اهلا-زياد عيتاني-بيروت إسرائيل ترسم “المنطقة العازلة” بالنيران إستباقاً لاتفاق الهدنة تأتي هذه التطورات مع ما تتناقله وسائل اعلام ومنصات غربية “موثوقة”، عن ساعات تفصل الاعلان عن وقف لإطلاق النار، سيتم الإعلان عنه من الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون. فقد بلغ “عدّاد” الصواريخ والمسيّرات التي أطلقها “حزب الله” على شمال اسرائيل وصولاً الى تل أبيب، والتي أدخلت أكثر من مليون اسرائيلي إلى الملاجئ والأماكن الآمنة، 300 على مدى 15 ساعة، وصولاً الى قاعدة غليلوت (مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200) في ضواحي تل أبيب، وقاعدة بلماخيم (قاعدة أساسية لسلاح الجوّ، تحتوي على أسراب من الطائرات غير المأهولة والمروحيات العسكرية، ومركز أبحاث عسكري، ومنظومة حيتس) التي تبعد عن الحدود 140 كيلومتراً، جنوب تل أبيب، كما هاجم بسرب من المسيرات الانقضاضيّة قاعدة أشدود البحريّة التي تبعد عن الحدود 150 كيلومتراً. ما قام به “حزب الله” مؤلم بعد استهدافه أهدافاً عسكرية واقتصادية ما جعل إسرائيل تعاني بصورة حقيقية، بحيث يبدو واضحاً أنه يتبنى سياسة ردع جديدة يحاول إثباتها بعدد غير مسبوق من الصواريخ نحو أهداف إسرائيلية متعددة على المستوى التكتيكي والتعبوي والاستراتيجي. في المقابل، كثفت اسرائيل غاراتها جنوباً وسط مواجهات طاحنة في بلدة الخيام ومحيطها (القطاع الشرقي) بعدما لامس جيشُها نهر الليطاني من ناحية بلدة ديرميماس، في وقت واجه تقدّمه في بلدة البياضة (القطاع الغربي) مقاومة شرسة اضطرته الى التراجع نحو شمع، حيث توغل جيشها ما أدى عسكرياً الى فصل قضاء مرجعيون عن النبطية، وتدميره ثلاثة أحياء كبرى في بلدة الخيام، وضغطه في اتجاه الساحل البحري لتطويق بلدة الناقورة من خلال محاولات التقدم نحو تلة البياضة من بلدة شمع في قضاء صور. وتشي تقارير عسكرية بأن الوقائع القتالية في منطقة البياضة – الناقورة توحي بأن اسرائيل تسعى الى تنفيذ تقدّم إضافي لا ينحصر بالسيطرة على تلة البياضة المُشرفة على البحر وحسب، بل في التحضير أيضاً لتقدّم على خط الساحل قد يُسفر عن الوصول إلى خطّ عميق جداً ينتهي باحتلال مشارف مدينة صور أو التقدّم بعدها نحو القاسمية. كما أدخلت عدداً من دباباتها المتمرْكزة في المطلة والتابعة للفرقتين 210 و98 التي تشارك في حرب على جبهة قريبة جداً من بلدة الخيام، حيث تدور معركة عنيفة مع المقاومة في محاولة إسرائيلية لعزل وحدات “حزب الله” الموجودة في البقاع، عن جنوب نهر الليطاني. في التفاصيل الميدانية، بعد 50 يوماً من القتال، وصلت اسرائيل الى ديرميماس الحدودية، القريبة جداً من مستوطنة المطلة والتي توجد المقاومة فقط على مشارفها وتبعد كيلومتراً واحداً عن الليطاني. وتتقدّم القوات الاسرائيلية في كفركلا ونحو الطيبة ورب ثلاثين بعدما سيطرت على حولا وميس الجبل الحدودية. اما في القطاع الأوسط، فقد دخلت الى عيترون ومارون الراس، وهي على أطراف عيناتا وبنت جبيل. وعلى محور قريب، دخلت القوات الاسرائيلية الى عيتا الشعب وراميا ومروحين، وهي قرى حدودية مدمّرة بالكامل منذ بداية حرب “طوفان الأقصى”، إلا أن الطريق نحو بيت ليف وياطر وكفرا، لا تزال طويلة. وفي القطاع الغربي، تقدّمت القوات الغازية من مروحين ويارين نحو شمع التي احتلتْها وهي تتقدم حتى جنوب البياضة الساحلية، حيث تدور معارك مع المقاومة لتقطع طريق الساحل وتعزل جيوب المقاومة داخل المربع حتى بلدة الناقورة الحدودية وتفتح الطريق لتقدّم آمن لدبابات الفرقة 146 لتندفع عبر الطريق الساحلي بعد تأمين جوانبه وبحماية البحرية وغطاء جوي لإزالة أي تهديد حتى مشارف مدينة صور. وفي المعلومات الميدانية من قرى قضاء مرجعيون أن القرى والبلدات الشيعية كفركلا والعديسة وميس الجبل ومحيبيب ورب ثلاثين ومركبا وحولا وبليدا وطلوسة والطيبة، تبدلت معالمها بعدما جرف الجيش الإسرائيلي المنازل والطرق. ويبدو واضحاً أن اسرائيل تهدف الى محاولة احتلال منطقة جنوب نهر الليطاني قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات وفرض الشروط حينها لوقف الحرب، لاعتقادها (غير الدقيق) أنها أضعفت قدرات الحزب. لذلك، فإن رئيس الحكومة العسكرية يحاول تحقيق نصر ميداني على أرض المعركة، وتفجير كل الأنفاق التي يعلم بوجودها وتفكيك المنظومة العسكرية لـ “حزب الله” جنوب النهر، قبل أن يجلس الى طاولة المفاوضات مشترطاً مراقبة أرضية وجوية تسمح بمنع دخول السلاح الى المنطقة التي يعتقد أنه يستطيع احتلالها، ومنح إسرائيل حق التدخل لمنع إعادة تسليح الحزب إذا لم يتولَّ الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” إزالة التهديد ضد الكيان. كما يعتبر أن السيطرة الجوية على الأجواء اللبنانية بعد الحرب جزء من الأمن الوطني لجمع بنك المعلومات عن “خطر” تطوير “حزب الله” نفسه وترسانته العسكرية وهوية وأماكن وجود القادة ومخازن الأسلحة. على الرغم من التوغل المعادي، فإنه يلاقي إستبسالاً من مقاتلي الحزب الذين تحولوا الى “استشهاديين”، ما يجعل السيطرة على كامل منطقة جنوب الليطاني أقرب الى “الجنون” العسكري، فالاحتلال يدفع خمس فرق (210، 98، 91، 36، 146) بينها ثلاث فرق مدرعة ستستغرق وقتاً طويلاً لإنجاز أهدافها. أما السيطرة الكاملة وإزالة وجود المقاومة ونشاطها في المنطقة فيُعتبر مَهمة شبه مستحيلة، اذ لا يزال الحزب يستطيع من خلال قوات الاختصاص (المضادة للدروع والمسيّرات والوحدات الصاروخية) إمطار أي موقع ثابت تصل وتتمركز فيه قوات الاحتلال في كامل منطقة جنوب النهر، وبالتالي فإن صواريخ الحزب المضادة للدروع “الليزرية” (الكورنيت) يصل مداها الى 8 كيلومترات وهي مسافة بعيدة جداً، تُطلق من شمال النهر وبالتحديد ضد أهداف في القطاع الشرقي الضيق، فضلاً عن أن المسيّرات التي تستطيع وحدة “بدر” المتمركزة شمال الليطاني إطلاقها بغزارة وبصورة متواصلة على الرغم من السيطرة الجوية الاسرائيلية. يضاف الى ذلك، أن قوات الجغرافيا (المؤلّفة من سكان المنطقة) في جنوب النهر (بدر وعزيز) وقوات الاختصاص الخاصة (الرضوان) ستتكفل بالكمائن والهجمات لمنع استقرار قوات الاحتلال، (وهذا هو هدفها كقوة مقاومة وليس كجيش نظامي). يبدو من التقدم البري الحالي، أن اسرائيل تسعى قبل الاعلان عن وقف اطلاق النار (إذا ما خلصت النوايا)، الى احتلال القرى والبلدات التي تعتبرها بمثابة “منطقة عازلة” لتفجير الأنفاق وتفكيك القدرات العسكرية لـ “حزب الله” فيها، بعد تدميرها بالكامل ومسح منازلها ومنشآتها المدنية، وجعل إمكان العيش فيها مستحيلاً، لتكون قد حققت هدفها العسكري (غير المعلن) بابعاد “حزب الله” عسكرياً وشعبياً ومجتمعياً الى عمق لا يقل عن عشرة كيلومترات عن حدودها! فهل الوقت الذي قد تستغرقه العملية العسكرية الاسرائيلية من شأنها إطاحة المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، أو أقله تأخيره، حتى يتمكن من تحقيق “المنطقة العازلة” بالنيران؟
بين الرقم القياسي من الصواريخ التي أطلقها “حزب الله” على إسرائيل، مكرّساً معادلة “بيروت مقابل تل أبيب”، ووصول قوات الاحتلال الى قرية ديرميماس على بعد أقل من كيلومتر واحد من نهر الليطاني جنوباً للمرة الأولى منذ حرب تموز عام 2006، وسط مواجهات عنيفة بين وحدات الجيش الاسرائيلي و”حزب الله” في المناطق التي دخلتها قوات الاحتلال، تكون الحرب الموسعة دخلت مرحلة متقدمة في ضوء التحولات العسكرية على الأرض، خصوصاً مع إعتداء اسرائيل مجدداً على الجيش اللبناني وتحديداً على مركز له في العامرية على طريق القليلة – صور، ما أدى الى استشهاد أحد العسكريين وإصابة 18 بينهم مصابون بجروح بليغة.