اهلا- جورج مناريوس إن المسيحيين لا يختلفون عن بقية البشر في الموطن، أو اللغة، أو الملبس، فالحقيقة أنهم لا يسكنون في مدن خاصة بهم، ولا يستخدمون لغة معينة؛ ولا يعيشون نمطا شاذا من الحياة. وبكل تأكيد لم تكن عقائدهم اكتشافا يرجع الفضل فيه إلى أفكار بعض الرجال المحبين للبحث أو تأملاتهم؛ كما أنهم لا يدافعون عن أية عقيدة ذات منشأ بشري.
لكنهم يعيشون في مدن او قرى كما هو نصيب كل واحد منهم، ويمتثلون لعادة البلد في الملبس، والمأكل، وطريقة الحياة. إن فحوى أسلوب حياتهم بكليته يدل على أنها تستحق الإعجاب، وهي باعتراف الجميع تخالف كل توقع.
إنهم يقيمون في مواطنهم، ولكن كما لو كانوا غرباء؛ إنهم يشتركون في كل شيء كمواطنين، ويتحملون كل الأعباء كغرباء؛ كل أرض غريبة هي موطنهم؛ وكل وطن هو أرض غريبة. إنهم يتزوجون كالآخرين وينجبون أطفالاً.
إنهم يبسطون مائدتهم للجميع، لكن ليس مضاجعهم. إنهم في الجسد، ولكنهم لا يعيشون بحسب الجسد. إنهم يقضون أيام حياتهم على الأرض، ولكنهم يحملون جنسية السماء. إنهم يطيعون القوانين المستقرة، لكن حياتهم الخاصة تذهب إلى ما هو أبعد من تلك القوانين.
إنهم يحبون الجميع، ويضطهدون من الجميع. إنهم غير معروفين، إلا أنهم يدانون؛ يحكم عليهم بالموت، ولكن يعادون إلى الحياة. إنهم فقراء، لكنهم يغنون كثيرين. إنهم محرومون من كل شيء، لكنهم أغنياء في كل شيء، إنهم مهانون، لكنهم في إهانتهم يجدون مجدهم. يفترى عليهم، لكنهم يبرئون. يشتمون، ولكنهم يباركون؛ يهانون لكنهم يعطون كرامة.
يفعلون الخير، ولكنهم يعاقبون كفاعلي شر، وعندما يعاقبون يبتهجون لأنهم قد أسرعوا للحياة. يحاربهم العالم و يضطهدهم ، وهؤلاء الذي يضطهدونهم لا يستطيعون أن يعطوا سببا لما يكنوه لهم من عداوة. ولنقل ذلك باختصار، كما أن الروح في الجسد، هكذا أيضا المسيحيون في العلم، فالروح منتشر في كل أعضاء الجسد، والمسيحيون منتشرون في كل مدن العالم.
والروح يسكن في الجسد لكنه ليس جزء منه؛ هكذا يسكن المسيحيون في العالم، لكنهم ليسوا جزءاً منه. إنه هو نفسه غير مرئي، لكنه محبوس في الجسد المرئي؛ هكذا المسيحيون معروفون في العالم هكذا، لكن ديانتهم تبقى خفية. وبالرغم من أن الروح لم يسئ إطلاقاً إلى الجسد إلا أن الجسد يكرهه ويحاربه لأنه يمنعه من الانغماس في شهواته؛ هكذا أيضا العالم، بالرغم من أن المسيحيين لم يسيئوا إطلاقاً إليه، إلا أنه يكرههم لأنهم يقاومون مسراته.
والروح يحب الجسد الذي يكرهه؛ هكذا يحب المسيحيون الذين يكرهونهم.والروح محبوس في الجسد، ولكنه يحفظه؛ هكذا أيضاً المسيحيون محبوسون في العالم كما في سجن، إلا أنهم هم الذين يحفظونه. وبالرغم من أن الروح خالد، إلا أنه يسكن في مسكن مائت؛ هكذا أيضاً المسيحيون بالرغم من أنهم يسكنون كغرباء بين الأشياء القابلة للفساد، إلا أنهم يتطلعون لعدم الفساد الذي ينتظرهم في السماء.
وكما أن الروح يكون في حال أفضل بتقنين المأكل والمشرب؛ هكذا أيضاً المسيحيون عندما يضطهدون يزدادون يوما بعد يوم. هذا هو الدور المهم الذي أسنده الله إليهم، ومن غير المسموح به أن يهربوا منه
ان كل إنسان يرغب في تعلم مهنة، فليراقب معلمه كيف يعمل وبأية حذاقة يؤدي عمله! ليسع هو ايضا ان يعمل مثله، ليتقن الصنع. وإذا فشل فهو غير أهل لهذه الصنعة.
ونحن ايضا لنا معلم، ربنا يسوع المسيح، فلماذا لا نتمثل بتعليمه؟
فقد تخلى عن الراحة والطعام والمجد والغنى والكبرياء وحب السيطرة، وعن أمه وإخوته، وحتى عن نفسه، لأجل خضوعه للآب ومحبته لنا نحن البشر. إنه احتمل ليس فقط البغض والإضطهاد والتعيير والتحقير، بل قبل الصلب على خشبة حتى يخلص اليهود واليونانيين التائبين.
فإذا كان هو قد تخلى عن كل شيءولم يخجل من الصليب ولم يرذل الموت، فلماذا لا نتمثل نحن بآلامه، ولماذا لا نتخلى من أجله عن أنفسنا، فيعطينا الصبر من عنده.
لقد احتمل هذه الأشياء لأجلنا، فلنتحملها لنفسنا. فهو لا يحتاج إلينا، أما نحن فإننا بحاجة الى رحمته. لان الرب لا ينتظر منا سوى إيمان صادق ،إن بررت فبماذا تمن عليه وماذا يأخذ من يدك؟ إنما نفاقك يضر إنسانا وبرك ينفع إبن الإنسان.
( الفصل الخامس من الرسالة الى " ديوجينتوس” )
الرسالة الرسالة إلى ديوجينتوس هي عبارة عن دفاع عن المسيحية وتعد من كتابات الآباء المدافعين عن الإيمان" آباء ما قبل نيقية" The Apologetics، كتبت على شكل رسالة موجهة إلى الوثني ذي المنصب المرموق ” ديوجينتوس” (Diognetus)، واكتشفت في القرن السادس عشر ونحن لا نعرف المزيد عن الكاتب أو المرسل إليه. من الممكن ايضا أن يكون ديوجينتوس هو نفسه المعلم الخاص بالإمبراطور ماركوس أوريليوس. أما زمن الكتابة فهو محمل تخمين لكن على الارجح انها كتبت في العصر المسيحي الاول لان هناك الكثير من الأمور المشتركة بين محتوى الرسالة إلى ديوجينتوس وكتابات أرستيدس، لكن لا يبدو أن الرسالة تعتمد عليها بشكل مباشر. ومن ناحية أخرى، استخدم الكاتب كتابات القديس إيرينيوس الذي عاش في القرن الاول المسيحي.