اهلا - خزائن في مثل هذه الأيام قبل 300 عام، مطلع أيار من عام 1703 تجمع ولأول في ساحة الحرم الشريف في القدس علماء المدينة وأشرافها، كان يومها عدد سكان القدس قليلاً (وفق السجلات العثمانية كان عددهم عام 1554 حوالي 16 ألف وكان عدد كل سكان فلسطين حوالي 300 ألف) كان هدف اجتماع علماء القدس هو وضع حدٍ لتعديات الدولة العثمانية وواليها في الشام "كرد بيرام محمد باشا" والذي حاول ارهاق أهل المدينة بالضرائب واستخدام أبنائها في الجيش، ولأجل زرع الخوف في قلوب أهل القدس استحضر الوالي 11 جمجمة لشهداء فلسطينيين وعلقهم على أسوار القدس كاشارة لمصير من يعارضه، على أثر تجمع المقدسيين في الحرم اتخذ القرار بالتمرد والثورة، ثورة ستكون عارمة سيهاجم خلالها المقدسيون المحكمة الشرعية، منزل الحاكم الشرعي، معتقلات القدس وسجونها.
في مثل هذا اليوم تماماً من أيار عام 1703 سيطر المقدسيون على القدس وعينوا نقيب الأشراف محمد بن مصطفى الوفائي الحسيني شيخاً على المدينة، لأكثر من سنتين حاول ولاة الشام العثمانيين اعادة سيطرتهم على المدينة وفشلوا حيث أدار أهل القدس مدينتهم، كان مشايخ الحارات يديرون أمورها الاجتماعية فيما كان هناك مسؤولين عن تيسير الأمور الاقتصادية والتواصل مع الفلاحين والبدو خارج أسوار المدينة فيما أخذ رجال الانكشارية وعساكر السباهية يحرسون المدينة، لكي يحمي أهل القدس بعضهم من الفتنة وقعوا على معاهدة "الدفاع المشترك" متفقين على أن يكونوا جميعاً على كلمة واحدة في دفع الضرر وفي دفع الظلم.
رابطت قوات العثمانيين لأشهر طويلة في وادي الجوز وجبل المشارف وناور الثوار داخل المدينة حتى ضاق عليهم، وانتهت الثورة بمقتل نقيب الأشراف، وبغض النظر عن النتائج لكن ثورة المقدسيين لا تزال حدثاً مدهشاً للكثير من المؤرخين كأول ثورة محلية من هذا النوع في تاريخ المشرق العربي في العصر الحديث، وإن لم تنجح تماماً لكنها فرضت على العثمانيين أن يستمعوا للصوت المقدسي والفلسطيني المحلي وللقيادات داخل البلدة القديمة، وكان خير من عرف هذا الأمر وتعلمه هو ظاهر العمر الزيادني والذي سيصنع تاريخاً آخر بعدها بسنين.
(الصورة لسور القدس في الشتاء، أوائل القرن العشرين. مجموعة ماتسون، أرشيف مكتبة الكونغرس)