اهلا

على خطى السيد المسيح – دليل الأرض المقدسة للدكتور عاطف عبود، دليل سياحي – تاريخي – ثقافي
زياد شليوط - شفاعمرو
نقف في هذه الأيام على مسافة قصيرة من عيد الميلاد المجيد، وأراها مناسبة جميلة حيث تجري الاستعدادات لاضاءة الشجرة وإقامة أسواق الميلاد وغيرها من أمسيات وبرامج مختلفة، أراها مناسبة أن نلتفت إلى كتاب جدير بالاهتمام والقاء الضوء عليه في خضم الضجيج الاحتفالي، ألا وهو "على خطى السيد المسيح – دليل الأرض المقدسة" الذي أعده وأصدر الطبعة الثالثة منه، ابن شفاعمرو، الدكتور عاطف أنيس عبود في العام الماضي، بعدما أدخل عليه تغييرات وتعديلات أغنت مضمونه بالمزيد من المعلومات وصوره الحديث منها، إلى جانب الخرائط التوضيحية.

وقبل استعراض فحوى الكتاب/ الدليل، نتوقف عند ما جاء في الكلمات الافتتاحية والتي شارك فيها بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا الذي عبر عن تقديره للكتاب في المقدمة التي وضعها له، منوها للأسباب: أولا لأنه صدر باللغة العربية، ثانيا يتضمن قيمة عالية في العلاقات بين الأديان والثقافات، ثالثا لأن المؤلف ابن الأرض المقدسة وأخيرا لأنه "يخلق صلة جيدة ومباشرة بين الأماكن المقدسة والكتاب المقدس مع الكنيسة الأم في الأرض المقدسة اليوم". (ص 14)
ويشيد المطران بولس ماركوتسو بالكتاب قائلا: "الانطباع السائد الذي يتملكني عند قراءة هذا الكتاب هو أنه كتاب وحدة يجمع بين التاريخ والحاضر، بين الحجارة والانسان" ص 19
أما افتتاحية المؤلف بعنوان "أصالة الوجود العربي المسيحي في الشرق"، يبرز فيها الجذور العميقة للمسيحية وارتباط ذلك بالمكان/ الأرض والتي عليها أقيمت أولى الكنائس مؤكدا "وعروبتنا هي ميراثنا ونيشان نضعه على صدورنا". (ص 24). كما يستعرض بدايات الكنائس بين القبائل العربية سواء في الجزيرة العربية وبلاد الشام والأرض المقدسة.
لماذا الدليل؟ يقول المؤلف: "شهادة محبة، جواب لكل سؤال، هدف التوعية، أهمية المكان والتاريخ". وماذا يحوي هذا الدليل الشامل؟ شرحا وافيا عن المكان وتاريخه يقابله النص الإنجيلي.
وينوه الكاتب في التوطئة كذلك الى التسميات التي أطلقت على الأراضي المقدسة وهي: كنعان، إسرائيل، فلسطين والأرض المقدسة، ويقدم نبذة تاريخية قصيرة يذكر فيها بأن الكنعانيين هم سكان البلاد الأصليين.
دليل يغطي كل الأماكن المقدسة في أرضنا بالكلمة والصورة

يبدأ الدليل باستعراض الأماكن المقدسة في مدينة القدس، باعتبارها أهم مدينة في الأرض المقدسة والتي شهدت أهم الأحداث في مسيرة السيد المسيح، فيها علّم في الهيكل وإليها دخل على أتان وقضى آخر أسبوع من حياته يصلي ويعاني في جبل الزيتون، ومن ثم القاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة وصدور حكم الصلب عليه والموت فيها والقيامة، وبعد القيامة الصعود إلى السماء. لذا شيدت وبنيت في هذه المدينة أهم الكنائس ومن أقدمها وأهمها كنيسة القيامة، إضافة إلى عشرات الكنائس التي تمثل أحداثا هامة في تاريخ المسيحية الى جانب عشرات الأديرة والمزارات. ويستهل المؤلف بالتعريف بالمدينة وأهميتها التاريخية ومن ثم المقدسات المسيحية قبل أن يأتي عليها بالتفصيل. بعد المدينة يستعرض الأماكن المقدسة في ضواحي القدس مثل: عين كارم وأبو غوش وعمواس وبيت عنيا وغيرها.
يأتي الكاتب على منطقة الثانية بأهميتها وهي مدينة بيت لحم، التي شهدت ميلاد الطفل يسوع، له المجد، فيأتي على كنيسة المهد، حيث مغارة الميلاد وكذلك حقل الرعاة في بيت ساحور، الذين كانوا أول من علمَ وتلقّى بشارة ولادة الطفل الموعود، فيقول عنها: "تعتبر كنيسة المهد، حيث ولد السيد المسيح، أقدم الكنائس في العالم ومن أهمها. وعي الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الامبراطور قسطنطين وأمه الملكة هيلانة في مطلع الفرن الرابع الميلادي." (ص 172)
وينتقل الى منطقة أريحا واليهودية وبعدها السامرة والشارون التي تشمل اللد ويافا وقيسارية. ثم يأتي إلى الجليل وتكون المحطة الأولى في مدينة الناصرة، مدينة البشارة، حيث بشرت مريم العذراء بولادة المسيح – له المجد- فتكون الزيارات للكنائس التي تحمل اسم البشارة وعين العذراء وغيرها من الكنائس والأديرة وكذلك ضواحي الناصرة وأهمها قانا الجليل/ كفر كنا وكنيسة العرس فيها التي يزورها سنويا مئات الألوف من السواح من مختلف أصقاع الأرض. والمحطة الثانية تحل في بحيرة الجليل (طبريا) وكنائسها في كفر ناحوم وبانياس وانتهاء بالجليل الغربي حيفا وشفاعمرو.
إن ما قدمه الدكتور عاطف في كتابه، لا يقتصر على كونه دليلا سياحيا مفصلا وموقفا ومدعوما بالنصوص القديمة والخرائط، انما هو عمل جبار واتخذه كمشروع حياة، حيث لم يكتف بما أنجزه في الطبعة الأولى بل اجتهد وواصل جهده وبحثه وعمل على تطوير كتابه وتجديده واغنائه، فأصدر منه الطبعة الثانية فالثالثة، ولعل ما قاله المطران بطرس المعلم في عبارة واحدة لدى تقديمه للكتاب يلخص فيها قيمة ها الكتاب بقوله: "أما مثل هذا الكتاب، بلغتنا ولشعبنا، وبقلم أبنائنا وروحانية كنيستنا، فليس إلا واحد" (ص 17). ولا أظنه أن الدكتور عاطف يكتفى بذلك، وأخاله يسعى لاصدار طبعة رابعة أكثر أناقة وثراء وغنى معرفيا ومعلوماتيا.
وفي الختام أتمنى للدكتور عاطف عبود، العمر الطويل والقوة والمزيد من البحث والتنقيب واغناء مكتبتنا بأبحاثه ومعلوماته العميقة والغنية.