
















اهلا كيف تحولت اول قربانه الى القربانه الاحتفالية
مازن سليم نحاس 13/6/2025
أول قربانه أو المناولة الأولى هو طقس احتفالي تختص فيه الكنيسة الكاثوليكية بموجبه يتم مناولة ومنح الأطفال سر التناول في سن محدد وهو بعد بلوغ الطفل سن "الثامنة" الذي حسب اعتقاد الكنيسة هو السن الذي يصل به الطفل الى سن الادراك والوعي لتناول سر القربان المقدس. يعتبر هذا الطقس حدث هام في حياة الكاثوليك الدينية حيث يعتبر القربان المقدس وفقًا للمعتقدات الكاثوليكية ركيزة من شعائر الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. والمناولة الأولى هي احتفال ديني مهم يُقام عندما يتناول الأطفال سر القربان المقدس لأول مرة. يعتبر هذا الطقس من أبرز الأحداث في حياة الكاثوليك، حيث يتم تحضير الأطفال بشكل خاص لهذا الحدث من خلال تعليمهم عن الإيمان المسيحي وأهمية سر القربان المقدس. يطلق عليها المناولة الاحتفالية الأولى، لأنها ليست المناولة الأولى، لأن المناولة الأولى تمت عند قبول سر العماد، ولكنها "مناولة احتفالية" نظرا لأنها تتم في احتفال كنسي كعلامة على أن الكنيسة بعد أن قامت بإعداد أولادها وتنشئتهم على الايمان المسيحي القويم واعترافا منها بأنهم قد وصلوا إلى معرفة أعمق لأسرار الكنيسة وللوصايا الإلهية والكنسية وللعقائد المسيحية الأساسية ولبعض الطقوس المقدسة.
كان التقليد الكنسي في الكنيسة جمعاء إلى القرن الثاني عشر يقوم على أن يتناول الأطفال حين حصولهم على سر العماد، وهذا هو الحال إلى يومنا هذا في الكنائس الشرقية حيث يُعطى الطفل قطعة صغيرة من جسد الرب مغمّساً بدمه، أو فقط القليل منه على شفتي الطفل.
عندما نقبل الطفل في جرن المعمودية، نمنحه سرا مثلث الشموس على نحو ما يقول القديس غريغوريوس بالاماس. نحن خلال المعمودية نعطي الطفل المعتمد أيضا سر الميرون المقدس، وسر المناولة الإلهية. وهذه الثلاثة نعاشرها ونتعايش وإياها منذ الطفولة.
إن مناولة جسد المسيح ودمه هي الطعام الروحي الأهم لكل مسيحي معتمد. هل يمكن منع الطفل المعتمد من تناول أهم طعام روحي بحجة أنه لا يعي هذا الطعام؟ وهل يعي الطفل الحليب الذي يقدم له في شهوره الأولى؟
قي السابق كانت الكنيسة تؤجل مناولة الطفل الاولى الى سن الوعي الروحي لدي الطفل والسؤال المطروح هنا هو: أي سن هو سن الوعي الروحي الذي يسمح بمناولة الطفل المعتمد؟ خمس سنوات، أم سبع سنوات، أم تسع سنوات؟ أليس تقرير عمر النضج الروحي هو أمر اعتباطي، ويختلف بين طفل وآخر؟
يفهم مما سبق ان المناولة الاولي هي في الأساس طقس ديني صرف. وهذا الطقس الديني يجب ان يشارك فيه الطفل مع والدية لأنه لا يزال في جيل لا يعي كل الأمور. واشراك الاهل في التحضيرات قد يغير من نظرتهم الى الكنيسة والفكرة واستمرار تعامل الطفل الإيجابي مع الكنيسة بعد انتهاء الاحتفال. فالمفروض ان دخول الطفل الكنيسة يكون بحال وخروجه منها بعد المناولة يكون بحال أخرى ملتزما بالمحافظة على الحالة الجديدة بمساعدة الاهل. ولكن مع الانفتاح والتغيرات التي استجدت في الكنيسة الكاثوليكية تغير أيضا مفهوم المناولة الاولي واول قربانه. التسمية "المناولة الاحتفالية" مع حذف كلمة الأولى، حرفت عن هدفها الأصلي، فالمناولة الاحتفالية القصد مها أن الكنيسة تحتفل مع المتناولين بطقس كنسي صلواتي ولا يتعدى الأمور الكنسية الدينية. إن تغيير اسم المناولة الأولى الى المناولة الاحتفالية أدى الى تغيير صبغتها الكنسية الدينية الى طقس احتفالي بعيد عن نطاق الكنيسة وخارج عن سيطرة الكنيسة مع العلم ان الكنيسة يجب أن تكون المسؤول الأول والوحيد عن المناولة الاحتفالية وتفرض بصماتها عليها. للأسف طغى على المناسبة الطابع الاحتفالي كأي احتفال آخر بكل ما يتبعه من لباس وزينة وتصوير واحتفالات مع وجبات في المطاعم والمنتزهات مما طيرت من عقول الأطفال واهاليهم جوهر فكرة المناولة وجردته من الجوهر الكنسي الديني. وارتبط بذلك العامل الاقتصادي التسويقي وظهرت صناعة القربانه الاحتفالية من محلات ملابس وتصوير وهدايا ومطاعم وغيرها وغيرها. وهكذا خرجت الترتيبات من ايدي الكنيسة الى ايدي العلمانيين الذين اخذوا يتفننون بالأساليب والأفكار للاحتفال متبارين مع سابقيهم من سنوات سابقة متناسين الجوهر وطبعا متناسين ان الناس غير متساوين بالمستوى الاقتصادي فارضين مبالغ طائلة قد لا يتحملها البعض دون تدخل الكنيسة.
أذكر أنه في الماضي كان تحضير الولد (وانا منهم) الى المناولة الأولى كان يستغرق سنة كاملة يتعلم فيها الطفل الصلوات ويكتسب خلالها مفاهيم دينية تخص الاسرار المقدسة واهمية ارتياد الكنيسة. وينتهي الموضوع في ساحة الكنيسة بصورة تذكارية جماعية مع الراهبات والخوري الذين أعدوا الأطفال للمناولة والمطران، وحبة شوكولاتة من مصانع سلفانا. ولم تنقطع علاقتنا بالكنيسة بعد المناولة. بل كانت الراهبات حريصات على تواجدنا أسبوعيا في الكنيسة للصلاة.
أما اليوم واضح عدم الاهتمام بالجوهر وعدم اكتساب الطفل للمفاهيم الجوهرية وملاحظ أنه في السنوات الأخيرة مع انتهاء الاحتفال تنتهي علاقة الطفل بالكنيسة وأصبح عدد الأولاد الذين يرتادون الكنيسة أيام الاحاد قليل جدا وأحيانا الى حد العدم. هذا عدا أن تحضير الاولاد للمناولة أخذ يضمحل ولم يعد كما كان سابقا ولا استهجن أن هناك البعض من الأطفال يتقدم الى المناولة الاحتفالية دونما استعداد وتحضير كاف لاستقبال القربان.
الكنيسة تمر في زمن حرج من حيث مركزها وأهميتها ودورها في المجتمع ولا نريد لها ان تصبح مثل كنائس الدول الاسكندنافية فقط للزينة المعمارية وتفكير الحكومات الى تحويلها الى مراكز ثقافية ومتاحف فقط.
من غيرتنا عل الكنيسة ومركزها وبالذات الكنيسة الكاثوليكية نقول إن عليها ان تأخذ دور الموجه والمانع وان تقف أمام التيارات السلبة والانزلاقات في مسارات تبعد الناس عن جوهر تعاليم الكنيسة والتمسك برعاياها حتى لا يبتعدوا عنها.. ولكن ما نشهده اليوم أن الكنيسة بتشجيعها لما يجري في المناولة الاحتفالية تسهم في المباريات وتسابق الناس على البذخ في هذه المناسبة وتشجع عدم التقشف، وعدم التواضع، والابتعاد عن فكرة أن الناس متساوون أمام الله والكنيسة.
كل هذه المقدمة توصلني الى السؤال: إذا كان الطفل يعطى القربان ويتناوله مع العماد وبعد العماد يستمر بالتناول كلما ارتاد الكنيسة وهو غير مرتبط بمدى تطور الطفل العقلي ومدى ادراكه لجوهر الأمور فما هي الحاجة الى المناولة الاحتفالية خاصة في زمن لا ينقص الناس فيه احتفالات من شتى الأنواع ولا مصاريف مما هب ودب.
برأيي أنه على الكنيسة أن تفكر عميقا في موقفها من "المناولة الاحتفالية " التي لا هي أولى ولا هي احتفالية كنسية وأن تتخذ موقفا في الامر وأن تعيد الأمور الى طبيعتها الأولى البسيطة لأنه كلما تطورت الأمور للأسوأ زاد ابتعاد الناس عن الجوهر وبالتالي عن الكنيسة.
هذا رأي شخصي صرف لا أخص رعية أو كنيسة، وانما رأي عام لكم حرية الموافقة عليه أو عدم الموافقة واعتذر سلفا إذا كان رأيي قد اساء الى أي طرف كان.