اهلا معجزات موسى التوراتي من وجهة نظر العلم
جاء في سفر الخروج أن موسى التوراتي أخرج من مصر 600 ألفاً من المهاجرين الإسرائيليين عدا الأطفال والنساء، بمعنى آخر فإن العدد الكامل ربما بلغ مليوني نسمة تقريباً.
لكن دراسة علمية قام بها الباحث التشيكي " ألويس موزيل " المختص في شؤون العيش في الصحراء أوضحت أن القبيلة التي تتألف من/ 5000 /عائلة تشكل أثناء سيرها خطاً عرضه حوالي 20 كم وطوله أكثر من ثلاثة كيلو مترات.
وعلى هذا يرى أن واحات شبه جزيرة سيناء بقادرة على أن تطعم مليوني إسرائيلي هو افتراض غير واقعي.
وأما رواية التوراة بأن ذلك العدد الكبير عاش في معسكر واحد فهي رواية بعيدة عن المعقول البعد كله.
يروي التوراة أيضاً أن موسى روى للعبرانيين كيف كلّمه الله / يهوه / من العليقة الملتهبة التي لا تحترق. ولكن الدراسات العلمية والعملية أكدت أن هذا النبات موجود فعلاً إلى الآن في سيناء ويسمى عليقة موسى. وتبين أن هذه الشجرة عبارة عن نبات ذي خصائص فريدة يرسل خيوطاً من الزيت في الأثير بحيث تتوهج بسهولة تحت أشعة الشمس.
وقد أخذ بعض العلماء نموذجاً من هذه العليقة إلى بولونيا وزرعوه في محمية، حيث ذكرت الصحف عام / 1960/م أن عليقة موسى اشتعلت في أحد الأيام القائظة ناراً ذات لون أحمر سماوي.
أيضاً ثمة حكاية في التوراة وردت على شكل معجزة حيث أن المنّ ظهر للعبرانيين كمعجزة من يهوه وموسى. والذي تبين بنتيجة دراسات الباحث بودينسهايمر في شبه جزيرة سيناء أن ثمة نوعاً من الأثل يفرز في الربيع سائلاً حلو المذاق سرعان ما يجف ويتحول إلى كرات بيضاء تشبه حبات البَرَد فور تعرضه للهواء، ولاحظ هذا الباحث أن بدو سيناء يهرعون في الربيع لالتقاط هذه الحبات التي لم تكن نتيجة معجزة لموسى ويهوه.
ومن ظرائف سفر الخروج أيضاً قصة طيور السلوى أو السمّان، حيث ثمة معجزة للقوم التائهين بأن جلب موسى لهم عبر يهوه هذه الطيور ليأكلونها وبأعداد كبيرة.
والذي تبين وفق الدراسات العلمية والعملية أن هذه الطيور ترحل من أعماق أفريقيا إلى أوروبا في فصل الربيع وبأعداد هائلة حيث تصل في طريقها إلى سيناء وقد أنهكها الطيران فتحط عادة على طول ساحل البحر خائرة القوى لدرجة أن السكان المحليين يلتقطونها بأيديهم دون استخدام أي وسيلة للصيد. بمعنى آخر أن هذه الظاهرة طبيعية ولا علاقة للمعجزات النبوية أو الإلهية بها.
وثمة معجزة توراتية أخرى تجلت في موسى حين جاع شعبه فضرب صخرة بعصاته عند سفح جبل حوريب لتنبثق المياه العذبة للشرب. وقد تبين بنتيجة دراسة هذه الظاهرة أن سكان المنطقة البدو ما زالوا يقومون بهذا الأمر إلى الآن في المنطقة فهم يعرفون أن مياه الأمطار تتجمع عند سفوح الجبال تحت شريط رملي هش يكفي أن تكسر هذه القشرة الرقيقة حتى تنبجس المياه دون معجزات إلهية أيضاً.
وعلى جري هذه المعجزات فقد ورد في التوراة أن الإسرائيليين وصلوا إلى "مارّة " بعد ثلاثة أيام من المسير في الصحراء دون مياه وشرب حيث خاب أملهم في الحصول على مياه عذبة بحيث أن مياه النبع في هذه المنطقة كانت مرّة المذاق.
وبمعجزة من موسى التوراتي الذي تناول غصن شجرة ورماه في المياه فأصبحت المياه عذبة وحلوة. لكن العلماء البريطانيون الذين درسوا هذا الأمر توصلوا إلى أن هذه المياه المرة تحتوي نسبة من كبريتات الكالسيوم وحين أضافوا إليها حامض الأكساليك ترسبت الكبريتات وفقدت المياه طعمها المر. في حين لاحظوا أن سكان المنطقة كانوا يتخلصون من المرارة بمساعدة أغصان شجرة معينة تسمى ألواح يحتوي عصيرها على حامض الأكساليك.
كما يذكر التوراة أن العبرانيين في طريقهم من جبل سيناء إلى قادش عانوا من نقص الغذاء ما أدى إلى وقوع اضطرابات وقلاقل واحتجاجات لكن غضب موسى ويهوه منهم دفعه إلى الانتقام منهم حيث أكلوا طيور السمّان/ السلوى فمات الكثير منهم كنوع من عقاب يهوه لهم وغضب موسى عليهم.
لكن الأبحاث العلمية دلت على أن هذه الطيور كما توصل البروفسور سرجان كانت تصبح سامة في بعض الأحيان في شبه جزيرة سيناء نتيجة أنه وفي طريقها من أفريقيا إلى أوروبا تمر في السودان وتحط هناك وتأكل حبوباً تحوي مواداً سامة مما يجعل لحومها خطرة على حياة الإنسان.
وأيضاً تذكر أساطير الخروج الهوامية أن الأفاعي السامة بين قادش وخليج العقبة هاجمت العبرانيين.. ولكن تبين أيضاً للرحالة السويسري بورغهات عند زيارته لسيناء أن ثمة هذه المنطقة التي تعج بالأفاعي السامة وكان البدو المحليين يتجاوزون هذه المنطقة أثناء تجوالهم.(10)
وفي النتيجة يمكن النظر إلى أن ما كتبه الأحبار في سفر الخروج لا يعدو كونه حكايا وخبرات اختزنوها أثناء تجوال العبرانيين بين شمال الجزيرة العربية وسيناء وأطراف كنعان بحيث أسدلوا عليها رداءاً إلهياً وأسقطوها على شخصية مفترضة هي موسى الذي جعلوه نبياً كتب الأسفار الخمسة الأولى من التوراة.
والغريب أن يرد في سفر التثنية / الإصحاح الرابع والثلاثين – السطر العاشر / أنه " لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى ". ولكن الحقائق العلمية تؤكد أن كلمة " نبي " لم تدخل قاموس اللغة اليهودية القديمة إلا في زمن متأخر جداً عن عهد موسى المفترض في التوراة !.
إن كل هذا يدفع الباحث كاسيدوفسكي للقول:
" إن مجرد القراءة السطحية للأسفار الخمسة الأولى تبين هشاشة الأساس الذي قامت عليه أسطورة كتابة موسى لهذه الأسفار " (11).
الجدير ذكره هنا هو أن التقليد الديني في أوروبا أكد طوال قرون طويلة أن موسى هو مؤلف الكتب الخمسة الأولى من التوراة، ولكن عندما تجرأ الفيلسوف اليهودي سبينوزا (1632-1677)م وأعلن عن شكّه في صحة ذلك التقليد تم طرده من الكنيسة / أمستردام / وأعلنته هرطقياً. وقد سبق سبينوزا إلى هذا الكثير من الفلاسفة والعلماء أمثال: فيلون ويوسف فلافي وابن عزرا وأوريل وداكوست وغيرهم.
بشار خليف. العبرانيون