اهلا- المطران يوسف متى .معني كلمة باركليسي تعني التعزية أو الابتهال والتضرع لوالدة الإله في نصوص رائعة من الليتورجية، نظمتها الكنيسة البيزنطية، بتراتيل موسيقية جميلة.
تخصص الكنيسة البيزنطية من أول شهر أب (أغسطس) الى الرابع عشر صلوات وترانيم للعذراء مريم استعدادًا لعيد رقاد والدة الله، كما يمكن أن ترتل هذه الصلوات في حالة المرض أو الضيق أو الازمات، طالبين الخلاص "المنسقمين نفسًا وجسمًا معًا" الى "الشفيعة الحارة، رجاء المؤمنين" التي "ولدت الرب المتحنن والمقتدر" التي "لا ترفض مجاري دموعنا" حتى "تبادر الى الشفاعة لدى ربها وابنها"، "فتشفي أمراض نفوسنا وأوجاع أجسادنا" و"تنجينا من الشدائد والاهواء" و"من الموت والفساد" و"من أضرار العدو الردئية" وأهمها الخطيئة الصعبة والشريرة و"تزيل عنا حزن الخطيئة بعيدًا" و"الجهل" حتى "تخلص شعبها ومدينتها" من شرور العالم والخطيئة المحيطة بالرعية وكل الشعب المسيحي الساجد لايقونة السيدة التي "تنسى شعبها وبيت أبيها".
في هذا جو الرئع من الصلوات التقية تستطيع ان ترى عيوبك، وحسناتك وتفحص تصرفاتك وتعرف نقاط ضعفك، وتعمل على تصحيح امور عديدة في حياتك من خلال فحص ضميرك, وبسهولة تعترف بها، فتعرف اين تتجه مسيرة حياتك، وتعرف أن تركز في صلاتك. فهذه الصلاة تمرين مستمر يساعد على الاختلاء، والتأمل ويساعد على تحرير النفس لتنطلق، وتقف باحترام ورزانة في حضرة الله، ومن خلال العذراء مريم أي انها تفتح الطريق نحو الملكوت السماوي.
فالصلاة هذه نتعمق في شخصية مريم العذراء ام يسوع ، "كانت تحفظ كل هذا الكلام في قلبها وتتأمله".. بصمت وهدوء تتأمل كل ما يدور في حياتها من احداث واقوال قيلت عن ابنها يسوع .. فهي تعيش بهدوء، وتعرف ما تقوله ومتى تقوله، ولمن تقوله، لا تهين احد ولا تتسرع في الحكم على الامور بل تتأنى وتصبر تتدارس المواضيع وتستشير الله مع كل موقف، فالصمت الذي كان من صفاتها جعلها تصل الى قمة القداسة، لذلك نبتهل اليها ونعظمها.
بذلك تكون خدمة صلوات البراكليسي من أروع الصلوات الجماعية، وخاصا وقت الضيقات والتي تجعل المؤمنين متحدين بالله وبالعذراء والدة الإله.
نظرة تاريخية
يتحيّر الدارسون في نسب الباراكليسي الصغير إلى الراهب ثاوستيركتس المتوحد أو ثاوفانس الكبير وإخرون يقولون إنّه من نظم الملك ثاودوروس دوكالاسكاريس.
جرت العادة في الأجيال الأولى للمسيحية، أن يطوف الشعب القسطنطيني بخشبة الصليب الكريم في شوارع القسطنطينية، من أوّل آب ولغاية ١٤ منه لتكريس المدينة وحفظها من الأمراض. وخصوصًا من رمد العيون، الذي كان ممكنًا ان يتفشّى في الشعب في ذلك الشهر، وينتهي الطواف في كنيسة آجيا صوفيّا ويتلون فيها الباراكليسي بخشوع كبير.
أما صوم السيدّة العذراء (من 1 حتى 14 آب) فهو من الأصوام المهمّة والمحبوبة لدى فئة كبيرة من المسيحيين الممارسين مسيحيتهم، ويقال إنّ الشعب المؤمن هو الذي أدخله على روزنامة الكنيسة، لأنّه حتى القرن الحادي عشر لم يكن ضمن الأصوام التي يحكم بها القانون الكنسي، كما لا نجده في أي قانون من قوانين الصوم
وكان هذا الصوم معروفًا بصوم العذارى، ويعتبرونه كسند للطّهارة والتبتّل، لهذا أكثر من يصومه هم المتنسّكون والرّهبان
وهكذا بات الشّعب يمارسه على كلّ المستويات، جاعلاً منه مناسبة لتجديد الحياة الرّوحيّة وفرصة للتّوبة
مريم العذراء في هذا الصّوم هي المثل الحيّ للطّهارة والتّبتّل، ولكنّها أيضًا الشّفيع المؤتمن الذي ننال به قوّة ونعمة من الله٨ لسلوك هذه الحياة
إذاً سرّ هذا الصوم يكون في شفيعته، فالعذراء شفيعة مقتدرة لكلّ من يلتجئ اليها لجوء الايمان والرّجاء والمحّبة، وهذا ما يبرز في الكنيسة صورة من أروع الصّور الرّوحيّة على إمكانية التزام الشعب بهذا الصوم دون إلزام أو توجيه يكاد يوحي لنا أن هذا الصوم دخل إلى قلب الشعب من مدخل صحيحٍ وعن حب واقتناعٍ
أما اليوم في كنيستنا الملكية فيبقى قانون القطاعة سائدا مع ترك الحرية لممارسة الصوم الذي يقوم به اغلب شعبنا مترافقاً بالصلاة الاستشفاعية.
نتمنى للجميع صوماً وقطاعة مباركين.