اهلا عقار السلام في غزة الكلام عن “سلام غزة” صحيح وكانت إسرائيل قد خسرت منذ 7 تشرين الأول 2023 النصف الثاني من سرديّتها الكيانية القائمة على فرضيّة دامت طويلًا، وهي أنّها “بلد آمن ليهود العالم”، فأثبتت الأيّام أنّها كالدول المحيطة بها: تقصف وتُقصف، تقتل وتُقتل، ويختبئ سكّانها في الملاجئ منتظرين فرصة للهجرة منها. “حماس” وصلت إلى الرمق الأخير. صار همّها وقف الحرب لتحتفظ بما تبقّى من بنيتها العسكريّة والتنظيميّة، عسى أن تخدمها الظروف الآتية لتراكم مجددًا عوامل قوّة فتستعيد حكمها الضائع. هذه النقطة تحديدًا — حاجة الطرفين إلى “فسحة وقت” — أتاحت للخبير العقاري فرصة خوض غمار تجربة “عقارات السلام” في منطقة غنيّة بالثروات كما بالعداوات، تمثّل أرضًا نموذجيّة لـ”جائزة نوبل”: من ديناميتٍ يفجّر الجدران إلى سلامٍ يؤسّس لجدران جديدة. “عقار السلام” في غزة قد لا تثبت جدواه، أو قد لا يستقيم وفق المخطّط الأوّلي للمهندس العقاري، فلا يكون أهلًا للتعميم في “شرق أوسط جديد” يشهد قيام “مجمّع السلام الإقليمي”. وأصلًا، تعبت هذه المنطقة المسكونة باليأس العتيق من وعود الغد الأفضل. ويبدو أنّ “خطة ترامب” قد راعت فقط بناء الملجأ لهذا العقار، حيث يرتاح الطرفان: إسرائيل تستعيد أسراها الأحياء والموتى، و”حماس” تحتفظ ببقايا رهانٍ على استعادة القوّة والدور. أمّا بقيّة البناء فمتروكةٌ لشياطين الأعمدة والجدران.
شرُّ البليّة ما يُفجِع
بدأنا بـ”طوفان الأقصى” الذي فاض موتًا فلسطينيًا، ووصلنا إلى “طوفان ترامب” الذي فاض مؤتمرًا دوليًا في شرم الشيخ لتثبيت اتفاق وقف النار في غزة، والانطلاق منه للتبشير بـ”فجر جديد” لـ”شرق أوسط جديد” يبزغ كلّما تمّ التوقيع على اتفاق بين طرفين متقاتلين، ثمّ يتلاشى وسط دخان اقتتال جديد. وهكذا، في عقود قليلة، سمعنا وانتظرنا أكثر من “شرق أوسط جديد” من دون جدوى.
إسرائيل أدركت أن “طوفان القتل” الذي مارسته طوال عامين بدأ يقلب الرأي العام العالمي ضدّها، بعدما تمتّعت طويلًا بامتياز التعاطف معها باعتبارها “ضحية” في سردية مظلوميّة “المحرقة النازية”، فانطلقت تظاهرات حاشدة في دول كثيرة ضدّ “محرقة غزة”.