اهلا- زياد عيتاني-بيروت “الترانسفير” الديموغرافي (1)… “عقيدة الضاحية”
طلب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو تبديل اسم الحرب على غزة من “السيوف الحديدية” إلى “حرب القيامة”، لتعكس حقيقة العقيدة “الهمجية الصهيونية” التي تقوم على الإبادة والتدمير الشاملين حجراً وبشراً، والتي تمارسها من خلال جيشها وكل منظوماتها العسكرية كإستراتيجية في كل حروبها العدوانية، مستخدمة أفتك الأسلحة تدميراً وعصفاً، حتى تتمكن من تحويل الأماكن المستهدفة إلى “هيروشيمية” المعالم والملامح.
وفي موازاة ذلك، ليس مستبعداً أيضاً تغيير الإسم الذي أطلق على الجبهة اللبنانية الاسرائيلية “سهام الشمال”، حيث أن الواقع الميداني يبطل تلك التسمية “الملطفة” بالمقارنة مع حجم الصواريخ المدمرة التي يستخدمها العدو الاسرائيلي، ضمن إستراتيجية واضحة، تعتمد على سياسة الأرض المحروقة، وعلى وجه التحديد القرى والبلدات التي تقع ضمن الحيز والنطاق الجغرافي للمنطقة التي يسعى الى تحويلها حسب تعبيره الى “منطقة آمنة”. وهذه الاستراتيجية التدميرية والإبادية، هي نفسها التي يعتمدها في كل من غزة وجنوب لبنان، ما يؤكد بما لا يقبل الشك، أن الهدف واحد، وهو التدمير والتهجير الشاملين، في إطار مخطط يهدف إلى عملية “ترانسفير” ديموغرافي، ستطال بلدان المنطقة بأسرها، تمهيداً لمشروع الخريطة “الجيو سياسية” للإقليم.
ما تقوم به إسرائيل من تدمير وتهجير ممنهج، تحت ذرائع مختلفة، في جنوب لبنان، بدأ يتمدد ويتوسع ليشمل الضاحية الجنوبية، ما بات يثير القلق والخوف مما بدأت بتنفيذه عبر عملية تهجير شاملة، بهدف تحقيق “الترانسفير” الديموغرافي، معتمدة على “عقيدة الضاحية”، التي تعتمد على مبادئ أساسية عدة، أبرزها: التدمير الشامل للبنية التحتية والمنشآت الحيوية والرمزية للمجموعات المسلحة، بما في ذلك المباني السكنية والطرق والجسور والمرافق العامة التي قد تستفيد منها تلك المجموعات، وكذلك الردع من خلال العقاب الجماعي عبر إيقاع أضرار كبيرة بالمدنيين، بهدف خلق ضغوط مجتمعية على الجماعات المسلحة، إضافة إلى الاستخدام المكثف للقوة الجوية، وذلك لاعتقاد الجيش الاسرائيلي أن السيطرة الجوية تمنحه اليد العليا في الصراع.
وهذه “الاستراتيجية” التي تسميها إسرائيل “عقيدة”، تقوم بصورة أساسية على الأعمال الانتقامية، وتنطلق في الواقع من عقيدتها العسكرية – الاستراتيجيّة، فالصهيونيّة ترتبط بالعنف ارتباطاً وثيقاً، إذ إنّه يشكّل جزءاً لا يتجزأ من تفكير الحركة الصهيونيّة وتصرّفات قادتها منذ العام 1948.
يشار إلى أن إسرائيل اعتمدت ما يسمى بـ”عقيدة الضاحية” خلال حربها على لبنان في تموز 2006، عبر استراتيجية التدمير لتثبيت منظومة الردع، ما يعني التدمير الشامل والكامل للبشر والحجر لدى الأعداء. وتعود جذور “عقيدة الضاحية” الى تصريحات قائد الأركان الاسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت، الذي أشار في العام 2008 إلى أن إسرائيل ستتعامل مع أية منطقة تدعم أعداءها كميدان حرب شرعي، وستستخدم فيها القوة القصوى لتدمير البنية التحتية وتحقيق الردع، وبالفعل استخدم الجيش الاسرائيلي هذه العقيدة لاحقاً في عدد من النزاعات، مثل الحرب على غزة في 2008-2009، واعتمد على القصف الجوي المكثف والدمار الواسع كوسيلة لإضعاف الخصم وإيصال رسالة ردع قوية.
ونشرت صحيفة “هآرتس” في 5/ 10/ 2008 مضمون ما قاله قائد المنطقة الشمالية وأوردته على الشكل التالي: “عرض قائد المنطقة الشمالية اللواء غادي آيزنكوت أول أمس في مُقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت ما يصفه بنهج الضاحية، فقال إنّ إسرائيل ستُوسِّع، في المُواجهة المُقبلة، القوّة التدميريّة التي استخدمتها قبل عامين ضدّ الضاحية، الحي الشيعي في بيروت: سنستخدم قوّة غير مُتكافئة ضدّ كل قرية تُطلَق منها النار على إسرائيل، وسنُلحق بها ضرراً ودماراً هائلين. إنّها، من وجهة نظرنا، قواعد عسكريّة. إنّ آيزنكوت يتحدَّث عن تدمير القرى الشيعيّة في الجنوب (…). وقال: هذه ليست توصية، إنها خطة وقد أُقرَّت”.
إعتمدت إسرائيل هذه العقيدة خلال المراحل الأولى من حرب الإبادة على غزة، قبل أن تنتقل إلى الحرب الأمنية عبر العمليات الخاصة وملاحقة عناصر “حماس” وقياداتها واستهدافهم، وهو ما يفسر حجم الدمار غير المسبوق، الذي تعرض له القطاع، حيث أن التقديرات تشير إلى تدمير 80% منه. وهو السياق نفسه الذي بدأ العدو الاسرائيلي إعتماده على حدود لبنان، إذ لم يتغير سلوك كل إسرائيل العسكري والاستراتيجي لفرض الردع من خلال مزيد من الدمار، الأمر الذي دفع “حزب الله” أيضاً الى الرد على إسرائيل بـ”عقيدة الضاحية” من خلال إلحاقه الدمار في المستوطنات، وترحيل ما يقارب 70 ألفاً من سكانها إلى العمق الكيان الصهيوني.
ومع توسع نطاق الاعتداءات الاسرائيلية، باستخدام سلاح الطيران، الذي تطلق مقاتلاته صواريخ شديدة التدمير، فإن تنفيذ “عقيدة الضاحية” لم تعد تقتصر على الجنوب، بل شملت الضاحية الجنوبية بصورة مركزة ومكثفة، مخلفة دماراً مرعباً، إضافة إلى شمولها قرى وبلدات عديدة من البقاع. ويبرر الاعلام الاسرائيلي “بكل وقاحة” استخدام استراتيجية “عقيدة الضاحية” بأن المجموعات المعادية لإسرائيل مثل “حزب الله” و”حماس” تتغلغل بين السكان المدنيين في المدن المكتظة بالسكان، إضافة إلى استخدام البنى التحتية المدنية مثل المدارس والمستشفيات والمراكز الدينية منطلقاً لأعمالها العسكرية، وهو ما يضع الجيش الاسرائيلي أمام خيارات محدودة تضطره إلى استهداف مواقع مدنية تتحصن داخلها المجموعات وبالتالي يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين.
ما تقوم به إسرائيل في الجنوب والضاحية والبقاع، هو تدمير كامل للقرى والبلدات والمناطق السكانية، وتهجير أهاليها، بعد التدمير الشامل للبنية التحتية والمنشآت الحيوية، سواء كانت مباني سكنية أو طرقاً أو جسوراً أو مرافق عامة، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الأضرار بالمدنيين، بهدف فصل “حزب الله” عن حاضنته الشعبية.
“عقيدة الضاحية” ترتبط ارتباطاً عضوياً بمسألة الأطماع الاسرائيلية الحالية والمستقبلية في لبنان، خصوصاً مع عودة حلم “إسرائيل الكبرى” ليطل برأسه بقوة من خلال طموحات قادة العدو وحاخاماته ورهاناتهم، إعتقاداً منهم أن الوقت ملائم للعمل على تحقيقه، وسط رهانات اليمين المتطرف بوصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، الذي قال مؤخراً: “ان إسرائيل دولة صغيرة”!