
















اهلا مرآةُ العيدِ ترشوني!
عفيفة مخول خميسة _ معليا
لم يأتِ ذاكَ المساء... طالَ انتظارُ السنينَ وضاقَ الفستانُ عليَّ... واتّسعت حدقةُ الضبابِ في ناظريَّ! وتباغتني المرآةُ بزيارةٍ عابرةٍ، فسألتُها كيفَ تراني ملتفّةً بثوبِ مصبوغٍ بأحدثِ ألوانِ الضجر... ولم تجبْني!
مسحةُ الميلادِ تظهرُ في محيّاها ارتياحًا عميقَ الغورِ نافذَ الأثر... في بريقِ عينيها رسالةٌ نشوى تستعجلُ النهارَ، تحمّسُ النفسَ على السهر... شفتاها حرفانِ رقيقانِ يكذّبانِ آخرَ خبر! إذًا، لم يأفلْ نجمُ بلادي، وحلمُنا المدمولُ تحتَ بلاطِ البيتِ سيخرجُ حتمًا، ويشعشعُ في ظلالِ الشجر!
انقشعَ غشاءُ السماءِ، فاهتزّت أعطافُ روحي رقصًا بحكمٍ عادلٍ بحقِّ النورِ قد صدر! بيني وبينها مسافةُ ما بينَ الاندفاعِ والحذر؛ فما عادَ في الأيامِ متّسعٌ لرياحِ التبشيرِ، والسطوحُ تنذرُ بطوفانٍ أحمر... فالغيومُ تبربرُ وحبالُ الحروفِ الحمرِ ممدودةٌ شبكةً فضائيّةً بينَ أذرعِ "رعاةِ البقر"!
وعادَ المساءُ التالي بها مزهوّةً وكأنّ شيئًا لم يكن! تحملُ لي هديّةَ العيدِ فستانًا شتويًّا أحمرَ! أحمر!؟ والزنّارُ أحمر؟! ألقت على كتفيَّ شالًا ذهبيًّا منمنمًا بورقِ سنديانٍ أخضرَ، وناولتني حقيبةَ يدٍ خضراءَ تنعكسُ توافقًا على جلدةِ حذائيَ الجديد... كيفَ اجتازت هذه الداهيةُ معبرَ الخطر؟ هل أصابها عمى الألوان؟ أم أنّها وقعت ضحيّةَ خدعةٍ بصريّةٍ مطليّةٍ بالأخضر؟
يا لمرآتي منّي وقد عادتني برشوةٍ مطرّزةٍ بقصيدةِ شاعرٍ ما فُتنَ بتلكَ الغجريّةِ الحسناءِ، لكنّهُ تغزّلَ بها وكثّر، وهو عالمٌ بحالها ذاكرةً رحّالةً لا تربطُها بوطنٍ لقدمِها فيه مستقرٌّ، فأفتى سقطتَه باستعارةِ قولِ صاحبِهِ المتنبّي: إنّ أعذبَ الشِّعرِ أكذبُه!
ما أجرأَ لوحَ البلّورِ هذا، وأبرعَه باللعبِ على الحبلين! كيفَ ينتقلُ بخفّةٍ بينَ المكواةِ ونفنافِ المطر!؟ لماذا، وكيفَ تأكلُ مرآتيَ التينَ سقطًا وهي التي تأنفُ فجَّ الثمر؟! الضميرُ الحاضرُ متألّمٌ لانعدامِ وزنِ فتاتِه، تفصّلُ للدمى ملاحمَ أبطالُها فساتينُ وكُحلٌ ورسومٌ وصُور! والعيدُ عارٍ منذُ عقودٍ، وما تزالُ تستعيرُ له منَ الخيالِ ثوبًا يهلُّ فوقَ رأسِهِ نجمًا تطفئُهُ هبّةُ قدَر!
طوى النهارُ والشهورُ خلفَهُ تعدو، وتحترقُ الشمسُ رغبةً بمسِّ شفاهِ الزنابقِ المائيّة... لكنّ الفستانَ قد ضاقَ بها منفوخةً بهوًى وسّعَ حقلَ هزالِ الحياةِ يغمرُها طوفانُ البطر...
لكنّهُ الزمانُ مليحتي، وقد حصدَ عقولَ الأرضِ، وقدّمَ الترضياتِ رشواتٍ قبلتها الرؤوسُ والنفوسُ صلاةً وصيامًا عادَ عليها بهدأةِ البالِ صممًا، عرَجًا، كتَعًا وشحَّ نظر! فاعذريني! ولا تخذليني! فحسبي منَ الزمانِ أن ترسميني حكايةَ طائرٍ حقيبةُ سفرِهِ جناحٌ يعلو ويعلو فوقَ جبالِ النورِ، ويحطُّ به مغرّدًا على جناحِ قمر!