الى أن “قسد تحاول الآن تسويق المشروع من جديد، وتتواصل مع الاحتلال الاسرائيلي للحصول على دعمه، كما توفر تمويلاً للمجلس العسكري في السويداء، على الرغم من قلة عدد عناصره، لكنه يبقى عاملاً مؤثراً في الوضع العام، ما يستوجب الاسراع في ضبط الأوضاع في السويداء وإنهاء المشروع تحت راية الجمهورية العربية السورية”.
وجهاء الجنوب يرفضون التدخل الاسرائيلي
وفي ظل هذه التطورات، شدد الشيخ أحمد عطا الله، أحد وجهاء المنطقة، في حديثه لموقع “لبنان الكبير”، على رفض أي محاولات أو إغراءات إسرائيلية لفرض وصايتها على القنيطرة أو الجنوب السوري. وقال: “لا نريد أموالاً، لا نريد كهرباء، لا نريد مساعدات. نحن نريد مغادرتهم فقط”. وأضاف: “محاولاتهم المتكررة لعرض المساعدات، وتوفير فرص عمل، وإتاحة تصاريح دخول إلى الجولان المحتل، كلها تهدف الى استمالة الأهالي وقبول ضم المنطقة، لكننا لن نسمح بذلك. على الرغم من الظروف القاسية، نحن نكافح ونصمد، ولن نقبل بأي شكل من الأشكال بالتعامل مع الاحتلال. سنبقى متمسكين بوحدة الجمهورية العربية السورية وأراضيها”.
وفي هذا السياق، قال الناشط السياسي ناصر النميري: “لن نقبل بأي شكل من الأشكال بوجود الاحتلال الاسرائيلي في أي منطقة سورية، ومطالبنا واضحة بضرورة الانسحاب الاسرائيلي الكامل من جميع الأراضي المحتلة، والالتزام بالمعاهدات الدولية، خصوصاً القرار الأممي 1974”. وطالب الحكومة السورية بالعمل على إيجاد ضمانات أمنية، ربما بالتعاون مع الدول العربية وتركيا، لتشكيل قوة حفظ سلام عربية تضمن تنفيذ القرار الدولي وتضغط على إسرائيل للانسحاب.
يبقى المشهد في الجنوب السوري مفتوحاً على سيناريوهات متعددة، وسط محاولات إسرائيلية للتمدد، وسعي الفصائل المحلية الى الحفاظ على وحدة القرار الوطني، في حين تبقى تركيا وروسيا طرفين رئيسيين في رسم معادلة توازن القوى في المنطقة، بانتظار ما ستسفر عنه التطورات في الأسابيع المقبلة.