اهلا

مَســار  وادي القَــرْن  المائي
سحــر الطَّبِيعَــةُ الخَلاَّبــه في الفِرْدَوْسُ المُحتَـلّ
الباحث : خالد أبو علي
كان مسارنا البيئي يوم الجمعه 30-6-2023 إلى “ وادي القَــرْن “ في الجليل الأعلى الغربي كجزء من سلسلة رحلاتنا البيئية وتأكيدا على عروبة فلسطين التاريخية الكاملة ، حيث شارك عشرون مَشَّــاءا في المسار البيئي حيث جمال الطبيعة الساحرة الخلابة .
بدأت الرحلة بالنزول من محيط بلدة " ترشيحا " صوب “وادي القَــرْن “ومن بعدها إلى نقطة الانحدار الشديد في قلب الوادي والمسير بين الاشجار والطبيعة الخلّابة والمياه الشفافة المتدفقة الممتدة من الشلالات والينابيع والجارية على مسير وصل إلى ثلاثة عشر كيلومترا تقريبا من شلال الزيب الشهير وحتى عين أم طمرون وقلعة المونفورت .
يأخذك جمال طبيعة في “وادي القَــرْن “إلى مكان تشعر للحظة أنك في مكان غير هذا المكان، للحظات تعتقد أنك داخل ادغال في منطقة استوائية ضمن منطقة مناخ حوض البحر المتوسط حيت معدل سقوط الأمطار هناك نحو 800 ملم سنويا، لتتذكر لاحقًا أنك في الجليل الأعلى في فلسطين بمساحة نحو 700 كلم2 اما الجزء الآخر من الجليل الأعلى فهو داخل لبنان لينتهي بنهر الليطاني ويسمى جبال عاملة.
موقع وادي القَــرْن :
يقع " وادي القَــرْن " أحد أكبر وأطول الأودية في فلسطين في منطقة الجليل الأعلى الغربيّ وهو وادٍ دائم الجَرَيان، يبلغ طوله 43 كم من جبل الجرمق وحتى مصبه في البحر المتوسط بالقرب من قرية الزيب المهجرة للجنوب من رأس الناقورة، فيما تبلغ مساحة حوض تجميع مياهه من الروافد الثانوية نحو 137 كم2، يعد حوض “ وادي القَــرْن “ من بقاع فلسطين القديمة التي عمرها الانسان وتشهد الخرب الكثيرة فيه على ذلك ، ومن أهم التجمعات السكانية في الحوض قرى بيت جن والبقعية وحرفيش فسوطة ودير القاسي(مهجرة) وسحماتا (مهجرة) ومعليا وأقرث(مهجرة) والزيب(مهجرة) عند المصب بالبحر.
تبدأ المجاري العليا ل” وادي القَــرْن “وتتكون في قلب أعلى أجزاء فلسطين في جبال الجليل الأعلى المركزي في السفوح الغربية لكتلة جبال الجرمق حيث يرتفع جبل الجرمق 1.208م وجبل الطويل 990م وجبل عداثر1000م وجبل عروس 1.071م. وهي الأجزاء التي تشكل خط تقسيم المياه بين وادي نهر الأردن والحولة وطبرية في الشرق والبحر المتوسط في الغرب.
وتتجمع من هذه الجبال ومن المرتفعات الأخرى للجليل الأعلى مياه السيول الناشئة عن الأمطار وبعض الثلوج الذائبة وتترافد لتكون المجرى الأعلى الرئيس ل” وادي القَــرْن “ بالقرب من قرية حرفيش. ويعد وادي الغدران الذي يبدأ من أراضي قرية بيت جن وعينها الواقعة شمال غربها المجرى الأعلى الأساسي الذي يلتقي بعدد من الأودية السيلية الأصغر واد الغدران وينضم له روافد مثل المران، والسرطبة، وعين المنبع وبعد أن تجتمع تكون بداية المجرى الرئيسي الذي يتجه غربا في واد الحبيس( التسمية بسبب قصة تراثية حصلت مع النبي سبلان المقدس لدى دروز المنطقة وله مقام على جبل باسمه وبعد مطاردة الجنود له نزلت الأمطار وحبست الجنود ومنعتهم من القاء القبض عليه) وحتى قرية سحماتا ومن هناك يسمى واد شقيف الزاغ ثم واد القرن وهو الجزء الأكبر من الواد.
وبعدما يرسم الوادي منعطفات وأقواسا كثيرة بين الجبال على طول محور عام اتجاهه شمالي غربي يصبح بعدها واديا شبه مستقيم يتجه نحو الغرب حتى يصب في البحر عند قرية الزيب المهجرة البعيدة عن الحدود الفلسطينية – اللبنانية ورأس الناقورة مسافة 5 كم. ويعد وادي البقيعة الذي يرفد “وادي القَــرْن “من جهة الجنوب بالقرب من قرية سحماتا أهم الروافد المغذية له بالمياه حتى يصح القول ان “وادي القَــرْن “يتكون من وادي الغدران في بيت جن ووادي البقيعة.
ويرجع استمرار جريان المياه في “وادي القَــرْن “طوال أيام السنة، ولا سيما في فصل الصيف، إلى عدد من الينابيع التي تغذيه بكميات جيدة من المياه وفي مقدمتها ينابيع القرن نفسها أو ما يعرف برأس النبع، وخلال المسار المائي مررنا بنبع " أم طمرون" حيث دخل بعض اعضاء الفريق من بين الصخور الضيقة للوصول الى مصدر النبع الأزلي الذي يقع بين معليا وعرب السّمنيّة في “وادي القَــرْن “ كما يوجد في الوادي نبع القلعة وتقع بين معليا وعرب السّمنيّة قرب “وادي القَــرْن “ بالإضافة الى نبع الهردويل .
وخلال المسار لاحظنا ان المياه قد شحت في بعض اجزاء الوادي في وقت كانت تجري فيه طيلة ايام السنة مع بداية سنوات الخمسينيات ويعود السبب الى استغلال المستوطنات لها حيث اقيمت على ينابيعه الرئيسية مشاريع سحب المياه وشاهدنا خلال المسار مضخات المياه الضخمة والتي اقيمت خصيصا لسحب مياه الينابيع.
التنوع الحيوي في وادي القرن :
خلال مسارنا الجميل لم ينفصل احساسنا لحظة واحدة بجمال الطبيعة ووجود الكائنات الحية التي تعيش في بيئة “ وادي القَــرْن “ والتي تتحد مع الطبيعة في مشاهدة خيالية تأسر الناظر، وممّا يزيد جمالية الطبيعة الممزوجة بين المناطق الطبيعية حيث احراش السنديان والبطم الفلسطيني وجنبات السريس والسويد والبلوط والخروب والقندول ونباتات متسلقة منها الجريح والفوة والهليون وأيضا أشجار الأودية منها شجر الدلب الشرقي الضخم والذي يغطي مجرى الواد وشجر الغار والقتلب أوقاتل ابيه والشبرق والعبهر ، وجود الكائنات الحية وسماع أصوات ضفدع الوادي والسلمندرة (من البرمائيات ذوات الذنب) والطيور المغردة التي زادت من روعة المشهد ، ومشاهدة اسماك " الخفاف " في المياه العذبة اضفى بعدًا آخر للجمال، لحياة بيولوجية فريده تغذيها عيون المياه ، فضلًا عن الروائح الأخّاذة التي تختلج بها المناظر الطبيعية.
وما لفت انتباهنا خلال المسارأيضا انتشار العديد من طواحين القمح المائية على طول الوادي في أجزائه الجبلية وعلى ضفاف الينابيع والتي بقي منها بعض الاطلال حيث خدمت سكان المنطقه والقرى المجاوره حتى نكبة العام 1948 وخاصة قرى ( معليا وترشيحا وفسوطه ) وكانت كل مطحنه مملوكه لعائله معينه من هذه القرى .
قلعة “وادي القَــرْن :
اكمل الفريق مساره الى أعلى قمة جبل مطله على الجبل المقابل المقام عليه قلعة القرين أو قلعة “وادي القَــرْن “او الاسم اللاتيني "ماونتفورت" وتعني الجبل المنيع وتقع على بعد 5 كم غربي قرية معليا على السفح الجنوبي للواد، بسبب هذه السلسلة التي تتفرع من سفح الجبل ولها شكل "قرن" جاءت تسمية الواد بهذا الاسم. وهي قلعة بناها الصليبون في اخر القرن الثاني عشر على ضفاف الوادي لم تكن عسكرية بل مدنية كونها مخفية بين الأحراش فكانت تستعمل كمزرعة وتستغل مياه واد القرن بالزراعة الصيفية وتحتها يوجد بقايا سد لحجز مياه واد القرن. والهدف الثاني للقلعة انها استعملت كبنك من قبل الأمراء الصليبيين لإيداع مدخراتهم وكنوزهم فيها كونها مخفية وبعيدة عن الأنظار وليست على طريق رئيسي عام. وقد فتحها المسلمون مرتين الأولى بعد معركة حطين 1187 ثم عادوا إليها الصليبيين مع ريتشارد قلب الأسد ومن ثم فتحها سنة 1271 الظاهر بيبرس بعد ان تم الاتفاق مع الصليبيين على تسليمها وقد اشترط الصليبيين أن يخرجوا مع كل ممتلكاتهم واغراضهم الذي لم يعلم المسلمون انها كنوز لا تقدر بثمن. وهذه الكنوز تعرض اليوم ببروسيا الشرقية المقاطعة الألمانية ولا زالت أجزاءً من القلعة بادية للعيان مثل الكنيسة، والمساكن، معصرة عنب، أبار ماء، والبرج.
قرية إقرث المهجّرة :
قبل الإنتهاء من المسار البيئي توجه المَشَّــاؤون عبر الحافلة لزيارة إقرث أوأقرت وهي قرية فلسطينية مسيحية مهجّرة، تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية في أعالي جبال الجليل الغربي، وتبعت إداريا حتى عام النكبة لقضاء عكا التي تبعد عنها 25 كيلومترا ، وقد لجأ سكانها جميعاً إلى لبنان وإلى القرى الفلسطينية المجاورة بعد أن طردتهم العصابات الصهيونية بين عامي 1948 و1951 تاركين وراءهم بيوتهم الممتلئة التي تم نهبها وسرقة محتوياتها وتفجير بيوتها وسرقة حجارتها واقتلاع كرومها الغنّاء ليتم فعلا تهجير البشر والحجر والشجر .
صعد الفريق مشيا على الأقدام لتل شديد الانحدار يقع على ارتفاع 550م عن سطح البحر، شاهدنا هناك بقايا البيوت المدمرة ، وكنيسة للروم الكاثوليك سلمت من التدمير ، حيث تجولنا بداخل الكنيسة التي كانت بطول 11 متراً وعرض 9.5 متراً، تعلو في مركزها قبة مسدسة الشكل قطرها 220 سنتمترا فيما كان يرتفع ناقوس الكنيسة فوق زاويتها الجنوبية الغربية. ومن أعلى قمة التل على أراضي قرية إقرث المهجره شاهدنا القرى اللبنانية المتاخمة للحدود الفلسطينية وهي قرى ألمروحين وأم توته والبستان .
حيفا الجميلة :
وفي نهاية مسار “وادي القَــرْن “توجه المشاركون الى حيفا للإستمتاع بمياه شاطئها الجميل ،وبالإضافة إلى موقعها على البحر المتوسّط الذي يمثّل ميناء طبيعي يسمح بأن تكون المدينة إحدى المنافذ البحريّة الهامة في فلسطين، وهي ايضا واحدة من أقدم المدن الفلسطينيّة التي شهدت استيطان البشر منذ عشرات الآلاف من السنين، وتعتبر إحدى أهم المراكز الثقافيّة والفكريّة في فلسطين وخاصة في فترة ما قبل النكبة. تأسسّت المدينة منذ ما يقارب ألفي عام كإحدى القرى التي استوطنها الكنعانيون، وظلّت المدينة تتوسّع مع مرور الزمن.