اهلا لماذا القمح المسلوق في تذكارات الراقدين؟
في التقليد الروميّ الأرثوذكسيّ يحمل المؤمنون إلى الكنيسة في "سبت الراقدين" وفي التذكارات الخصوصيّة للراقدين (جناز الثالث، والتاسع، والأربعين والسنة...) صواني من القمح المسلوق الذي يُعدّونه في البيوت مُزيّناً بالسُكّر المطحون وبعض المُطيّبات الأخرى، ويُقدّمونه للكاهن لكي يُقيم عليه "صلاة النياحة" أو المعروفة باليونانية بصلاة "التريصاجيون" (Το Τρισάγιον) وذلك في نهاية القداس الإلهي، ذاكراً أسماء الراقدين المقدّمة عنهم.
القمح في المسيحية هو رمز القيامة، وإشارة للحياة الأبدية بعد الموت، حيث نحيا مع المسيح القائم من بين الأموات. وهذا القمح المسلوق يُسمّى باليونانية "كوليفا" koliva (κόλλυβα) وفي بعض الأوساط يدعونه "قِلبَة"، وهي لفظةٌ مُعرَّبة عن الكلمة اليونانية المذكورة "كوليفا"، وفي أوساطٍ أخرى يُسمّى "رحمة"... وكلّها ترتبط رمزياً بذكرى الراقدين، حيث أن حبّة القمح لا تُثمر ولا تأتي بسُنبلةٍ خضراءَ يانعة إلّا إذا ماتت، كما يقول السيّد المسيح له المجد: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ." (يوحنا 12: 24).
وهكذا هم المسيحيون المؤمنون الذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية، يموتون مع المسيح، ليشتركوا معه بمجد قيامته أيضاً (رومية 4:6). لأن حبّة القمح التي تنحلّ في الأرض، وينبُتُ منها سُنبلة خضراء جديدة، تُشيرُ إلى فساد الجسد التُرابيّ الماديّ وانحلاله في التراب، واستعادته من جديد جسداً نورانياً ومُمجَّداً على شبه جسد المسيح القائم من الأموات، وذلك في القيامة العامّة عند مجيئ الرب الثاني للدينونة في منتهى الأزمنة "كذلك أيضاً قيامة الأموات، يُزرعُ (الجسد) في فسادٍ ويُقامُ في عدمِ فساد، يُزرعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مجدٍ، يُزرعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قوّة" (راجع1 كورنثوس 43،42:15).
معَ القدّيسين أرِح أيُّها المسيح الإله نفوسَ عبيدِكَ. حيثُ لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا تنهُّد. بل حياةٌ لا تفنى.
+++ فليكُن ذِكرُهم مؤبداً +++