اهلا - الياس رفيق خوري

أخرج لي الفيسبوك من "كَنانته" هذه الخارطة التي نشرتها على صفحتي قبل 5 سنوات مع تعليق طويل عريض عليها وتساؤلات حول "برج مصر" الذي بات أهل "فسوطه" يعرفونه "بالبرج" في العصر الحديث.
نظرت خمس دقائق الى هذه الخارطة التي تضم العديد من القرى الجليلية التي نعرفها جيداً ، منتبهاً الى العديد من الأسماء الأخرى (مثل الراهب وعكبره وفانس) التي كان جميع سكّان فسوطه يعرفونها قبل أن تقول لنا "خارطة غوغل" أن "وادي عزايم" اسمه الحديث (جداً آخر طبعة) "ناحَل بيرانيت" بينما "نبعة ام طمرون" التي طالما أطفأت ظمأنا واغتسلنا وسبحنا في "غديرها" أيام الصبا والشباب المبكّر قد أضحى اسمها "عين تَمير" و"الحبِل عالجرّار" - كما يقول مثلنا -.
نظرت إذاً الى هذه الاسماء واستوقفني اسم "معليا" الصليبي Chastiau dou Rei أو Chateau du Roi (شاتو دو روا) بالفرنسية الحديثة.
لم يحيّرني اسم "شاتو دو روا" (قصر الملك بالفرنسية) بقدر ما حيّرني اسم "معليا" نفسه. من أين أتى هذا الإسم؟ ومنذ متى بدأ الناس باستعماله؟
لم أفتّش كثيراً، فهل بين الأصدقاء هنا من يعرف من أين جاء اسم "معليا"؟ وماذا يعني بالضبط؟ ومتى تمّ استعماله مكان "قصر الملك أو قلعة الملك"؟
أمر آخر يتعلق بمعليا، فأنت لو "غوغلت" الإسم فلسوف تجد من يقول لك بأن عائلات مسلمة كانت تسكن في "معليا" حتى عصر "ظاهر العمر الزيداني" (النصف الثاني من القرن الثامن عشر) حيث انتقلت هذه العائلات الى "ترشيحا" وحلّ مكانها عائلات "مسيحية" جاءت من "لبنان وسوريا". "طيّب ليش"؟
طبعاً، نحن بحاجة للتنقيب في تاريخ عصر "الزيادنة" في الجليل كي نظفر بسبب يستطيع شرح هذا "التبادل السكّاني". فمعلوماتي حتى الآن تقول تؤكّد لجوء الكثير من "مسيحيي لبنان وسوريا" الى مناطق حكم "ظاهر العمر" لأسباب ليس هذا مجالها الآن، ولكن هذا "التبادل السكاني" لم أره قبل الآن.
سؤال آخر يستتبع هذه التساؤلات: ماذا مع "ترشيحا" العريقة القديمة التى تعود أيضاً الى العصر الصليبي أو ما قبله؟ ومَن كان يسكنها قبل مجيء العائلات المسلمة من "معليا" إليها؟ ثمّ ماذا مع "مسيحيي ترشيحا"؟ ما هي أصولهم ومن أين أتوا بالتحديد وفي أي زمن؟
طبعاً، أنا متنبّه بأنني أتساءل أسئلة قد تكون أجوبتها معروفة لأبناء "معليا وترشيحا" ولكني بصدق لا أعرف إجاباتها. هنا، قد يقول القاريء لماذا لا تذهب و"تنبش" وتحقق؟ وأقول للقاريء العزيز بأنني سوف أفعل في هذه الأيام، ولكني أطمع بكرم بعض الأصدقاء هنا، إن كانوا ممن يهتمون بهذه "المعارف التاريخية"، أن يمدّوني بمصدر أو مرجع أم معلومة أستطيع من خلال أن أمسك "بطرف الخيط" كي أبلّ صدأي وأنقع غُلّتي!
-------
إسم آخر لا يقل أهميّة عندي، انتبهت له صدفة هنا، وكنت قد اعتنيت به وتساءلت حوله منذ فترة طويلة هو اسم "قاسي" (بجانب فازوف التي أصبحت فسوطه).
"قاسي" الصليبية إذاً هي القرية التي بتنا نعرفها بعد ذلك باسم "دير القاسي"، وهي التي تسميها بعض المصادر في القرن التاسع عشر باسمين: "الدير والقاسي"، وهي ما ذهبت يوماً كي أفترض أنها من الممكن أن تكون عبارة عن "قريتين" اتحدّتا جغرافياً خلال القرن التاسع عشر. ما بعرف ... ولكني سوف أواصل "البحبشة والتنبيش" 🙂 ....
----
أخيراً، أكتب هذه الكلمات وأنا أقول لنفسي: ولك يا زلمه مين فاضي لك وفاضي لتساؤلاتك و"بحبشاتك وتنبيشاتك" في هذه الظروف الأليمة التي يمّر بها العالم وفي هذا الدمار للجميلة "أوكرانيا" التي يتم حرقها بالنار وتشريد سكّانها لأنها كرهت زوجها الصلب الشرس ولحقت بعشيقها الجميل المراوغ؟
صحيح، ما في حدا فاضي، ولكن حتى الجندي في الخندق قد يأخذ خمس دقائق يغسل بها وجهه ويحلق ذقنه ويتصوّر "سيلفي" ويرسلها "واتس آب" إلى عائلته ... يللا، تعالوا ناخذ "سيلفي" ونتساءل: من أين جاء اسم "معليا" وماذا يعني؟ ومنذ متى سكن المسيحيون في "ترشيحا"؟ وهل هناك مصادر مكتوبة تجيب على هذه الأسئلة؟ وما هي؟

أولّ أمس كنت في مكتبة التاريخ في الجامعة، ورأيت صدفة أطلساً يتأبّط بعض الخرائط التاريخية، منها هذه الخارطة التي تحمل الصورة المرفقة أدناه جزءاً منها، والتي تمثّل منطقتنا في ايّام الصليبيين.
من الواضح أن "الصليبيين" اهتمّوا جداً بمنطقة "وادي القرن" ومحيطها، بل اني لا أعرف حقبة في تاريخ فلسطين الطويل كانت هذه المنطقة فيها موضع اهتمام مثل هذه الحقبة. والدليل على هذا واضح في الصورة؛ فهو يتمثّل بعدد القرى والدساكر التي تحيط بالوادي، ومنها قريتي - فسوطه - وما حولها.
كان اسم "فسوطه" وقتها "فازوف" - كما هو ظاهر -، وهذه معلومة يعرفها كل من مرّ بكتاب الأساتذة "رفيق نجار وشكري عرّاف" عن فسوطه. ولكن ما لفت انتباهي أكثر هو أسماء الأمكنة المجاورة والتي ما زال أهالي "فسوطه" يستعملونها حتى اليوم، أعني بهذا:
Fennes, Cassie. Roeis. Accabara. .
أسماء "خلّة فانس" و"عكبره" و"الرويسه" و"دير القاسي" بالإضافة إلى ترشيحا وسحماتا وإقرث وغيرها تعود إلى مئات السنين، ولكني افتقدت اسم "معليا" الذي نجد مكانه "شاتيو دي ري"، فمعليا كانت في ذلك العهد "قصر الملك".
طبعاً، هذه المعلومات ليست جديدة كل الجدّة، ولعلّ منكم مَن قد رآها في غير موضع. بل اني رأيت مرّة مقالاً ضاع مني عن الضياع والدساكر أيام الصليبيين، يضيف إلى هذه الأسماء أسماءً أخرى نعرفها أيضاً كانت موجودة في العصر الصليبي مثل: ططرامي، أزامل، إيبريا وغيرها.
رغم معلوماتي (المنقوصة طبعاً) فإنني فوجئت بهذه الخارطة وفرحت بها ونقلتني الأسماء إلى عالم آخر. ثم فوجئت بأن الخارطة تنتبه إلى "برج مصر" الذي ما تزال حجارته موجودة على الكتف الشرقي "لوادي القرن" (إلى الغرب من فسوطه)، والذي عرفه "العبدلله" باسم "البرج" دون ذكر "لمصر"، وتمدد على حجارته الرمادية الملساء طويلاً في سويعات الغروب، عندما كان يهرب من "رفيق راغب" (أبي) الذي كان يزرع أرضه بجانب "البرج" كي "يدخّن بالسرقه" 🙂 ...
ولكن لماذا "برج مصر"؟ عن جد، لماذا هذه النسبة إلى "مصر" منذ ما قبل أيام الصليبيين إلى اليوم؟ لا أعرف، ولكن هناك معلومة رسخت في ذهني يذكرها المؤرخ الفرنسي "غيرين" عندما زار منطقتنا وتفحصّ حجارة البرج في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فهذا المؤرخ وعالم الآثار يقول بأن "حجارة برج مصر" هي حجارة قديمة جداً وأقدم بمئات (وربما آلاف) السنين من العصر الصليبي في بلادنا، فهل يكون "المصريون القدماء" (الفراعنة) هم من بنوا هذا البرج في الزمن القديم؟ لا أدري طبعاً، ولكن هي أمورخطرت لي وأنا أرى "الخارطة" المرفقة أدناه، وأردت مقاسمتكم اياها ...
طابت ليلتكم ....