اهلا - د. ذيب داود

النوم العميق، الأيض الدقيق
هكذا تعيدوا ضبط توازن الأنسولين والجلوكوز لديكم
مقدمة: النوم كأساس للمرونة الأيضية والمعرفية
بصفتي طبيب غدد صماء متخصص في مقاومة الأنسولين وعمل الأنسولين في أنسجة الجسم المختلفة، أرى يوميًا أفراد يبحثون عن حلول غذائية أو دوائية دون أن يدركوا العلاقة التي لا يمكن تجاهلها بين النوم عالي الجودة والصحة الأيضية الشاملة.
بالنسبة للجمهور الباحث عن المعرفة، الذي يرغب في تبني نمط حياة استباقي وتعظيم مدى حياته الصحية (Healthspan)، فإن النوم ليس مجرد راحة سلبية – بل هو "مناوبة صيانة" ليلية ضرورية تُنشط آليات هرمونية وعصبية حرجة.
في الليل، بينما نحن نائمون، يقوم الجسم بنشاط مكثف هدفه الترميم والتنظيف وإعادة التشغيل (Reboot) لأنظمتنا استعدادًا لليوم التالي. هذا الليل هو في الواقع "نافذة أيضية" تحدث فيها تغييرات صمّاوية (غُدديّـة) تؤثر مباشرة على تجاوب أنسجتنا للأنسولين، وعلى توازن الجلوكوز، وعلى المتانة الدماغي معرفية.
الفصل الأول: إصلاح التلف وتجديد الأنسجة (00:00 - 02:00)
تتم الصيانة المركزية في مرحلة النوم العميق، التي تتركز عادة بين منتصف الليل والثانية صباحًا. هذا هو الوقت الذي يُفرز فيه هرمون رئيسي: هرمون النمو (GH - Growth Hormone).
1. بناء العضلات وهرمون النمو: لدى البالغين، يقتصر دور هرمون النمو على صيانة وبناء الكتلة العضلية. العضلة هي عضو صمّاوي (غُدديّ) قوي جدًا، وصحتها حيوية للتحكم في الجلوكوز وانخفاض مقاومة الأنسولين. يؤدي فقدان ساعتين من النوم العميق، أو النوم المتقطع في هذه النافذة، إلى الإضرار الشديد بإفراز هرمون النمو ويؤدي حتمًا إلى انخفاض تدريجي في الكتلة العضلية – وهي حالة تُعرف باسم الساركوبينيا (Sarcopenia)، التي تسرّع الشيخوخة الأيضية.
2. التخلص من النفايات الأيضية: يستغل جهاز المناعة ساعات النوم لتنظيف الخلايا الميتة، وشظايا الجزيئات، والنفايات الأيضية، مما يُعِدّ العضلات والمفاصل ليوم جديد.

الفصل الثاني: صحة الدماغ، النفس، والإدراك
الدماغ، "الحاسوب الفائق" للجسم، لا يستريح ليلًا. إنه يحتاج إلى عملية "إعادة تشغيل" (Reboot) دقيقة:
1. جهاز التنظيف اللمفي الدماغي (Glymphatic System): أثناء النوم، يحدث تنظيف مكثف للدماغ. يقوم السائل الدماغي الشوكي (CSF) بنقل النفايات العصبية خارج الجهاز. إن التمدد في الصباح (على غرار ما تفعله القطط) هو آلية طبيعية تحرك هذا السائل، وتضمن إزالة نشطة لمخلفات جهاز العصب، وتحافظ على قدرات إدراك حاد وذاكرة سليمة.
2. صحة الجهاز الهضمي: يقوم الجهاز الهضمي بإجراء "تنظيف شامل" يُسمى مركب الانقباضات المهاجرة (MMC - Migrating Motor Complex)، الذي يحدث تلقائيًا كل ساعة ونصف. تنظف هذه الآلية تجويف الأمعاء من بقايا ما مر عبره، وتمنع تراكم البكتيريا الضارة، وهو أمر مهم ليس فقط لصحة الجهاز الهضمي ولكن أيضًا لمحور الأمعاء-الدماغ.
التبعات الغُدديّة للنوم المضطرب: الالتهاب، الأنسولين، والدهون
كل اضطراب في النوم المتواصل، وخاصة في مرحلة النوم العميق، يشكل عامل خطر مباشر لاضطرابات التمثيل الغذائي (الأيض):
• تضرر التجاوب للأنسولين: يسبب النوم المتقطع ارتفاعًا في مستويات هرمونات التوتر (الكورتيزول)، مما يؤدي إلى مقاومة الأنسولين – وهي حالة لا تستجيب فيها خلايا الجسم بفعالية للأنسولين. نتيجة لذلك، يظل الجلوكوز في الدم مرتفعًا، ويُدفع الجسم نحو مرحلة ما قبل السكري وتراكم دهون الكبد.
• السمنة وعدم تكسير الدهون: يحرم النوم المضطرب الجسم من "نافذة تكسير الدهون" الليلية، مما يساهم في زيادة تخزين الدهون، خاصة الدهون الحشوية (الدهون البطنية - Visceral Fat وحول القلب)، مما يعزز دوّامة مقاومة الأنسولين.
قواعد "إعادة التشغيل" الأيضية الليلية: نصائح الخبراء
لتوفير ظروف مُثلى للجسم للصيانة والحفاظ على توازن إنسولين سليم، من المهم تبني "نظافة نوم صمّاويّة (غُدديّـة)":

مُلحق "المواد الخام" للعضلة الصمّاوية (Endocrine Muscle)
لضمان نجاح الجسم في إصلاح العضلة على أفضل وجه ممكن، علينا توفير الخامات المطلوبة:
• پروتينات وحِمض ليوسين (Leucine) الأميني: ضرورية لبناء العضلات (بيض، ريكوتا (قَريشة)، بقوليات، لحوم).
• فيتامين D: ضروري للحفاظ على الكتلة العضلية ونشاط جهاز المناعة.
• ؤميغا 3 (EPA/DHA): مهم لصحة القلب، والدماغ، وتقليل الالتهابات. يوصى بتناوله من مصادر مثل سردين، ماكريل، أو سلمون برّي (بسبب النقص في أوميغا 3 في السلمون المُستزرع).
• كرياتين (Creatine): يُنصح به بشكل خاص للبالغين فوق سن 50-60 للحفاظ على الكتلة العضلية ودعم الطاقة في الدماغ.
• زيت زيتون بكر ممتاز، المعصور دون تسخين (ع البارد): يحتوي على پوليفينولات تحسن آلية الطاقة الخلوية.
الخلاصة: عضلةٌ عافية = أيض صحّي
تذكروا،
عضلتكم ليست مجرد أداة ميكانيكية – بل هي عضو صَمّاوي حيوي ينتج هرمونات تحمي الجسم. النوم العميق، جنبًا إلى جنب مع توفير مواد خام صحيحة، يضمن:
• إبطاء التّشيُّخ - عمليات الشيخوخة.
• تقليل مقاومة الأنسولين.
• إدارة مثالية لتوازن الجلوكوز.
• الوقاية من تصلب الشرايين وأمراض القلب.
استثمر في نومك اليوم، من أجل طول عمر صحي وأيض دقيق غدًا.
التوليفة العلاجية من دكتور داود تضمن لك
الحالة المثلى لإحراز التوازن الصحي الغذائي والنفسي

دكتور ذيب داود
أخصائي الغدد الصُم، السُكري والسمنة
أخصائي طب الباطن
نائب مدير ومدير بالوكالة، سابقاً
معهد الغدد الصُم، ومركز التميز في السُكّري والسُمْنة
رمبم- حيفا
له اهتمام خاص بآليات الغلوكُز والإنسُلين، واضطراباتها في السّمنة وسكّر نمط 2، الكبد الدهني، تصلب الشرايين القلبية والدماغية والكلوية والمبايض المّتكيّسة. اضطرابات الغدة الدرقية، و مُضاعفات جراحة تخسيس الوزن Bariatric surgery.
رئيس مؤتمر رمبام للصحة والطب الديجيتالي 2021-2016
حائز على جائزة أفضل بوستر سريري مؤتمر جمعية الغدد الصماء الإسرائيلية 2011.
له مقالات طبية عديدة وأبحاث عن الصحة البشرية في مجال تخصّصاته.