
















اهلا- ناضل حسنين العشاء الأخير للقائمة المشتركة
القائمة المشتركة لا تموت في صناديق الاقتراع، بل تُخنَق ببطء على طاولة المفاوضات. الإطار الذي وُلد كآخر محاولة لإنقاذ الصوت العربي من التلاشي يتحول أمام أعيننا إلى مسرح لابتسامات مصطنعة أمام الكاميرا ووجوه عابسة بعد إطفاء الأضواء. كل حزب يراجع حساباته بصمت، وكأن لحظة إعلان الإفلاس تقترب بهدوء.
لم يعد الخلاف على ترتيب الأسماء القابل للتسوية، بل على لون المشروع وفصيلة دمه: ماذا يعني أن تكون ممثلًا للمواطنين العرب في بلد انقلبت فيه الأولويات وتقلصت فيه مساحة الثقة؟
في هذا الهواء الثقيل، تتشظى القوائم كما تتشظى المرايا القديمة؛ كل شظية تعكس صورة ناقصة من الحقيقة، ولا شيء يجمعها سوى الخوف من الهزيمة القادمة التي تصنعها بأيديها.
منصور عباس ومأزق الشرعية
تشهد الحركة الإسلامية الجنوبية حالة تململ متزايدة حول موقع ودور النائب منصور عباس، الذي يحاول إحكام قبضته على "الموحدة" باعتبارها أداة لمشروعه السياسي الخاص. غير أن هذا المسار يثير اعتراضاً قوياً داخل دوائر قيادية في الحركة نفسها، التي ترى في تحركاته خروجاً عن الإجماع التنظيمي، بل "استيلاءً" على حزب صاغته الجنوبية تاريخياً قبل أن يتصدر عباس واجهته.
تعتبر بعض الأصوات داخل مجلس الشورى أن استمرار هذا النهج يجعل عباس في حالة تعارض مع هوية الحركة الأساسية. ويتم تداول طروحات تدعو إلى سحب البساط من تحت قيادته عبر تأسيس قائمة انتخابية بديلة تمثل الحركة الأصلية وتعيد تعريف مشاركتها في الداخل السياسي. وفي حال تحقق ذلك، من المرجح أن تفقد "الموحدة" أهم روافدها الانتخابية، ما سيؤدي إلى انهيارها المتوقع في أي انتخابات مقبلة، ويضع كذلك "العربية للتغيير" بقيادة أحمد الطيبي في موقع الخطر إذا اختار التحالف معها.
التجمع: خيار العزلة المثقل بالخسائر
في الجهة المقابلة، يواصل "التجمع الوطني الديمقراطي" التلويح بخيار خوض الانتخابات منفرداً تحت شعار الاستقلالية والموقف المبدئي. إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن هذا الخيار قد يؤدي إلى تبديد عشرات آلاف الأصوات العربية تحت خط الحسم، ما يجعل "التمرد" هنا أقرب إلى انتحار سياسي متكرر، لا إلى تعبير عن رؤية بديلة.
الجبهة والطيبي: حسابات الحذر
الجبهة الديمقراطية تعيش حالة من التردد بين الرعب من ان تجد نفسها وحيدة في الساحة بعد تمسك الآخرين كل بموقفه وبين شجاعة الانفصال بكرامة. وفي كلتا الحالتين ستبقى تترنح اسفل نسبة الحسم. ولذا فهي تبحث عن منفعة في التعامل مع ملف الوحدة بأسلوب، يتراوح بين حرصٍ على البقاء ضمن إطار جامع وخوفٍ من فقدان الهوية الحزبية.
أما النائب الطيبي، فيواجه تحدياً مختلفاً، إذ يسعى إلى المواءمة بين استقلاله الحزبي وإمكانية التعاون الانتخابي مع أطراف أخرى، أبرزها الحركة الإسلامية الجنوبية، رغم ضعف احتمالات نجاح تحالف من هذا النوع في ظل عدم الاستقرار الراهن واحتمال نزع الثقة عن "الموحدة" من قبل مجلس الشورى.
المعادلة الانتخابية ومسؤولية الشارع العربي
في ضوء هذا المشهد، يبدو أن استمرار التشتت السياسي سيقود، حسابياً، إلى غياب التمثيل العربي الفعال عن الكنيست. عندها تمر القوانين والسياسات دون أي صوت عربي قادر على الاعتراض أو التأثير. وهذا الوضع لا تتحمله الأحزاب وحدها، بل المجتمع أيضاً، الذي لا تكفي احتجاجاته الافتراضية لإنتاج تغييرٍ ملموس. الغياب عن صناديق الاقتراع في هذه المرحلة المفصلية لن يكون عقوبة رمزية، بل تفويضاً غير مباشر باستمرار الإقصاء السياسي.
لم يعد الاختبار الحقيقي للأحزاب العربية اليوم في الشعارات، بل في قدرتها على التنازل المتبادل من أجل بقاء التمثيل السياسي العربي حياً. أمام الجميع فرصة أخيرة لاستعادة الوحدة كخيار وطني جامع لا كورقة ضغط آنية. فإما أن يتعامل القادة مع اللحظة بقدر من الشجاعة والمسؤولية التاريخية، أو أن يتركوا للمشهد الممزق أن يكتب السطر الأخير في قصة الحضور العربي في الكنيست.