
















اهلا حنينُ شاعر عبري إلى المغرب العربي
الشاعر المغربي الجذور: إيرز بيطون نمر نمر
في وقفة عيد الغفران عند الشّعب العبري، تنفرد الصحف العبرية بملحقات أدبيّة خاصة لمختلف الكتّاب والشّعراء المحلّيّين والأجانب، وهذا إثراء وإغراء للقرّاء، من بين ما لفت انتباهنا في هذا المجال، بعض ما جاء في صحيفة: يديعوت أحرونوت 1 /10 /2025، مقالات لكلّ من الرئيس السابق روبي ريفلين (أبوهُ الرّاحل يوسف ترجم القرآن الكريم إلى العبريّة عام 1935)، المطربة يرديتة أرازي، ألرّوائيّة دوريت ربيتيان، الفنّانة تصيفي شبيط، الشاعر روني سوميك وغيرهم الكثير، لفتَ انتباهنا ثلاث قصائد للشاعر المغربي الجذور: ايرز بيطون، كأنّه يخاطبنا نحن أبناء الضّاد بشكل خاصّ ومتعمّد، اثنتان من القصائد تحملان أسمَي مسقط رأس والدَيه في مراكش، والثّالثة يتحدّث بها عن مقبرة اليهود الفديمة هناك، وقبل التّعريج على هذه القصائد، لا بُد من التعرّف على بعض ملامح هويّته:
وُلد في مدينة وهران الجزائريّة لأبوَيْن مغربيّيَن عام 1942 وكان اسمه(يعيش) قَدِم إلى البلاد مع أسْرته عام 1949، يحمل اللقب الجامعي الثّاني في علم النّفس التأهيلي، أصدر مجموعة من الكتب بين نثر وشعر، كما أصدر المنبر الأدبي: فصليّة أفيريون الهودج/ بساط الرّيح بالعبريّة، حصل على عدّة جوائز أدبيّة، له نشاط أدبي، ثقافي واجتماعي، رغم إعاقته البصريّة.
-بلدة تمنوكجالات/ زاكورة/ تزكارات/ تزاكورات، مسقط رأس أبيه، لعلّ الاسمَاء تذكّرنا بأصلها العربي: ذاكورة، تذكارات، تذاكّرات من الجذر العربي :(ذ ك ر).
-بلدة محاميد الغزلان، مسقط رأس والدته في الصّحراء الغربيّة، والبلدان موقعان سياحيّان هناك، ولأن اللغة العبريّة بحروفها لا تَتّسع لاستيعاب المفردات العربيّة لفظاً، يتغيّر اللفظ.
بعد هذه المقدّمة ننتقل إلى النَّصّ:
1)قصيدة تمنوجالات/ تذكارات
هذه هي مسقط رأس أبي، جنوب شرق جبال الأطلس:
أصِلُ إلى القصبة وسط واحة نخيل/إلى البيوت المُصانة التي كانت مرّة تَعِجُّ بالحياة/ تَمَنوجالات/ قَلْعةُ لَبِنٍ جنوب مرّاكش/في الطّريق إلى جبال الأطلس/ تمنوجالات/ اسم كان لي كلمة سِرٍ ضبابيّة/ تدور حولي بلا رابطة بين واقع وخيال/ أبي أجابني بصعوبة على سؤال: أين وُلِدتَ وأين سكنتَ/ والآن أتا في قب واحة الصّحراء/ ألامِسُ ولا ألامس حقول البيت/ أقِفُ فِبالة الثُّلْمة الخاوية/ مَلابِنُ خاليةٌ من العضّادات/ هنا كانت ذات مرّة عضادة/ هنا كان مَلْبَنٌ حَيٌّ/ الآن/ كَمُقْلَتَيْنِ غريبتَين/ لكن ما زالت العينان مفتوحتَين للعالَم/ انتظارٌ خجول/ للصّرير الجميل المُندفع من عَتَبة الباب/ ضّيوف يدخلون ويخرجون/ يداعبون عضادة بأناملَ مُخْمليّةٍ/ عضادات كانت قلوباً نابضة/ دليلاً لأفراح صغيرة/ برؤية الملامسين بقلب طافح/ والآن ما تبقّى لمداعبة الفراغ/ أن تَمُدّ الأنامِلَ إلى الملابِن اليتيمة/ مِن لمسة أصابعَ كانت تُقَبّل حيناً مدخلاً للمحبّة/ لعناقات كبرى/ لرجال دخلوا وخرجوا/ والآن كَنُدَبٍ صُغرى/ كصرخات كُبرى/ وبيوت اليهود بقيتْ خاوية/ ومهجورة لأنّ أبناء القبائل يخشَوْنَ خوفَ أرواحِ الآباء/ اللذين سكنوا هنا مئات وألاف السّنين/ والمرشد يُصمّم/ هُنا الكنيس يقف ثابتاً/ فضاءٌ مُربّعٌ خاوٍ/ وفي مركزه صندوق لَبِنٍ أحمرَ/ وكذلك المقبرة اليهوديّة/ مجاورة للقصبة/ بِلا لَحْدات/ فقط فخّارٌ متناثرٌ/ على المساحة المُسَيّجة.
2) مْحاميد الغزلان
مسقط رأس أمّي، على حدود الصّحراء.
في بيوت الطّين المتناثرة/ أبْحَثُ عن دلالات لليهود/ وُجْهتي إلى الأوائل/ قِبال حائط هاوِ عارِ/ هنا يهود قُدامى/ شَقّوا طريقاً آنِيّاً بهدوء لا مُتناهٍ/ يوم سبت بعد الظُّهر/ يهود سُكّان/ لعبوا بالجوز والتّمور/ اسْتظهروا فقرات من الماضي/ وتَبّلوا العربيّة باليهوديّة/ مِن أين وصلوا إلى هنا/ لِأطراف البيداء/ الآن كماء راكد/ قّدِموا على دفعات/ أناس رُحَّل/ ألى البيوت المهجورة/ هنا في البيت المُتآكِل/ في هذا الدّور كان القِران/ خَزَن اليهود تيناً وتُموراً/ خوابِيَ زيت/ استعداداً للشتاء القادم/ والمرشد العربي/ مُتَأكِّدٌ من الأسماء المُتَلَعْثِمة/ هنا عاشوا/ رُبّما عائلة ييرتص/ ولعلّ عائلة مخلوف/ رُبما عائلة بن حامو/ الآن يسكن هنا أناس مُتنقّلون اجتازوا فيافي الصّحراء/ وأنا ألاطف شَعرًاً أجعدَ لرأس ولد/ يقولون لي بأنّه ولدٌ من أفريقيا/ وأنا أمْسِكُ بقايا بقايا/ وما بعد بيوت الطّين/ أسلاك كهرباء جديدة/ وما وراءها/ مقبرة خالية من الشّواهد/ أحجار مكسورة فقط/ دلائل/ ليهود كانوا هنا/ في ذُعْر غير منقطع/ حَقّاً هنا اختزنتْ أمّي زاداً/ وروائحَ لتحلية حياتها/ امرأة كلّ حياتها تتعلّق بِسحر الطّفولة/ كُلّ مساء طبخ نقلتْ لنا/ رائحة المواقد/ رائحة الجَمر في كانون الطّين/ صوتُها يتناقل عتْقاً ومُدَخّنًا / لتقتنص صيدا وتنقله للمُغُر/ بعد الصّيد لمستقبل أولادها/ تُطَرّزُ قِصص البطولة /أبراج فرح/ معادلات أمل.
3) في كنيس المقهورين/ مرّاكش
الكنيس العتيق/ منذ طَرْد اسبانيا والبرتغال/ كيف وصل اليهود إلى هنا/ من المحيط الأطلسي/ لِمرّاكش الصحراويّة/ والهاربون يُقذفون للشواطئ/ في الهروب الكبير من الطّرد/ يُقذفون من سُفن حمقاء/ ونساء عربيّات في موقف إنسانيّ صادق/تُكَفِّنَّ المُتساقطين إلى موتهم/ فضل أخير/ لئلاّ يُؤْكلوا بِفَم الذّئب وابن آوى/ هذا ما كان قبل خَمسِمئة سنة/ والآن/ سمح الملك جلّت عَظَمته/ أن يفتح ثانية مجال حياة جديدة/ كنيس للمقهورين/ ودلالاته اسبانيا والبرتغال/ (الإشارة لمحاكم التّفتيش 1492 ن ن).
مئات السّنوات/ مُنِعَ نقش الأسماء على القبور/ مقبرة خالية من الدّلالات/ والآن/ أسماء على أسماء/ في نُصُب فخمة/ كهياكلَ صغيرة/ والأزِقّة للمقبرة نظيفة من الخوف/ ألآن العابرون والعائدون/ يطلبون اقتراح طريق ومكان/ بمودّة بسيطة.
**هذا ما يستشعره صديقنا: إيرز/أرْز صاحب فصليّة الأدب: (أفيريون)/بساط الرّيح/ ألهودج، فماذا يقول الّرّفاق، الإخوة والزّملاء: محمد سعيد بركة، ممد علي طه، محمد علي سعيد، محمد أحمد الهيبي، عودة بشارات، نمر إسمير، عوني سبيت ناجي ظاهر، زكي درويش، خالد عوض، وجيه سمعان، فوزي ناصر و.... والبَون شاسع ما بين الهجرة الطّوعية الإغرائيّة والتّهجير القسري، والمغرب سمح ويسمح بِحَقّ العودة ليهوده، وقد عاد مَن عاد!
وتبقى النّساء المغربيّات عنواناً للأصالة الإنسانيّة، قبل خمسة قرون، حين غَطَّيْنَ وسَتَرْن عورات المقهورين المنْفيّين من الأندلس، كما يعترف بذلك الشّاعر إيرز/ يعيش.
نشدّ على يدَيْه ونُحَيّيه على الجرأة والإقدام في إسماع صوته (النّشاز)، بالنّسبة لِ الحرم المصون: ميري ومخلوف وعمير وإلياس ولِمَن به صَمَمُ في هذه الدّيار.

ألشّاعر إيرز بيطون فقد البصر ولم يفقد البصيرة

واحة محاميد الغزلان، مسقط رأس الوالدة، أمّ الأرز/ يعيش.