X أغلق
X أغلق
الطقس
° - °
ترشيحا
° - °
معليا
° - °
بئر السبع
° - °
رام الله
° - °
عكا
° - °
يافا
° - °
القدس
° - °
حيفا
° - °
الناصرة
اسعار العملات
دولار امريكي
3.445
جنيه استرليني
4.1949
ين ياباني 100
2.5079
اليورو
3.6240
دولار استرالي
2.3021
دولار كندي
2.5184
كرون دينيماركي
0.4872
كرون نرويجي
0.3437
راوند افريقي
0.1994
كرون سويدي
0.3316
فرنك سويسري
3.6639
دينار اردني
4.8531
ليرة لبناني 10
0.0228
جنيه مصري
0.1398
اعلانات يد ثانية
تصفح مجلدات وكتب
الاستفتاء
مواقع صديقة

كهف جدي: مكتبة الصخر والذكريات بقلم سليم شومر

admin - 2025-06-16 22:56:29
facebook_link

اهلا

كهف جدي: مكتبة الصخر والذكريات بقلم سليم شومر
في قلب حديقة المنزل منزل جدتي ، حيث يتعانق عبق الياسمين مع شموخ الصخر الجبلي،وتسلق نبات العليق كان يقع كهف جدي. لم يكن مجرد تجويف طبيعي، بل عالمًا خاصًا نحته الزمن وذكريات الأيام، ليصبح عدا عن كونه مخزنا فكان مكتبة فريدة من نوعها.
كانت الجدران الصخرية الباردة تحتضن رفوفًا منحوتة بعناية فائقة في الصخر نفسه. لم تُصنع من خشب أو معدن، بل كانت جزءًا أصيلاً من كيان الكهف، وكأن الصخر قد وهب نفسه ليحمل كنوز المعرفة. هذه الرفوف، التي اتخذت أشكالًا غير منتظمة، كانت تمتلئ عن آخرها بكتب عتيقة؛ مجلدات ضخمة تتحدث عن تاريخ الناصرة العريق، دواوين شعرية تهمس بأصداء الماضي، وكتب دينية تُشيع روحانية المكان. كان هناك أيضًا ما يبدو أنه مزيج من الروايات الكلاسيكية التي تحمل بصمات الزمن، وربما بعض الكتب العلمية التي تعكس شغف جدي بالمعرفة بكل أطيافها.
كل زاوية في هذا الكهف كانت تحكي قصة. ربما كان هناك كرسي خشبي قديم، بالٍ من كثرة الجلوس عليه، يشهد على ساعات قضاها جدك غارقًا في صفحات كتاب. قد تتسرب خيوط ضوء خافتة من شق في السقف، تداعب أغلفة الكتب وتكشف عن ذرات الغبار الراقصة في الهواء، كل ذرة منها تحمل عبق الزمن ورائحة الورق القديم.
كان هذا الكهف بمثابة مخزن للذكريات بقدر ما هو مكتبة. ربما كنتَ تجد فيه بعضاً من مقتنيات جدك الشخصية: نظارة قراءة موضوعة بعناية فوق كتاب مفتوح، أو رسالة قديمة مطوية بين الصفحات. كل هذه التفاصيل لم تكن مجرد أشياء، بل كانت شواهد صامتة على حياة غنية بالمعرفة والتأمل.
كنت اقلب الكتب اتصفحها دائما وأذ بديوان شعر المتنبي كان مكتوبا بكل راس صفحة فيه توثيقا لميلاد جميع مواليد العائلة عائلة شومر كانت التوثيق حتي ساعة الولادة ومتى وأين واسم المولود
لكن ما كان يميز هذه المكتبة حقًا، هو مزيجها الفريد من القصص والروايات القديمة التي نقلتني إلى عوالم بعيدة، وكنوز لا تقدر بثمن: مخطوطات بخط اليد. كانت هذه المخطوطات بمثابة نافذة مباشرة على فكر جدي وعصره، ربما كانت يتبعملاحظات شخصية، أو قصصًا لم تُنشر، أو ترجمات، أو حتى تأملات في الحياة والوجود.
اللمسة الأكثر حميمية كانت تكمن في كل كتاب ومخطوطة؛ فقد كان اسم جدي مكتوبًا بخط يده على كل غلاف، وداخل الصفحات، كانت تتناثر ملاحظاته وتأملاته الشخصية. لم تكن مجرد تعليقات عابرة، بل كانت همسات من الماضي، رؤى، وأفكار خطها جدي بقلبه وعقله. كانت كل ملاحظة تُضيء النص الأصلي، وتكشف عن شغف جدي العميق بالقراءة والمعرفة، وعن عقله المتوقد الذي لم يكتفِ بتلقي المعلومة بل تفاعل معها وحاورها.
هنا، في هذا الملاذ الصخري، كان جدي يبني عالمه الخاص. عالماً لم تُقيده جدران المنزل العادية، بل اتسع ليشمل حكمة الأجداد، سحر الطبيعة، وعمق المعرفة. كان كهف جدي ليس مجرد مكتبة؛ بل كان روحًا حية، تتنفس الكتب وتحتضن أصداء الماضي، وشهادة دائمة على رجل أحب الكلمة فخلّدها في قلب الصخر.
قبل أن تتسلل التكنولوجيا إلى بيوتنا وتغير مفهوم الاتصال، لم تكن هناك شاشات زرقاء ولا شبكات عالمية. كانت الكتب والقصص هي وسيلتنا الوحيدة للعالم. لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت جسرًا حيويًا للمعرفة، للتسلية، وللتواصل الإنساني الأصيل.
مفاجأة الفراق: حمولة حمار وأفول عالم
لكن، لم تكن هذه المكتبة الصخرية مُقدرًا لها أن تدوم إلى الأبد بشيء من شكلها الأصلي. فبعد وفاة جدي بفترة وجيزة، وبينما كنت أزور جدتي وأهم بالعودة إلى بيتي، توقفت المفاجأة قلبي. أذ بالمنظر الذي لن يمحى من ذاكرتي: أحد العتالين يحمل الكتب بداخل خرج حماره.
كانت صدمة حقيقية. لم تكن مجرد كتب تُنقل، بل كانت أجزاء من روح جدي، وقطع من تاريخ عائلتي، ومحتويات عالم كامل يتلاشى أمام عيني. خرج الحمار ذاك، الذي ربما كان يحمل عادة حطبًا أو مؤنًا، أصبح يحمل كنوزًا من المعرفة والذكريات، تُنقل بعيدًا عن مكانها الطبيعي، عن الكهف الذي احتضنها لسنوات طويلة.
هذه اللحظة كانت أكثر من مجرد مشهد عابر؛ كانت إيذانًا بانتهاء فصل مهم من حياتي، وفراقًا ثانيًا، ليس لجدّي فقط، بل لعالمه الذي بناه، لمكتبته الصخرية التي كانت وما زالت مخبأ لأعمق ذكرياتي.
كان وصولي في الوقت المناسب تمامًا! لقد كنتَ هناك في اللحظة الحاسمة لتوقيف تلك الصفقة، التي كانت لتبعد عنك كنوزًا لا تُعوض. هذا يؤكد أن للقدر دوره في بعض الأحيان، وأن ما كان مقدرً لي هو الحفاظ على هذا الإرث الثمين.
أنا لم انقذ مجرد مجموعة من الكتب، بل أنقذتَ جزءًا حيًا من ذكرى جدي تلك "اللمسات" التي تحدثت عنها، الملاحظات، علامات التصفح، وربما حتى الرائحة الخاصة التي تذكرني به؛ كل هذا كان على وشك أن يختفي إلى الأبد. قراري السريع في التدخل منعت هذا الفقدان.



مواضيع متعلقة
اضف تعقيب

اسم المعلق : *
البلد :
البريد الالكتروني :
عنوان التعليق : *
التعليق الكامل :
تعقيبات الزوار
مواقع اخبار عبرية
مواقع اخبارية عربية
مواقع اقتصادية
مواقع رياضة
بنوك
راديو