
















اهلا- زياد عيتاني - بيروت اغتيال هنية المفاوض… يطيح المفاوضات؟
مع عودة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من واشنطن، إستحضر على الفور الاستراتيجية الصهيونية الفكرية والسلوكية العميقة، المتمثلة في سياسة الاغتيالات والتصفيات للقادة البارزين في مختلف حركات المقاومة ضدها، والتي دأبت على إتباعها منذ بداية الصراع العربي-الاسرائيلي.
فقد تمكن العدو الاسرائيلي خلال أقل من ١٢ ساعة من توجيه ضربتين مؤلمتين الى الحلف الايراني في المنطقة باستهدافه وقتله رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران وقائد عمليات “حزب الله” فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
من المؤكد أن اسرائيل وضعت نصب عينيها الوصول الى أهداف حيوية ورمزية (شخصيات وأماكن)، لتؤكد تفوقها التقني وقدرتها على الاختراق الأمني والمخابراتي من خلال تنفيذ عمليات وضربات دقيقة، لتعيد الاعتبار الى فكرة الردع، خصوصاً وأن كل من إغتالتهم منذ “طوفان الأقصى” هم كبار القادة الفاعلين والمؤثرين عسكرياً وميدانياً في الميدان، ويتبوؤن مواقع طليعية في الهيكلية التنظيمية والبنيوية للمؤسسات العسكرية في تنظيماتهم، في إطار إستراتيجية تفريغ البنى العسكرية لتلك التنظيمات من قادتها الممسكين بمسار المعركة، في محاولة لإضعافها من “العقول” المفكرة والمخططة، بهدف الحد من قدراتها العملاتية.
فالهدفان الأخيران، من المفترض أنهما محاطان بكل الحماية والمناعة، سواء في طهران أو في الضاحية، ما يظهر حجم الاختراق الاسرائيلي لإيران وحلفائها، خصوصاً أن طهران و”حزب الله” كثيراً ما هددا بأن إسرائيل أقرب إليهما مما تتخيل، لكن تل أبيب عكست الموقف وتمكنت باستخباراتها وإمكاناتها العسكرية من توجيه ضربتين متواليتين بفاصل زمني قصير.
المفاجأة المباغتة تمثلت في إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية، لأن رد إسرائيل على “حزب الله” التي زعمت أنه وراء الصاروخ على مجدل شمس كان متوقعاً، علماً أن هنية على الرغم من منصبه الوازن في “حماس”، الا أنه من خارج القيادة العسكرية، وأكثر من ذلك، فهو كان يمثل الحركة في جولات التفاوض طيلة الفترة الماضية.
من هنا، فإن عملية الاغتيال تنطوي على مجموعة دلالات، لكن أهمها، يتمثل في أنها تزامنت مع جولات التفاوض التي تواجه تعثرات، الأمر الذي يؤكد بما لا يقبل الشك عزم نتنياهو على استكمال المسار العسكري، واعتماد منهج المراوغة في التفاوض لكسب الوقت والهروب الى الأمام من أزماته الداخلية، ورهانه على استمرار الحرب الحالية في أن تضمن له فرص البقاء في المشهد السياسي عقب انتهائها، وتعزيز حظوظه الانتخابية لدى تيار اليمين المتطرف ليضمن إعادة انتخابه من جديد في أية انتخابات قادمة، وهو ما يضمن له أن يتجنب اختتام تاريخه السياسي وإرثه الذي سيتركه باعتباره رئيس الوزراء الأطول حكماً في تاريخ الدولة العبرية بهذه الهزيمة المذلة من جانب حركة “حماس”.
وهنا لا بد من التذكير بأنه وعلى الرغم من إستهداف قائد الجناح العسكري للحركة محمد الضيف، وعلى إثرها إغتيال رافع سلامة، قائد لواء خان يونس، لم تعلق “حماس” المفاوضات، لا بل على العكس بقيت تتعامل معها بقدر كبير من المرونة، مع كل العراقيل التي كان يضعها نتنياهو.
إلا أن إغتيال هنية سيدفع “حماس” الى تكثيف رسائل الضغط للداخل الاسرائيلي، خصوصاً وأن العملية الأخيرة تعكس عدم اكتراث نتنياهو وحكومته بالأسرى، وتحمل مخاطرة بحياتهم، نظراً الى تأثيرها الكبير على سير المفاوضات التي تمثل الأمل الوحيد في عودتهم أحياء بعد أن ثبت فشل المسار العسكري في تحريرهم، وإن نجح بصورة محدودة إلا أنه في المقابل تسبب في مقتل أعداد مساوية لأعداد الأسرى المحررين.
وعليه، من المتوقع أن تتخذ “حماس” قراراً حاسماً بتعليق المفاوضات، بعدما تأكد للعالم بأسره حقيقة نوايا اسرائيل باستمرار حرب الابادة على غزة، وتوسيع الحيز المكاني لمسرح العمليات وتمدده، متجاوزة كل الخطوط الحمر، الأمر الذي يسقط مبرر الاستمرار في التفاوض العبثي، خصوصاً وأنها تدفع أثماناً باهظة، جراء العمليات الاسرائيلية التي تتزايد وتتصاعد كماً ونوعاً، ما يعكس حقيقة الموقف الاسرائيلي من كامل المشهد التفاوضي وسيناريوهات اليوم التالي للحرب.
بانتظار ما ستحمله الأيام القادمة من تطورات وأحداث، بعد عملية إغتيال هنية، لا شك في أن “حماس” ستعتمد إستراتيجية جديدة على الصعيدين السياسي والعسكري، خصوصاً في ما يتعلق بمنهج التعامل مع مجريات الحرب في قطاع غزة، ومسار المفاوضات لجهة تعليقها أو المضي بها.