
















اهلا- حامد المحلاوي المهاتما غاندي : قوة الضعف غلبت جبروت القوة ! ..
لم يبتعد الهنود كثيرا عن الحقيقة عندما لقبوه ب " أبو الهند " .. أما لقبه الأشهر فكان " المهاتما " أي الروح الكبيرة .. فكيف لشخص كل حياته عبارة عن عنزة صغيرة يحلب منها اللبن وأكله كسرات من الخبز الجاف ولباسه إزارا مكونا من قطعتي قماش بما يشبه الكفن كان يغزلهما بمنواله .. كيف لمثل هذا أن يوحد دولة بحجم قارة تضم مئات القوميات التي لها لغات مختلفة وأديان متعددة على هدف واحد ؟! .. ليس هذا فقط .. بل وفرض عليهم أسلوبا في المقاومة يعد ضربا من ضروب الخيال ! ..
دون شك هو شخصية محورية مهمة في التاريخ الإنساني كله و ليس الهند فقط .. ليس لأنه كان زعيما فذا قاد بلاده إلى التحرر من نير الاستعمار البريطاني ولكن لاعتباره صاحب نظرية فريدة في مقاومة الاحتلال .. إنها سياسة اللاعنف أو المقاومة السلبية .. من أهم أسلحتها الصيام ( الإضراب عن الطعام ) والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب من ينتهجها حتى ولو إلى الموت .. كان يرى أن اللا عنف لا يعنى السلبيه والضعف كما يتخيل البعض .. بل هو القوة ذاتها إن آمن بها من يستخدمها .. يقول غاندي تعيلقا علي تلك السياسة : اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية .. بل إنه اقوى بكثير من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان ..
الكتابة عن غاندي لا يكفيها مجلدات وليس صفحة أو صفحتين .. لذلك سأتناول هذه الجزئية فقط .. فقد كانت له فلفسته الخاصة في المقاومة استطاع من خلالها إقناع الشعب الهندي باتخاذها منهاجا وطريقا لمقاومة الإمبراطورية الباطشة التي لا تغيب عنها الشمس .. بريطانيا العظمى .. كرر عليهم مقولة : القوة النابعة من الحب دائمة ومؤثرة آلاف المرات أكثر من الخوف النابع من العقاب .. وكان يرسل بالرسائل المتتابعة إلى شعبه متسائلا : ما الذي سيأتي به الدمار الجنوني من أجل الموتى أو الذين بلا مأوي واليتامى الذين فقدوا عائلهم تحت اسم الحرية والديمقراطية ؟! .. اقتنع الناس بفكرة المقاومة السلمية وبدأ غاندي يناضل على كل الجبهات .. في الداخل قاد المظاهرات التي قابلت رصاص جنود الاحتلال البريطاني بصدور عارية .. أما " مسيرة الملح " الشهيرة فكانت سببا رئيسا لأن تفهم بريطانيا أنها أمام نهج جديد من المقاومة قد يفقدها سبب احتلالها للهند من أساسه .. كانت صناعة الملح واستخراجه ثم التجارة فيه مقصورة على الإنجليز .. فذهب بمسيرته إلى البحر كي يستخرجوا منه الملح بتجفيف برك المياه المالحة .. أما في الخارج فسافر كثيرا لشرح قضية بلاده .. حتى في مجلس العموم البريطاني ذاته ..
الهند كانت أكبر المستعمرات البريطانية على الإطلاق .. وإذا كانت بريطانيا قد تشبثت باحتلالها لمصر وتمركز جنودها في منطقة القنال تحديدا إنما كان ذلك لتأمين الخط الملاحي التجاري بينها وبين الهند من أجل حماية تجارتها .. من ذلك ندرك مدى أهمية الهند بالنسبة إلى بريطانيا ذلك الوقت .. لكن هذا النوع الجديد من المقاومة الذي لم يألفه الانجليز فقد زرع في نفوسهم اليأس وأدركوا أن أيامهم في الهند باتت معدودة ..
عاش غاندي متواضعا في مجتمع يعيش على الاكتفاء الذاتي وارتدى الدوتي والشال الهنديين التقليديين والذين كان ينسجهما بنفسه يدوياً بالغزل على آلة " الشاركا " .. كان يأكل طعاماً نباتياً بسيطاً ويقوم بالصيام لفترات طويلة كوسيلة للتنقية الذاتية وكنوع من الاحتجاج الاجتماعي .. أما صومه واعتكافه هذا فكانا يسببان قلقا بالغا لانجلترا في أوج قوتها وجبروتها ! ..
من أقواله الشهيرة : يجب أن يعيش الأغنياء ببساطة أكثر حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا .. أيضا : لا يصبح الخطأ على وجه الحق بسبب كثرة الانتشار .. ولا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا أحد يراها ..
حياته كلها دروس وعبر .. خصوصا لمن أراد أن يعرف ويتعلم أن هناك طرقا أخرى للتعامل غير القتل وسفك الدماء .. حتى مع ألد الأعداء ! ..