
















اهلا رسائل هجوم سيدنى
بقلم / طلعت إسماعيل
////////////////////////////////////////////////////////////////////////م
قبل أن تكشف التحقيقات الأمنية الأسترالية عن الدوافع الحقيقية للهجوم الذى استهدف تجمعًا على شاطئ بونداى فى مدينة سيدنى خلال الاحتفال بعيد الأنوار اليهودى «حانوكا»، سارعت إسرائيل إلى توظيف الحادث فى إطار ما تسميه عادة بمعاداة السامية، وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الربط بين ما جرى واعتراف الحكومة الأسترالية بالدولة الفلسطينية فى شهر سبتمبر الماضى.
وقال نتنياهو إنه أرسل رسالة فى أغسطس إلى رئيس الوزراء الأسترالى أنتونى ألبانيز، يحذر فيه كانبرا من تأجيج «نار معاداة السامية»، زاعمًا أن سياسات ألبانيز، التى تشمل الاعتراف بدولة فلسطينية، «تشجع على كراهية اليهود»، وهو اتهام كرره أكثر من وزير فى الحكومة الإسرائيلية.
الحادث الذى أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، واتهم فيه أب وابنه وفق التقارير الأولية، لا يمكن فصله عما يدور على أرض فلسطين من جرائم إسرائيلية فى قطاع غزة والضفة الغربية، بما ساهم فى رفع منسوب الكراهية تجاه الدولة العبرية، كرد فعل، وهو مخزون من الغضب الذى يولد عنفًا لا يمكن التنبؤ بمساره، جماعيًا كان أم فرديًا.
تجاهلت تل أبيب ما يرتكبه جيشها من عمليات إبادة جماعية وتجويع متعمدة لمئات الألوف من الفلسطينيين فى غزة، وسعت جاهدة لتوظيف هجوم سيدنى فى إطار «معاداة السامية»، والتباكى على الضحايا، واستغل الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوغ الواقعة فى إلقاء اللوم على أستراليا ضمنيًا عندما قال: «حذرنا مرارًا وتكرارًا أمام الحكومة الأسترالية من أن الحاجة إلى اقتلاع معاداة السامية أصبحت ضرورية».
وفى سياق الحادث نقل موقع قناة «العربية» عن تقرير أصدره المجلس التنفيذى لليهود الأستراليين، يرصد تصاعد الحوادث المرتبطة بـ«معاداة السامية» منذ العدوان الإسرائيلى على غزة عقب 7 أكتوبر 2023؛ حيث أشار التقرير إلى أن عام 2025 شهد الإبلاغ عن 1654 حادثة على علاقة بمعاداة السامية، وإن كانت فى غالبيتها عبارة عن إساءات لفظية، تليها كتابات جدارية تحمل كراهية لليهود.
وأمام الحادث المروع وجد رئيس الوزراء الأسترالى نفسه محاصرا بحملة لوم إسرائيلية خرجت عن أكثر من مسئول، على الرغم من أن الرجل أدان على الفور إطلاق النار الذى استهدف الجالية اليهودية، ووصفه بالعمل الشرير والإرهابى قبل أن يعلن تنكيس الأعلام حدادًا على الضحايا.
وتحسبًا لاستغلال هجوم بونداى ضد الجالية المسلمة ندد مجلس الأئمة الفيدرالى الأسترالى، وهو أكبر هيئة إسلامية فى البلاد، بإطلاق النار «المروع». وقال المجلس فى بيان: «قلوبنا وأفكارنا وصلواتنا مع الضحايا وعائلاتهم، ومع كل من شهد أو تأثر بهذا الهجوم الصادم عميق الأثر». وأضاف: «إنها لحظة لجميع الأستراليين، بمن فيهم الجالية المسلمة الأسترالية، للوقوف معا بروح الوحدة، والتعاطف والتضامن».
أما وسائل الإعلام الأسترالية فقد نشرت مقاطع فيديو تظهر رجلا، عرف فيما بعد بأنه أحمد الأحمد، وهو صاحب محل لبيع الفواكه، وقد انقض على أحد المهاجمين لينتزع منه سلاحه، قبل أن يصاب بطلقين ناريين، فى عمل وصفه الأستراليون بالبطولى الذى أنقذ أرواح العشرات.
وبعيدا عن تفاصيل ما جرى، وردود الفعل المنددة بالهجوم التى خرجت عن العديد من العواصم عبر العالم، لا يمكن تجاهل أن العنف والقهر الذى يتعرض له الفلسطينيون، وخاصة فى قطاع غزة، يسهم بطريقة مباشرة فى رفع منسوب الكراهية، خاصة فى أوساط الجاليات المسلمة عبر العالم.
وإذا كانت تل أبيب تسعى إلى توظيف ما جرى فى سيدنى تحت مظلة الوصاية على يهود العالم، فإن الواقع الذى دفع بعشرات البلدان للاعتراف بالدولة الفلسطينية يؤكد أن الشعوب لم يعد ينطلى عليها استغلال «معاداة السامية» فى مداراة سوءة أفعال إسرائيل وجرائمها فى غزة.
لا يختزل هجوم سيدنى فى كونه حادثًا أمنيًا معزولًا، بقدر ما يكشف عن شبكة رسائل سياسية وإعلامية وأخلاقية متداخلة، تمتد من شاطئ بونداى إلى غزة، وبينما تحاول إسرائيل إعادة إنتاج سردية «معاداة السامية» كدرع واقية من المساءلة، يتكشف واقع مغاير يؤكد أن الشعوب باتت أكثر وعيًا، وأقل قابلية للخلط المتعمد بين الجريمة والسبب، وبين النقد السياسى والكراهية الدينية.