 
   
















 اهلا- اعداد د. جمال الشريف الذكرى الـ 78 لاستشهاد النقابي العربي الفلسطيني سامي طه 
سيرة النقابي الفلسطيني سامي طه استحوذت على العديد من المقالات، بل والأبحاث لمكانته في قيادة الحركة النقابية الفلسطينية، بمرحلة ما بعد التأسيس، بل وبعد اشتداد عمودها الفقري، التنظيمي منه، والنضالي، وقد أثار استغرابي كون الأكثرية ممن قاموا باستعراض سيرته النقابية والسياسية، بأنهم أطلقوا عليه ووسموه باسم مؤسس الحركة النقابية الفلسطينية، وفي هذا الأمر مغالطة كبيرة، وهضم حق النقابيين المؤسسين، والذين ناضلوا أجل مأسسة تلك الحركة في عشرينيات القرن الماضي ومنهم: عبد الحميد حيمور، سعيد وقاص، عيد سليم حيمور والحاج حسين نصّار ومصطفى محمديّه وكامل ياسين وغيرهم من النشطاء الشيوعيين في تلك المرحلة، عندها كان سامي طه في جيل الحداثة، ولم يكن ضمن المؤسسين، نؤكد ذلك من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح ليس أكثر من ذلك. 
كما لفت نظرنا في قراءة العديد من المقالات التي تناول كتابها موضوع وسيرة النقابي سامي طه، التضارب في التواريخ، مما يثير العجب، وبما أن هذه العُجالة ليست بحثية، لذلك نعفي القارئ من إدخاله في تلك التناقضات، ومنها تاريخ استشهاده، وتاريخ ميلاده، وتاريخ بداية نشاطه النقابي وغير ذلك. 
وُلِد سامي طه الحِمْران في قرية عرّابة قضاء جنين عام 1911 "درس حتى الصف الرابع الابتدائي في المدرسة الرسمية في قريته ولم يتمكن من متابعة تحصيله العلمي بسبب الأوضاع المادية التي كان يعيشها والده، والذي انتقل إلى حيفا بحثاً عن العمل، حيث توفي وتركه مع والدته يعيشان في غرفة متواضعة في أحد أحياء حيفا"(1). 
"واصل النشطاء من بين العمال في نادي عمال السكة الحديد العرب وخارجه مشوارهم لتأسيس حركة نقابية تُمثّلهم، وبعد القيام بالتحضيرات لهذه الخطوة بشكل رسمي (لأن نشاطهم النقابي بين العمال كان قائماً خاصة من قبل الرفاق الشيوعيين وغيرهم)، فقرروا التقدم بطلب رسمي في نهاية العام 1933 لتأسيس "جمعية العمال العربية الفلسطينية"، ومقرها الرئيسي مدينة حيفا ولها حق تأسيس فروع لها في المدن الفلسطينية الأخرى، وأرفقوا بطلبهم المبادئ الأساسية..." للجمعية معتمدين بهذا التسجيل على "قانون الجمعيات العثماني والذي يجيز لعدد من الأشخاص لا يقل عن سبعة بأن يؤلفوا فيما بينهم جمعية يحددون أهدافها"(4) وتقدموا بالطلب بواسطة المحامي محمود الماضي. 
تؤكد مختلف المصادر أن قيادة نقابة "الهستدروت" وبدعم من الانتداب حاولت منع منح موافقة لهذا الطلب، لكن إصرار أعضاء الهيئة التأسيسية على تحقيق الاعتراف بالجمعية والحصول على موافقة لطلبهم أتى ثماره بعد حوالي سنة ونصف السنة من تقديم طلبهم أي يوم 2. 
لن نخوض في مختلف مراحل نشاط الجمعية، لأن موضوعنا بالأساس هو النقابي الشهيد سامي طه حِمْران، لكن لا بد من الإشارة إلى ما أشار إليه النقابي أحمد اليماني في كتابه بقوله: "مرت الحركة العمالية العربية في فلسطين بعد قيام جمعية العمال العربية الفلسطينية في 21/3/1925 بمراحل ثلاث"(2) وهي: مرحلة البناء والتثقيف، مرحلة الإضراب العام والثورة الكبرى، ومرحلة الوثبة العمالية وانتصاراتها” (3). 
وفي مقال لوليد الخالدي وماهر الشريف جاء ما يلي: "دأب سامي طه بعد تسلمه عمله الجديد على دراسة الأوضاع العمالية المحلية والدولية وقوانينها وظروفها، وفي الوقت نفسه ثابر على تثقيف نفسه بالمطالعة المستمرة ودرس اللغة الإنكليزية حتى أتقنها وراح يتدرج في استلام المسؤوليات في "جمعية العمال العربية الفلسطينية" برعاية رئيسها عبد الحميد حيمور. 
كانت "جمعية العمال العربية الفلسطينية" أول وأقدم تكتل عمالي عربي في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، وكانت بداياتها في حيفا سنة 1923 في أوساط سكك الحديد العرب بقيادة حيمور، ولاقت الحركة العمالية العربية منذ البدء مقاومة عنيدة من قبل كل من المنظمة الصهيونية العمالية الكبرى "الهستدروت" وسلطات الانتداب، ولم تعترف هذه الأخيرة بالجمعية إلا بعد مرور سنتين على تأسيسها في آذار/مارس 1925. وأخذت الجمعية بعد الاعتراف بها تنمو بقيادة حيمور ورفاقه ويزداد عدد أعضائها وصارت تؤسس فروعاً لها مدينة إثر مدينة، أهمها حيفا ويافا، واقتصر نشاط الجمعية في عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن العشرين على الشؤون العمالية بما في ذلك التنظيم الداخلي وعقد المؤتمرات والتفاوض مع أرباب العمل في القطاعين العام والخاص. بيد أن الجمعية قامت بنشاط كبير خلال الإضراب العام سنة 1936 فأسست لجاناً تولت تنظيم الجماهير وتقديم الإعانات، ومثّل سامي طه الجمعية في "اللجنة القومية" التي أشرفت على الإضراب وهو لا يزال في سن الخامسة والعشرين. 
مرت الحركة العمالية النقابية العربية بمرحلة ضعف عام في أعقاب الثورة الكبرى (1936-1939) بسبب تدابير السلطات البريطانية القمعية، غير أن الحياة بدأت تدب من جديد في مكاتب "جمعية العمال العربية الفلسطينية" وفروعها بعيد اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، وكان لسامي طه إسهام كبير في هذه النهضة التي رافقت سنين الحرب الخمس”(4). 
في فترة النهضة النقابية الفلسطينية وذلك مع بداية سنوات الأربعين، كان للنقابي سامي طه وزملاؤه الدور الهام في توسيع نشاط الجمعية نقابياً، بل ووطنياً، وتركز هذا النشاط في تنظيم العمال العرب في فلسطين بمختلف مرافق العمل من مصانع وموانئ وشركات تكرير البترول ومعسكرات الجيش البريطاني وغيرها، وتم توقيع اتفاقيات عمل جماعية، وإعلان إضرابات عديدة دفاعاً عن حقوق العمال في مواقع العمل، لم تتوقف تلك النهضة على عملية التنظيم النقابي والنضال النقابي، بل توسعت كما هو متوقع بالخوض في النضال الوطني واتخاذ مواقف مناهضة للاستعمار المتمثل بالانتداب البريطاني وضد الحركة الصهيونية أيضاً. 
انفتاح على الحركة النقابية العالمية 
على أثر تقوية عضدها النقابي والوطني، لم تستطع الحركة النقابية العالمية أن تتجاهل الحركة النقابية العربية الفلسطينية عند المبادرة لتشكيل اتحاد النقابات العالمي، قُبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالرغم من محاولات الحركة الصهيونية ورديفتها "الهستدروت" محلياً، والقوى الصهيونية في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى جنوب أمريكا وغيرها، في منع تمثيل الحركة النقابية العربية الفلسطينية في هذا المؤتمر التأسيسي للاتحاد النقابي العالمي، إلا أن جهود الحركة النقابية العربية الفلسطينية 
وأصدقاء الحركة، خاصة من قبل الحركة النقابية من الاتحاد السوفيتي وغيرها، تمّت مشاركة الوفد النقابي العربي الفلسطيني في المؤتمر الذي عقد في لندن أيام 6-17 شباط 1945. وكان الوفد برئاسة النقابي سامي طه وعضوية المحامي حنا عصفور (محامي الجمعية) والنقابي بولس فرح. 
وفي كلمة لجريدة فلسطين ضمن زاوية "شؤون البلد" وتحت عنوان "وفد العمال العرب في لندن" جاء ما يلي: ”سافر وفد العمال العرب في فلسطين إلى إنكلترا لبسط قضيته في مؤتمر النقابات العالمية الدولية. سافر هذا الوفد العربي دون ما ضجة وتهريج يحمل قضية حق بيّنة يقوم ألف شاهد وشاهد منها على عدالتها. وما كان بوفد عمالنا حاجة إلى اصطناع الضجيج في رحلته وحول مهمته وهو يحمل قضية تتحدث كل ناحية فيها عن حق واضح صريح يعفيها من الجدل الفلسطيني وفنون اللف والدوران".(5) 
كان الوفد النقابي العربي الفلسطيني هو الوفد النقابي العربي الوحيد الذي شارك في هذا المؤتمر الدولي للحركة النقابية العالمية، وواضح لنا مما كتبته "فلسطين" في مجمل كلمتها أن الزعامة التقليدية الفلسطينية لم تكن راضية عن هذا الوفد، خاصة بعد توسع نشاطه وأبحاثه على الصعيدين الدولي والبريطاني. 
نشاط الوفد النقابي العربي الفلسطيني في لندن واجتماعاته مع جهات بريطانية، ومنها قيادة حزب العمال البريطاني، ومؤشرات احتمال تأسيس حزب عمالي فلسطيني مشابه، أثار موقف الهيئة العربية العليا المعلن ضد الحركة النقابية الفلسطينية. وما صدر من تراشق كلامي وتوجيه التهم من على صفحات الجرائد وغيرها ما بين الهيئة والجمعية لا يعني أن الطرف الصهيوني والاحتلالي البريطاني وقفا موقف المتفرج فقط، بل كان لهما دور منه المُعلن ومنه المخفي في إذكاء نار التفسخ وتبادل التهم وغيرها بين الطرفين. 
وعن ذلك التوتر وسمو قيادة سامي طه، كتب وليد الخالدي وماهر الشريف: ”استمر نجم طه في الصعود في المجال العمالي العربي النقابي محلياً في فلسطين ثم دولياً خارجها، وخاصة في السنتين التاليتين لانتهاء الحرب العالمية الثانية 1946/1947، ورافق ذلك دخول الحركة العمالية النقابية العربية في فلسطين المجال السياسي مباشرة وعلى أعلى مستوياته بقيادة طه، وكان هذا التطور الأخير فريداً من نوعه، ذلك بأنه لم يسبق أن تمكنت أي حركة نقابية في أي بلد عربي مشرقي من بلوغ مرتبة المشاركة في القيادة السياسية للبلاد”.(5) 
سامي طه وفرحات حشاد مصير واحد 
لن نخوض في مجمل التفاصيل التي أدت إلى تأجيج التوتر القائم في الساحة الفلسطينية، لكن تفاصيل اغتيال الشهيد النقابي سامي طه كما أشرنا إليها في السابق كالتالي: "بينما كان المرحوم سامي طه... متجهاً نحو بيته في شارع صلاح الدين في حي الحليصة في عمارة الحاج خليل طه (بمدينة حيفا)... حيث أطلقت عليه يد الجاني عدة رصاصات كانت كافية لمصرعه أمام منزله، وكان عائداً لتوه هو والقائد العمالي عبد الحميد حيمور من عيادة النقابي المناضل نصري الحلو الذي كان مريضاً. حدث ذلك الاغتيال للشهيد سامي طه حِمْران في مساء يوم الخميس 11 أيلول 1947، وجرى تشييع جثمانه من بيته في شارع صلاح الدين بحي الحليصة بمدينة حيفا إلى ضريحه في مقبرة بلد الشيخ (مقبرة القسّام) شرقي حيفا، اليوم يقع الضريح تحت جسر لشارع قامت ببنائه دائرة الأشغال العامة بالتعاون مع بلدية نيشر (بلد الشيخ). 
عندما قام المجرم بإطلاق رصاص الغدر على النقابي سامي طه كانت زوجته حاملاً بابنه الذي حمل اسمه فيما بعد، وكانت فترة خطوبته قبل زواجه قد استمرت مدة سبع سنوات. 
على ما يبدو إن معاناة الحركة النقابية الفلسطينية باغتيال النقابي سامي طه بعملية "نفذها ربما مغتال مأجور بواسطة مسدسه" تتلاقى مع مصير المناضل النقابي الوطني التونسي فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1946، حيث قام باغتياله عميل للمخابرات الفرنسية يوم 5/12/1952. كلاهما كانا في أوج العطاء والشباب، وبالرغم من أن النقابي أحمد اليماني يكاد يجزم في كتابه بأن "اسم الجاني الذي أطلق الرصاصات الغادرة على المرحوم الشهيد سامي طه وهو فعلاً من الأجهزة المحسوبة على القيادة السياسية الفلسطينية في ذلك الوقت"، برأيي تبقى العديد من الأسئلة مطروحة أمامنا ولا جواب قاطع عليها وهي: 
إذا تردد الاسم لماذا لم تجر محاكمته؟ 
إذا كانت هويته معروفة فأين كانت أجهزة أمن الانتداب البريطاني؟ 
والسؤال الأخير الذي نطرحه: كم من أجير لجهات غير عربية قام بتنفيذ اغتيال أو جريمة ضد قيادات عربية، ولم يُكشف عنه بسبب حرص "المستأجر" على منع نشر وثائقه السرية إلى الأبد؟؟(7) 
كما أكد الباحثان الخالدي والشريف حادث استشهاد النقابي سامي طه والغموض الذي ما زال قائماً حول هوية الجاني بقولهم: ”وفي مساء 11 أيلول/سبتمبر 1947 اغتال مجهول سامي طه في مدينة حيفا، واجتاحت البلاد موجة عارمة من الحزن والسخط والغضب، وشيعته الجماهير إلى مثواه الأخير في قرية بلد الشيخ القريبة من حيفا. 
لم تُعرف إلى الآن هوية الجاني وإن كانت أصابع الاتهام موجهة إلى أكثر من طرف، أما المؤكد فهو أن الحركة العمالية النقابية العربية وفلسطين بأسرها منيت بوفاة سامي طه، وهو لا يزال في سن السادسة والثلاثين، بخسارة فادحة، وفقدت بفقدانه نقابياً ألمعياً طافحاً بالطاقات والآمال وقادراً على المزيد من العطاء”.(😎 
نعم، باغتيال الشهيد سامي طه فقدت الحركة النقابية العربية الفلسطينية قائداً نقابياً ووطنياً كان له دور هام في بناء الحركة النقابية العربية الفلسطينية هو ورفاق دربه في قيادتها، بظل ظروف صعبة حيث واجهوا كلاً من قوات الانتداب ـ الاستعمار البريطاني وقوة الحركة الصهيونية التي ناصبت الحركة النقابية العربية في فلسطين العداء، وحاولت بحماية البريطانيين تقويض قواها ونشاطها، لكن الطرفين فشلا في ذلك. 
لتبقى ذكراه خالدة. 
هوامش 
أحمد اليماني - جمعية العمال العربية الفلسطينية بحيفا - دار كنعان للنشر دمشق 1993 (صفحة 177) 
ن. م 
جهاد عقل - تاريخ النضال النقابي الفلسطيني: في الذكرى الـ 71 لاستشهاد النقابي الفلسطيني سامي طه الحِمْران 
الموسوعة الفلسطينية التفاعلية - وليد الخالدي، ماهر الشريف - سيرة سامي طه حِمْران 
جريدة فلسطين – الجمعة 2 شباط 1945 ص 3 
الموسوعة الفلسطينية التفاعلية - وليد الخالدي، ماهر الشريف - سيرة سامي طه حِمْران 
جهاد عقل - تاريخ النضال النقابي الفلسطيني: في الذكرى الـ 71 لاستشهاد النقابي الفلسطيني سامي طه الحِمْران 
الموسوعة الفلسطينية التفاعلية - وليد الخالدي، ماهر الشريف - سيرة سامي طه حِمْران