اهلا- زياد عيتاني-بيروت من الإشغال إلى الإشعال… حرب مفتوحة لا شاملة تزامنت هذه التطورات المتسارعة، مع إعلان رئيس الأركان هيرتسي هاليفي “أننا لن نمنح حزب الله هدنةً وعلينا الاستمرار بكل قوة”، قبل أن يجزم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ”أننا سنواصل ضرب حزب الله ومَن لديه صاروخ في غرفته أو مرآبه لن يكون آمناً و(السيد حسن) نصر الله يقودكم أيها اللبنانيون الى حافة الهاوية”، وذلك في وقت أعلن أوري غوردين قائد قيادة المنطقة الشمالية للجيش الاسرائيلي، الدخول في مرحلة أخرى من الحملة، معقباً: “علينا الاستعداد بقوة لعملية برية”. وتصعيد الأمس، الذي جاء بعد اليوم الثالث من العدوان الاسرائيلي الأعنف والأوسع والأكثر كثافة على لبنان منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” في الثامن تشرين الأول الماضي، بدأ باكراً عندما كشف “حزب الله” أنه استهدف مقر قيادة “الموساد” في ضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع “قادر1″، مؤكداً أن المقر المستهدف مسؤول عن اغتيال القادة وتفجير أجهزة الاتصال. بينما أعلنت إذاعة الجيش الاسرائيلي اعتراض صاروخ أطلق من لبنان تجاه تل أبيب، في سابقة منذ بداية الحرب الاسرائيلية على غزة قبل نحو عام. وهذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب صواريخ باليستية ويستهدف تل أبيب، وذلك في رد واضح على المزاعم الاسرائيلية بأنه فقد 50% من قدراته، موجهاً رسالة في الوقت نفسه أنه إمتص الصدمات المتتالية، وأعاد تنظيم قيادته العسكرية، واستعاد المبادرة القتالية والقدرة الصاروخية، من خلال أنظمته التي تعتمد على المرونة والرشاقة العملاتية، إستناداً إلى “اللامركزية القيادية”، وإلى تهيئة بدائل الأصيل. وكان الحزب قد بدأ بالرد على إسرائيل عندما سدد في البداية رشقات صاروخية إلى عدة نقاط في الشمال الاسرائيلي منها المخازن الرئيسية لفيلق الشمال في قاعدة نيمرا، والكتيبة الصاروخية والمدفعية في ثكنة يوآف، فضلاً عن قصف مجمع الصناعات العسكرية رافائيل شرق حيفا مرة أخرى، ثم بعد توسع القصف الاسرائيلي بصورة غير مسبوقة امتد القصف الذي وجهه “حزب الله” تباعاً حتى عمق 120 كيلومتراً شرق حيفا، بحيث وجه ضربات صاروخية لكل من قاعدة رامات ديفيد الجوية، وهي القاعدة الجوية الشمالية الرئيسية، بالاضافة إلى مجمع الصناعات العسكرية رفائي الواقع شمال حيفا، (وكلاهما من بنك الأهداف العسكرية التي رصدتها مقاطع “الهدهد” المصورة والتي سبق أن بثها “حزب الله” على سبيل التهديد بالردع في شهر تموز الماضي). إرتفاع وتيرة التصعيد “المتصاعد” كماً ونوعاً بالأسلحة التي باتت تستخدم، وتمدده الجغرافي العميق، أسقطا كل ما كان يعرف بالضوابط وقواعد الاشتباك والخطوط الحمر، وأصبحت الجبهة بين الجانبين مشرّعة على مصراعيها من دون حسابات وسقوف واضحة. فهل دخلت الجبهة اللبنانية الاسرائيلية الحرب الشاملة؟ تسارع التطورات العسكرية، قد يسابق أي تحليل أو مقاربة لمسارها، فما هو منطقي وموضوعي اليوم من التحاليل، قد يتبدل غداً. في الواقع، هذا التصاعد الخطير في العمليات العسكرية، لم يعد مجرد مواجهة، كما أنه من الجانب الاسرائيلي لا يهدف الى اعادة المستوطنين، ومن جانب “حزب الله” لم يعد جبهة “إسناد ومشاغلة”، فعلاً دخل الطرفان حرباً حقيقة. لكن ما هي طبيعة هذه الحرب ونوعيتها وتوصيفها؟ على الرغم من كل المخاطر والمخاوف، فإن المعلومات التي يتلقاها لبنان عبر القنوات الديبلوماسية من عواصم القرار، تجمع على أن كل الجهود التي تبذل، تهدف الى عدم توسيع نطاقها وتفلتها، حتى تتحول الى حرب شاملة، لا أحد يرغب فيها. حتى الآن هناك مانعان يحولان دون أن تتحول الحرب بين اسرائيل و”حزب الله” الى حرب موسعة أو شاملة، يتمثلان في الادارة الأميركية والقيادة الايرانية. ادارة جو بايدن التي تفصلها عن الانتخابات الرئاسية حوالي أربعين يوماً، لا يمكنها أن تعطي ضوءاً أخضر لإسرائيل بشن تلك الحرب، ما يعني عدم مساندة الأسطول الأميركي في المنطقة لها (وهي بحاجة اليها) إذا ما أقدمت على ذلك. أما إيران فهي تفرض على “حزب الله” ضوابط وسقوف محددة تلجم أي إندفاعية عسكرية له تجره الى تلك الحرب، في ظل مفاوضاتها مع واشنطن في مسقط بشأن الملف النووي وأرصدتها المالية المجمّدة في المصارف الغربية. هذا لا يعني على الاطلاق أن الأجواء مهيّأة للتهدئة أو لوقف التصعيد، بل على العكس، فان نتنياهو مستمر وماضٍ في حربه المتصاعدة على “حزب الله” الى ما بعد الانتخابات الأميركية. لكن بسبب المانعين الأميركي والايراني، فان المواجهات التي تحولت الى حرب فعلية، ستبقى “حرباً مفتوحة” (زمنياً)، من دون إنحدارها إلى “حرب شاملة”. ولكل منهما في العلم العسكري مقوماتها وأساليبها وخططها.
ليست “سهام الشمال”، بل هي طائرات “الموت” المعادية، التي تحول لبنان الى جحيم، من خلال حزام ناري لفّ كله بغارات إسرائيلية تدميرية للبشر والحجر، هي أقرب الى المجزرة، تحت عنوان “تقويض البنية التحتية لحزب الله” (!) مع توسيع نطاق هجماتها، بحيث شملت الشوف وأعالي كسروان، إذ كانت هاتان المنطقتان البعيدتان نسبياً عن معاقل “حزب الله” في جنوب لبنان وشرقه، بمنأى عن الغارات الاسرائيلية منذ بدء التصعيد قبل نحو عام، وذلك بالتوازي مع الاستمرار في مسلسل الاغتيالات المتسلسلة لمنظومة القيادة، مع إعلان الجيش الاسرائيلي استدعاء لواءي إحتياط الى الجبهة الشمالية، بالتزامن مع ما أفاد به موقع “والا” الاسرائيلي بأن القيادة الشمالية في الجيش أجرت مناورات تحاكي عمليات برية في لبنان.