اهلا-زياد عيتاني-بيروت هكذا سقط نظام الأسد (2)… إضاعة فرصة الإنفتاح العربي وتجاهل متغيرات المنطقة اقراء ايضا .....هكذا سقط نظام الأسد (1)… “هناك عقود لا يحدث فيها شيء وهناك أسابيع تحدث فيها عقود”. هذا المثل يعبّر خير تعبير عن الزلزال السوري الذي أطاح نظام بشار الأسد، بعد أن كان يُنظر الى الحرب في سوريا والتي بدأت في 2011، على أنها “صراع مجمد”، بحيث بدا بشار الأسد “راسخاً في السلطة”، من دون أن يستخدم مساحة “التنفس” التي وفرتها التدخلات الروسية والايرانية لتوسيع قاعدة سلطته ودعم شرعيته للتواصل مع المعارضين. فقد إستمر في حكمه معتمداً على قمع شعبه، مستقوياً بداعميه الخارجيين (دولاً وميليشيات)، إذ انه منذ أن تراجعت الحرب لم يطرح أي مشروع سياسي يقنع السوريين بأن مستقبلهم سيكون أفضل وأن المصالحة ستكون حقيقية وأن توسيع المشاركة في السلطة ليس وهماً وأن الفساد وأمراء الحرب لن يهيمنوا على المشهد، كما أنه لم ينتهز فرصة الانفتاح العربي خصوصاً الاماراتي والسعودي لتحسين الصورة السياسية حتى لو تطلبت بعض التنازلات، فضلاً عن أنه تردد في اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشترطاً الانسحاب المسبق قبل أي لقاء، وكذلك عدم سماعه للنصح الروسي بضرورة القيام بخطوات داخلية والتصالح مع تركيا. وخلال العاميين الأخيرين، أعاد العديد من الدول علاقاته مع النظام السوري وصولاً الى عودته إلى الجامعة العربية بعد 11 عاماً من تعليق عضويته، ليحضر بشار الأسد مجدداً القمم العربية باعتباره ممثلاً للدولة السورية. وبالتزامن مع عودة العلاقات عربياً، حرصت أنقرة على أن تمد يداً لدمشق، لكن الأسد طلب تنفيذ بعض الشروط أولاً، ومنها سحب القوات التركية من الأراضي السورية. أما دولياً، ففي العام 2024 زار بشار الأسد موسكو وطهران، بينما بدا أن جدار المقاطعة الأوروبي للنظام السوري على وشك أن يتصدع بعد عودة الأسد الى الجامعة العربية، فوقَّعت إيطاليا والنمسا وقبرص والتشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا على رسالة موجهة الى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، تدعو الى إعادة تقييم العلاقات مع نظام الأسد، كما اقترحت تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي في سوريا، وإعادة التواصل مع السفير السوري في بروكسل، وطلبت مناقشة تأثيرات العقوبات الأوروبية على النظام السوري. فيما أعلنت إيطاليا تعيين سفير لها في دمشق لتصبح الدولة الأوروبية السابعة التي لديها سفارة مفتوحة في سوريا، ثم قدمت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد “جزرة” لنظام الأسد، قائلة إن واشنطن مستعدة لبحث رفع العقوبات عن سوريا في حالة إحراز تقدم نحو تسوية الصراع. إذاً، شهدت الأعوام الأخيرة من حكم الأسد إعادة انفتاح عربي على النظام، ومنح أكثر من فرصة وصار مشهد حضوره القمم العربية والاقليمية مألوفاً، غير أنه لم يستفد من الانفتاح العربي عليه الذي كان يمكن أن يشكل فرصة ثمينة لإعادة إعمار سوريا وإنعاش إقتصادها المنهار، بل بقي مرتمياً في أحضان “الراعي” الايراني، غير آبه بما بلغته بلاده وشعبه من حالة كارثية على الصعد كافة. وبدلاً من المصالحة مع شعبه من خلال إطلاق “ورشة” حوار وطني مع المعارضة، للمضي في إنقاذ بلده، ذهب بعيداً في ترسيخ قبضته على الحكم والسلطة، معتمداً أقصى الممارسات “الديكتاتورية”، فقد شهد العام الحالي 2024 إجراء حزب “البعث” انتخابات القيادة المركزية له، وانتخابات قيادة الفروع في المحافظات، وأُعيد انتخاب بشار الأسد أميناً عاماً للحزب بالإجماع، ثم أُجريت انتخابات مجلس الشعب ليفوز بها “البعث”، وليكلف على إثرها بشار الأسد محمد غازي الجلالي بتشكيل حكومة جديدة، كما جرت حركة تغييرات في المحافظين، بينما أعلنت وزارة الدفاع إجراء تغييرات في آلية التجنيد، بموجبها سيصبح الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية عامين، مع تسريح كل مَن أمضى في خدمة الاحتياط مدة خمس سنوات، ما يعني تسريح عشرات الآلاف قبل نهاية العام الجاري تمهيداً للاعتماد على المتطوعين في الجيش. أراد بشار الأسد من خلال كل هذه الخطوات “السلطوية” أن يتجهز لإعلان انتصاره النهائي والحاسم على فصائل المعارضة، بعد أن قطع شوطاً كبيراً في عملية إعادة التهيئة الديبلوماسية لنظامه، ليقرنها بإجراءات داخلية تعزز موقعه “الأحادي” في حكم سورياً، ضارباً عرض الحائط بـ “جمر المعارضة تحت الرماد”، التي كانت قد بدأت عملية مأسسة وحوكمة العمل العسكري والأمني، عبر الاهتمام بتدشين كليات عسكرية وشرطية نظامية، تُعد لها مناهج تناسب الميدان السوري، والتي كانت تخشى بقلق تسوية أميركية روسية على حسابها، في وقت كانت تشاهد أن صورة ايران تقهقرت بعد حربي غزة ولبنان. “التمنع” الدائم، كان سمة الأسد الابن، الذي صار مشكلة متأصلة أعجزت حتى من يريد مساعدته من الدول العربية التي كانت تدرك أن العالم يتغير بسرعة كبيرة وأنه لن يترك “دهر” الأسد على حاله، إذ كانت آخر تجسدات عهد العجز عن الفهم في عدم قدرة الأسد على استيعاب ما كان يحدث على بعد خطوات منه، بل في عقر داره، حيث دمرت إسرائيل “حماس”، ودمرت قدراً كبيراً من رصيد إيران العسكري والسياسي في سوريا، ثم التفتت إلى تدمير “حزب الله”، وهو المقتنع بأن الحزب قوة لا تقهر لن تستطيع إسرائيل النيل منها، وأن الردع حقيقة إيرانية في مواجهة إسرائيل. إنتهى الأمر، وسقط نظام بشار الأسد، “الدائم التمنع”، “المتفوق” في إضاعة الفرص، تعجرفاً أو “غباءً”. بعد عجزه عن فهم أهمية الزمن وعن إدراك قدرة الحدث الجديد على إزاحة المشهد القديم، لم يتمكن الأسد من التحرك بوعي يتناسب مع الزمن وحراجة الموقف.