
















اهلا- فلسطينيون ما كتبه الروائي مروان عبد العال مسؤول ساحة لبنان وعضو المكتب السياسي للج. ب. هة الشع. ب. ية عن كتابي نوسترادموس يتنبأ بالدولة الفلسطينية
في رثاء اميل حبيبي، استهل محمود درويش المرثية بمناداته: "أيها الساحر الساخر من كل شيء... في كل واحد منا واحد منك!". لم التق الكاتب اسماعيل رمضان، ولكني أشعر بأني أعرفه، لا فقط من قراءة أعماله ومنشوراته الأدبية والسياسية ولا فقط من متابعته كأسير يساري ناضل من أجل تحرير أرضهِ وتحرر شعبه، بل أيضاً لأني تلمست فيه ذلك السحر الفلسطيني الساخر المستوحى من واقعنا وفواجعنا في نصوص تتمتع بقدرة لغوية وتعبيرية جريئة، وتعبر بصدق عن ذروة آلامنا وأحزاننا ومآسينا، ومسقاة بحس نقدي عميق وثقافة عالية نابضة بروح متمردة رافضة ومقا. ومة تتخطى القيود وتقفز فوق العقبات وتفتح أبواب السخرية السياسية على مصاريعها.
غني عن القول ان السخرية يتقنها القلة من الأدباء، من الجاحظ والهمذاني وجرير والفرزدق والأخطل وأبي نواس إلى عباس محمود العقّاد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد رضا حوحو وبيرم التونسي، وصولا إلى اميل حبيبي ومحمد الماغوط وشريف الراس وغسان كنفاني وحفني ناصف ومحمود غنيم وسيد الملاح وصلاح جاهين وأحمد مطر.. وغيرهم. واهتم بها فلاسفة بارزون أمثال أفلاطون وأرسطو وكانط وشوبنهور وهوبز وبرجسون، وأدباء أمثال وبودلير وجورج إليوت وإمبرتو أيكو، وحاول عالم النفس فرويد سبر أبعاد السخرية السيكولوجية، كما اهتم بها نقاد الأدب ومن بينهم ميخائيل باختين. فالسخرية، كما يقول غسان كنفاني، "ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعاً خاصاً من التحليل العميق". هي فن يتحول فيه الضحك من تعبير جسمي فسيولوجي إلى أداة نقدية للواقع: تتحايل على مفارقاته وتبرز تناقضات قيمه، تكسر هيبة النظم الظالمة وسياساتها المستبدة، وتعكس تمثلات المعارضة والمكافحة في ممارسة حق التعبير الحر عن الرأي. ما سيلي من نصوص يتضمن نقد لممارسات الاحتلال وفساد السلطة، قوانين الأسرة ورداءة التعليم، الانغلاق الاجتماعي والتشدد الفكري، كما الفقر وسياسات انفتاح الطغمة بمعناها "الساداتي"،.. وغيرها من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا الفلسطينية في قالب فني راقي وواعي وناقد ضمن خصائص وتقنيات بلاغية مختلفة لما يصفه الروائيّ الجزائريّ ياسمينة خضرة بـ "مكر الكلمات".
لا تقع هذه النصوص في مصيدة التهريج والسخرية ولا في سياسة "الإسفنجة" و"فشة الخلق" الموجهة لامتصاص الاحتقان الشعبي، ولا تسقط في فخ العبثية. من "يهوذا إلاسخريوطي يطالب بالتعويض او الى "ابو الطيب المتنبي يطلب اللجوء السياسي و كما يظهر في عنوان الكتاب "نوسترداموس يتنبأ بالدولة الفلسطينية". هذه النصوص هي وليدة النكبات والنكسات، صقلتها سنون الأسر والقهر والوجع، تحكي لغة عامة الناس وتسمع فيها رنين ابتساماتهم المبللة بالدموع، ولكنها وبحسها النضالي الوفير والثقافي العالي والفلسفي العميق تنتج فاعليتها من أداة تعبير إلى أداة تغيير. نري فيها جرأة في التعامل مع اللغة والتلاعب بالكلمات بحيث تتغير مدلولاتها وتستبدل معانيها، كما اختلاق لمضامين مصطلحية مثيرة في دلالات تعبيرية صياغية وتركيبية. نغوص معها عميقاً في أغوار النفس الفلسطينية التي تقارع وقائع حياة تحت احتلال، ونكتشف ما يدور في سريرتها من تأملات وآمال وأحزان وتحولات جذرية في حياتها، وندرك أوجه التناقض في واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. نضحك لقوة ذكاء وخفة روح وسرعة بديهة شعبنا تحت وطأة التجربة المعاصرة التي حاقت بنا، ومن دون أن تنسينا هذه النصوص أسباب المأساة وشروطها وافرازاتها فتتردد في ضحكاتنا آهة الحناجر المذبوحة وصرخة الأعماق الغاضبة.. انها الضحكة المرة المستعلية على العذابات والصعوبات والأحزان والمليئة حد الامتلاك الكامل للأمل في خلق الحرية والانتصار. انها فلسفة البهجة لأعمق الكائنات ألما وتعاسة وشقاء وأكثرهم انشراحا وبشاشة وما يعطي الهوية الفلسطينية القوة والحيوية والقدرة على البقاء والحلم والاستمرار.
يعود بنا اسماعيل رمضان إلى فارس فارس وأبو العز أسماء غسان كنفاني المستعارة . هذا الأدب المقاوم الذي علمنا أن الحس السياسي هو الفطرة التي تؤسس للوعي المنضبط لقاعدة التناقض الرئيسي مع العدو، وما تفعله الحساسية السياسية التي تحول السياسة إلى حنكة وفهلوة وشعاراتية وكلمات عرجاء تنهك القيم واللغة.. هذا الأدب الذي يدرك أن لا حياة بدون ماء ولا سياسة من دون ثقافة، الذي يضع الخيال السياسي في قلب علم الاجتماع الملموس وليس في الدراسات الأدبية والنصوص المجردة.. هذا الأدب الدي يفهم حياة الشعب الذي ينطق باسمه، يسبر أغوار روحه العميقة والبعيدة، وطرق تفكيرها وأساليبها وأنماطها التعبيرية. كم نحن بحاجة هذا الأدب كفسحة نتأمل فيها تجربتنا، ندون عليها مآسينا.. كبعد جمالي لهويتنا ولنشيدنا الملحمي.. الأدب كقضية الانسان. هذا الأدب لا ينتجه إلا أديب ذو أصالة ذاتية وموضوعية وقدرة على اصطياد العلاقة بين الخاص والعام، الواقع مع الماضي واستقراء التجربة والتاريخ لتبيان عمق الصراع، مفهومه ومستقبله في بنيان معرفي للتاريخ، للذات وللآخر. هذا الكتاب من هذا الأدب ينتجه لنا أديب واعي ثوري متشابك قادر أن يتتبع الأثر ويجدد في شكل أدبي مميز قادر أن يحمل معاني هذه الأحداث والأبعاد.