اهلا

آلة الكمان الخضرية الأولى

أعدّت المقال زاڨيت – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة

أثبت صانع كمان من إنجلترا، أن كل منتج له بديل صديق للبيئة، عندما صنع كمانًا خضريًا لا مثيل له في العالم، فمن ذا الذي يمسك بعصا القيادة ويقيم حفلة موسيقية، دون خوف من المواد ذات المصدر الحيواني؟
بقلم: نينا سودين - زاڨيت

الوسائد الخالية من الريش، فرشاة الرسم الاصطناعية بدون شعر الحيوانات ، والجوارب الدافئة دون صوف، هي ليست سوى بعض الأغراض التي أحتفظ بها في منزلي ، بصفتي خضرية منذ ما يزيد عن عقدٍ من الزمان، فبالنسبة للعديد من الخضريين، لا يقتصر نمط الحياة على تغييرات في قائمة الطعام والشراب فحسب، بل يشمل أيضا إعادة اختيار العديد من المنتجات التي تحتوي "في العادة" على مكوّنات مصنوعة من الحيوانات، وقد يكون بعضها مفاجئًا كالآلات الموسيقية، على سبيل المثال، والتي تبين أنه من الصعب العثور على بديل لها بدون مواد مصدرها حيواني...

واحدة من أكثر الآلات تحديًا للخضريين، وليس فقط بسبب المهارة المطلوبة لاستصدار أصوات لطيفة من أوتارها، هي الكمان. ففي حين أنه تم، عبر السنين، العثور على حلول خضرية لبعض المكونات في الكمان، مثل الورنيش (الطلاء اللامع) المطلي به، والشعر الذي يتكوّن منه القوس الذي يعزف عليه، إلّا ان الحرفيون لا يزالون معتادين على لصق الأجزاء المختلفة من الكمان باستخدام غراء الحيوانات، الى أن أعلن مؤخرًا فوريج أودولي، صانع الكمان الأيرلندي الذي يعيش في إنجلترا، أنه طوّر أول كمان نباتي، وهو كمان لا يحتوي على منتجات حيوانية... كيف فعل ذلك؟!
يتّضح أن السر يكمن في الغراء.

الغراء الذي يحافظ على التقاليد
ما هي أهمية الغراء للكمان؟ وفقا لإيال هوفميكلر، وهو مرمّم تحف قديمة وصانع كمنجات، فإن آلة الكمان تتكون من أكثر من 70 جزءًا، وبالتالي فإن المواد التي تربط بينها تتحمل مسؤولية خطيرة، ويقول"من ناحية، يجب أن يكون غراء الكمان قويًا بما يكفي لربط جميع القطع معًا، ومن ناحية أخرى، لا ينبغي أن يكون قويًا جدًا، بحيث نتمكّن من فتح الكمان وإصلاحها عند الحاجة، دون إتلاف الآلة، ولهذا السبب، يجب أن يكون أساس الغراء مائي".
للغراء خاصية أخرى مفاجِئة. فكما أن صناعة الكمان هي حرفة تقليدية قديمة، فإن الغراء المستخدم لإصلاحها وبنائها هو أيضا نفس الغراء الذي استخدمه قدامى صانعي ومرممين الكمان منذ مئات السنين، وهو غراء النجّارين المصنوع من العظام، الأوتار والأنسجة. وبحسب أقوال هوفميكلر فقد أصبح هناك بديل محتمل لغراء النجارين هو غراء "الكازايين"، المصنوع من بروتين الحليب، واستخدامه يجعل من الكمان "نباتيا"، على الرغم من أنه يحتوي أيضا على مكونات من مصدر حيواني، إلا أنه لا يحتوي على اللحوم أو العظام.

عندما يلتقي العلم مع التقاليد
ومع ذلك لم يكتف أودولي بالكمان الخضري، فقد وضع لنفسه هدف تطوير غراء جديد تماما، وقال إن نيّته هي صنع كمان شبيهًا، قدر الإمكان، بالكمان الكلاسيكي، وتبديل الأجزاء التي تحتوي على منتجات من مصدر حيواني فقط، ويوضح أودولي "أنا صانع كمان تقليدي، وقد تدربتُ على الأسلوب الكريموني، (على الطريقة التقليدية لمدينة كريمونا في ايطاليا)، تحت إشراف صانعي الآلات الوترية "أنطونيو ستراديفاري" وعائلة "أماتي" وغيرهم، لذلك أشعر بواجب الوفاء لتلك التقاليد، وفي المقابل، أنا أيضا مرمّم كمان معتمَد، أعمل مع المتاحف والصندوق الوطني للحفاظ على تراثنا".
يضيف أودولي ويقول إن ترميم الكمان هو تخصص أكثر حداثة من صناعة الكمان، وله علاقة بالعلم أكثر من التقاليد، وبحسب أقواله، فإن الجمع بين المجالين هو ما سيمكّنه من العمل ضمن التقاليد، مع تطوير بدائل قائمة على العلم في نفس الوقت، وهكذا طوّر أودولي الغراء الخاص به، والمصنوع، بحسب أقواله، من مواد مستقرة تماما وغير سامة أو ضارة للبيئة والبشر، والتي تلبي المعايير النباتية وهي الماء من نبع محلي، والأجاص على البخار لصنع الغراء والتوت البرّي للصباغة.
بالإضافة إلى الغراء، طوّر أودولي أيضا نسخته الخاصة لمكوّنين أساسيّين للكمان، وهي الطلاء، الذي تشتمل مكوناته أحيانًا على مواد من مصدر حيواني، والرقائق الخشبية الموجودة في الجزء الأمامي والخلفي من الآلة، والتي تحمي الكمان من التشقّقات وتساهم أيضا في تصميمه الفريد، وبدلا من استخدام رقائق معدّة مسبقًا، وملصقة بواسطة غراء من مصدر مجهول، فإن أودولي يشتري شرائط الخشب الرقائقي، يصبغها على طريقة القرن 17 التقليدية، ويلصقها بواسطة الغراء الخضري الذي أنتجه.

هل تريد "الحصول" على كمان خضري؟
ومع ذلك، فإن الاعتبارات البيئية تشمل أكثر من مجرّد التخلي عن استخدام المنتجات الحيوانية، ووفقا لهوفميكلر، فإن أردنا التصرف انطلاقا من هذه الاعتبارات عند اختيار مواد لبناء الكمان، فيجب علينا معالجة أمورًا اخرى غير تلك التي تتعلق فقط بالغراء أو الورنيش، ويقول"يحاول العالم حماية والحفاظ على أنواع الأشجار النادرة التي تستخدم لبناء الأقواس، مثل شجرة البرازيل في أمريكا الجنوبية، وشجرة الأبنوس القادمة من الغابون وزنزبار، والتي تستخدم لبناء النورس، (وهو الجزء الذي تمتد عليه أوتار الكمان)، حيث تُعتبر هذه الأشجار من الأنواع المهددة بالانقراض".
أيضًا الإعلان عن أول غراء نباتي للكمان يثير تحفظات عند هوفميكلر، حيث يشير الى حقيقة أن الغراء لا يتم إنتاجه الا في ورشة المخترِع ذاته، وهو غير مكشوف على الجمهور، وحول إمكانية إجراء أبحاث حول هذا الموضوع، والتي سوف تضمن تطوير غراء الكمان النباتي في المستقبل، يقول هوفميكلر "إنه مجال هامشي، وأبحاث تكون مخصّصة له حصرًا، لن تكون مجديةً اقتصاديًا".
على الرغم من التحفظات، فقد حصل كمان أودولي على الشارة التجارية الخضريّة من قِبل "الجمعية الخضريّة"، وهو، حاليًا، الكمان الوحيد في العالم الحاصل على هذه الشارة.
ينتج اودولي المواد التي طورها في ورشة عمل خضريّة منفصلة، تقع داخل حدود الاستوديو الخاص به، والذي يقع على تلال "ميلفور" جنوب غرب إنجلترا، وكما ذكرنا، فهو ينتجها على المستوى الشخصي فقط، ويدرس حاليا إمكانية طرحها للإنتاج التجاري أيضا، وحتى ذلك الحين، يمكن للخضريين الذين يرغبون في العزف على الكمان التفكير في "وضع أيديهم" على كمان مُستعمل، لم يتم استخدام مواد حيوانية جديدة من أجله، أو زيارة استوديو أودولي، هناك في مكان ما على تلال إنجلترا.