اهلا-امير مخول بعد شرم الشيخ: هل يصمد ائتلاف نتنياهو؟ أولاً: رسائل ترامب إلى الطبقة السياسية الإسرائيلية بشكل مباشر وتلقائي، وإن لم يكن عفويًا، دعا ترامب الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ إلى استخدام صلاحياته الدستورية لمنح نتنياهو عفوًا رئاسيًا، وإنهاء استنزافه في قضاياه الجنائية عبر شطبها نهائيًا. كما توجّه إلى نتنياهو نفسه بنبرةٍ “أبوية” طالبًا منه أن يكون “لطيفًا” مع زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي ألقى خطابًا باسم المعارضة. ثانيًا: قراءة في خلفيات الموقف الأمريكي يُظهر الموقفان السابقان سعيًا إلى صفقة داخلية إسرائيلية توافقية بروح “الوحدة القومية”. فقد استغل ترامب خطابه في الكنيست لتمرير رسائل ترتبط بتثبيت نهاية الحرب والدخول في مراحلها السياسية الأكثر تعقيدًا. ثالثًا: إسرائيل بين العزلة والانصياع للهيمنة الأمريكية: أكد ترامب في خطابه أن إسرائيل حققت انتصاراتها العسكرية بفضل الدعم الأمريكي، وأن إدارته ستعمل على إنهاء عزلتها الدولية. غير أنه شدد في المقابل على أن إنجازات إسرائيل تُحسب له شخصيًا، ولم يوجه خطابه إلى الحكومة الإسرائيلية بقدر ما ركّزه على شخص نتنياهو. رابعًا: استراتيجية ترامب الإقليمية: لا يُبدي ترامب اهتمامًا كبيرًا بالإجراءات القانونية أو السيادية الإسرائيلية الداخلية، إذ يركّز على الهدف الأمريكي الأوسع: ترسيخ الهيمنة الأمريكية وضمان الحلول الأمريكية في المنطقة. خامسًا: البعد الديني والسياسي في الخطاب الترامبي: كرّر ترامب في خطابه أمام الكنيست وقمة شرم الشيخ حديثه عن الصراعات الممتدة منذ “ثلاثة آلاف عام”، متجنبًا ذكر التاريخ الحديث أو القانون الدولي أو حتى العام 1948، مكتفيًا باستحضار البعد الديني بين الديانات الثلاث. * هل سيكون على أساس الاتفاقات الإبراهيمية التي ترفضها غالبية الدول العربية؟ في كلا الاحتمالين، يتضح أن الحسم مؤجل إلى ما بعد ولاية ترامب، وأن المسار يتجه تدريجيًا نحو الحل السياسي والدولة. سادسًا: خيارات نتنياهو: أمام نتنياهو ثلاثة خيارات رئيسية: 1. تقديم موعد الانتخابات طمعًا في دورة جديدة مستندًا إلى شعبيته المتزايدة ودعم ترامب المطلق ورواية “الانتصار”. وفي حال نجاح الخيار الثالث، فقد تُمدَّد فترة الحكومة بذريعة “الظرف الطارئ” المرتبط بتنفيذ الخطة الأمريكية، بما يسمح بتجاوزات قانونية لا يُبدي ترامب أي اكتراث لها. الخلاصة: ** عزّز ترامب من موقع نتنياهو داخل إسرائيل، ورسّخ صورته كـ”القائد غير المنازع” القادر على مواجهة التحديات، كما مهّد لفكرة حكومة الوحدة القومية التي يروّج لها نتنياهو انسجامًا مع الرغبة الأمريكية.
تقديم: في لهجةٍ اتسمت بـ”الفكاهة الترامبية” التي اقتربت أحيانًا من الهرج، مرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسائله الموجّهة إلى الكنيست الإسرائيلي، وهي رسائل عكست خطابًا مزدوجًا نحو المستويين السياسي والشعبي في إسرائيل.
تتناول هذه الورقة مضمون تلك الرسائل الموجّهة إلى الساحة السياسية الإسرائيلية، ودلالاتها المحتملة على مستقبل الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو.
بهذين التصريحين، جعل ترامب كلاً من نتنياهو ولابيد مدينين له سياسيًا؛ إذ قدّم نفسه كمنقذٍ لكليهما، بما يعزز ارتباطهما به وتبعيتهما لتوجهاته. ويبدو أن النهج الأمريكي الجديد، القائم على شعار “أمريكا أولاً”، لم يعد يقبل باستمرار منظومة اللوبي الصهيوني كوسيط مؤثر في صنع القرار الأمريكي، بل يعيد صياغة المعادلة لتصبح الولايات المتحدة هي الراعية لمصالح إسرائيل وفق الرؤية الأمريكية الصرفة، لا العكس.
وترى إدارته أن تركيبة الائتلاف الحاكم الحالي قد تُعطّل هذه المرحلة، في حين تعتبر نتنياهو الشخصية الوحيدة القادرة على قيادة التحول الإسرائيلي من خطاب “الحرب الدائمة” إلى خطاب “السلام الإقليمي القائم على الازدهار” بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لكن ترامب اكتشف سريعًا أن إنهاء عزلة إسرائيل إقليميًا ودوليًا أكثر تعقيدًا مما توقع، وهو ما ظهر في المعضلة التي أحاطت بحضور نتنياهو لقمة شرم الشيخ (13 تشرين الأول/أكتوبر 2025)، حيث كانت قرارات محكمة الجنايات الدولية حاضرة بقوة، ما جعل عدداً من القادة الأوروبيين مهددين بالمساءلة في حال خالفوا أوامر الاعتقال الصادرة بحقه. فاختار نتنياهو التذرع بـ”قدسية عيد العرش” لتبرير غيابه، متجنبًا بذلك إحراجًا كان سيُظهر عمق عزلته السياسية والدبلوماسية، إقليميا ودوليا. رغما عن أن فتوى “إنقاذ الأنفس” الدينية اليهودية تتيح له المشاركة.
وتبدو واشنطن في ظل نهجه أقرب إلى محور (تركيا – قطر – سوريا – إندونيسيا)، مع استمرار التنسيق مع المحور العربي التقليدي (مصر – السعودية – الأردن) الساعي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وهو استحقاق تعتبره الإدارة الأمريكية الحالية جزءًا من الترتيبات المستقبلية، وإن لم يكن ضمن أولويات ترامب الفعلية. ما يعني ان خطة انهاء الحرب على غزة متوافق عليها بين كل أطراف اجتماع شرم الشيخ وأعلن نتنياهو اعتمادها. بينما الا فق السياسي المستقبلي للسلام الدائم لا يزال غير محسوم.
هذا الخطاب يعيد تفعيل الرؤية “الإبراهيمية” التي يروّج لها ترامب بوصفها إطارًا لحلّ النزاعات التاريخية، دون الإشارة إلى جوهر الصراع السياسي المعاصر.
وبذلك يبدو أن خطة إنهاء الحرب على غزة أصبحت متوافقًا عليها بين أطراف قمة شرم الشيخ، وقد أعلن نتنياهو اعتماده لها، غير أن الأفق السياسي للسلام الدائم لا يزال غامضًا:
* أم على أساس قيام الدولة الفلسطينية التي ترفضها إسرائيل الحالية ولا تستعد لاستحقاقاتها؟
2. مواصلة الحكم حتى نهاية ولايته (نوفمبر/تشرين الثاني 2026) في ظل غياب تهديد فعلي من الائتلاف أو المعارضة.
3. تبني خيار حكومة الوحدة القومية، وهو الخيار الذي يدفع نحوه ترامب لتسهيل تنفيذ خطته.
** إنهاء الحرب بات قرارًا أمريكيًا محسومًا، ولا تقبل التأويل إسرائيليا. وإن كانت هناك محاولات إسرائيلية محدودة لاختبار رد فعل واشنطن عبر عمليات عسكرية صغيرة النطاق في قطاع غزة. فيما ان دخول قوات دولية عربية فلسطينية الى القطاع قد تحول دون ذلك وتجعل الخيار الاسرائيلي اكثر تعقيدا والخلاصة هي تنفيذ المراحل المتقدمة من الخطة.
** ثبات حكم نتنياهو ازداد بعد زيارة ترامب، لكنه أصبح أيضاً أكثر تبعية للموقف الأمريكي وخططه الإقليمية. بما يخدم توجه الإدارة في اعادة هندسة السياسة الاسرائيلية الداخلية والاصطفافات الحزبية.
** عزلة إسرائيل الدولية ما زالت عميقة، وقد أضاف اجتماع شرم الشيخ بعدًا قانونيًا لها بصدور أوامر الاعتقال الدولية بحق نتنياهو، الأمر الذي قد يدفع ترامب إلى ممارسة ضغوط أو ابتزاز سياسي لتقويض هذه القرارات.