X أغلق
X أغلق
الطقس
° - °
ترشيحا
° - °
معليا
° - °
بئر السبع
° - °
رام الله
° - °
عكا
° - °
يافا
° - °
القدس
° - °
حيفا
° - °
الناصرة
اسعار العملات
دولار امريكي
3.445
جنيه استرليني
4.1949
ين ياباني 100
2.5079
اليورو
3.6240
دولار استرالي
2.3021
دولار كندي
2.5184
كرون دينيماركي
0.4872
كرون نرويجي
0.3437
راوند افريقي
0.1994
كرون سويدي
0.3316
فرنك سويسري
3.6639
دينار اردني
4.8531
ليرة لبناني 10
0.0228
جنيه مصري
0.1398
اعلانات يد ثانية
تصفح مجلدات وكتب
الاستفتاء
مواقع صديقة

«حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»

admin - 2025-11-06 14:16:28
facebook_link

اهلا

«حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»


بقلم رانية مرجية
مرة في الأسبوع، ولمدة ساعة ونصف، أذهب إلى المصنع المحمي.

مكان بعيد عن ضوضاء المدينة، لا تضيئه الكاميرات ولا تكتبه التقارير.

لكنه، في عمقه، أكثر صدقًا من كل ما يُقال عن الإنسانية.

هناك، لا شيء يُباع ولا يُشترى. هناك، كلّ شيء يُعاش.

 

يدخل العمال تباعًا — وجوه هادئة، خطوات مترددة، أصوات خافتة.

لكن خلف تلك الوجوه، هناك عالم كامل من المشاعر التي لم تجد يومًا من يفهم لغتها.

في عيونهم أرى الصفاء الذي فقدناه نحن، الذين ندّعي أننا “أسوياء”.

وأنا، في كل مرة، أشعر أنني الزائرة في عالمٍ أنقى من عالمي.

 

في الخارج نُتقن الكلام عن القبول والتنوّع والدمج.

نكتب الخطب ونوقّع العرائض وننشر صورنا بجانب من نُسميهم “أصحاب التحديات الخاصة”.

لكن هنا، في هذا المصنع الصغير، تتعرّى اللغة من التزييف.

الدمج ليس مشروعًا تربويًا، بل حالة وعي.

والتنوّع ليس شعارًا جميلًا، بل تجربة روحية تُغيّر نظرتك إلى الوجود.

 

هؤلاء الناس لا يحتاجون إلى من يتحدث باسمهم، بل إلى من يصغي إليهم بصدقٍ خالٍ من الشفقة.

إنهم لا يريدون أن “نُصلحهم”، بل أن نراهم — كما هم، ببطئهم، بصمتهم، بصفائهم.

في كل حركة من حركاتهم فلسفة خفية: أن تكون على سجيتك، دون خوف من الرفض.

أن تتنفس بعمق، لا لتلفت الأنظار، بل لتؤكد أنك موجود، وأن وجودك حقٌّ بحد ذاته.

 

أجلس بينهم، وأتأمل كيف يمكن للبساطة أن تكون شكلاً من أشكال الحكمة.

كيف أن التواصل الحقيقي لا يحتاج إلى كلمات كثيرة، بل إلى حضورٍ نقيٍّ بلا حواجز.

في لحظة واحدة من الصمت المشترك، قد يحدث ما لا يحدث في ألف حوار.

ذلك الصمت الذي لا يخيف، بل يفتح القلب على اتساعه.

 

تعلمت هناك أن الدفاع عن الآخر ليس مهمة أخلاقية، بل مسؤولية روحية.

أن السِّنغور — الدفاع عن ذوي التوحّد — لا يعني أن نصنع لهم مكانًا في عالمنا، بل أن نعيد تشكيل العالم بحيث يتسع للجميع.

أن نصحّح رؤيتنا قبل أن نحاول تصحيحهم.

أن نكفّ عن النظر إليهم كـ “آخرين”، لأنهم ببساطة نحن، حين نكون في أصدق حالاتنا.

 

كل مرة أغادر فيها المصنع أشعر أنني أترك خلفي مرآة تكشف حقيقتي.

هناك أفهم أن “المحمي” ليس مَن يعمل في المصنع، بل نحن الذين نحتاج الحماية من جفاف قلوبنا.

أفهم أن الكرامة ليست امتيازًا، بل لحظة وعيٍ بأن كل نفس بشري، مهما بدا غريبًا، هو جزء من موسيقى الخلق.

 

ربما العالم كله يحتاج إلى مصنعٍ صغير كهذا.

مكان يعيد تدريبنا على الإنسانية المنسية.

مكان يُذكّرنا أن القيم ليست في الكتب ولا في السياسات، بل في التفاصيل اليومية البسيطة:

في نظرةٍ حانية، في يدٍ ممدودة، في وقتٍ يُمنح دون مصلحة.

 

مرة في الأسبوع، ولمدة ساعة ونصف، أتعلم من أولئك الذين لا يتكلمون كثيرًا،

أن الصمت أحيانًا أبلغ من البيان،

وأن الحبّ لا يُقاس بالكلمات، بل بقدرتك على أن ترى الآخر دون أن تحكم عليه.

🌱 الخاتمة


ليس في هذا المصنع دروس في العمل، بل في الوعي.

ليس فيه أبطال ولا ضحايا، بل بشر يتقاسمون الهشاشة والنور.

وحين أخرج منه، أدرك أن الإنسانية ليست مشروعًا كبيرًا ننجزه،

بل لحظة صدق صغيرة نحياها بعمق — مرة في الأسبوع، أو ربما مرة في العمر

 



مواضيع متعلقة
اضف تعقيب

اسم المعلق : *
البلد :
البريد الالكتروني :
عنوان التعليق : *
التعليق الكامل :
تعقيبات الزوار
مواقع اخبار عبرية
مواقع اخبارية عربية
مواقع اقتصادية
مواقع رياضة
بنوك
راديو