
















اهلا المندوب السّامي الثّامن
محمد علي طه
أراه طودًا عاليًا ضخمًا فيما أراه أحيانًا أخرى واديًا سحيقًا، ومن الصّعب أن يتصوّر ابن أمّي وأبي أبعاد هذا الحدث الكبير مهما كان عقلانيًا ومفكرًّا وحكيمًا.
أين كنّا وأين صرنا؟
هل توقّع أحدٌ منّا أن يحدث الّذي حدث؟
ماذا فعلنا كي لا يدفع شعبنا هذا الثّمن الباهظ حينما زُلزلت الأرض زلزالها وأخرجت أثقالها؟
هل هي نكبة ثانية أم هي أبعد من الأولى وأخطر منها؟
هل بُعِث السيّدان القبيحان سايكس وبيكو من قبور المنامة أم من قبور الدّوحة أم من قُبور دبي؟
قبل قرنٍ فرض الاستعمار البريطانيّ الغاشم المندوب السّاميّ الأوّل هربرت صاموئيل على شعبنا كي يسلب منّا الوطن والهواء وأمّا الاستعمار الأمريكيّ اللّئيم في هذه الأيّام فيفرض علينا المندوب السّاميّ الثّامن الرّجل القبيح طوني بلير كي يسرق الحُلم الّذي رعيناه سبعة عقود. كيف سمحنا لذئب الصّحراء أن يُغير علينا وصرخنا بالصّوت العالي: "أنا يوسف يا أبي" فسمعتنا الشّعوب من جبل هملايا الى جبل أرارات فجبل الأولمبوس وجبال أخرى عديدة ولم يسمعنا أهل الدّار لأنّ المندوب السّاميّ الأوّل سرق السمع والذّوق.
وقفنا مشدوهين من الفعل والفاعل والمفعول معه وهول الحدث الّذي لم نرتقِ إليه.
ورثنا عن سيبويه الفعل الماضي والفعل المضارع وفعل أمرك يا سيدي ولم تعرف لغتنا فعل المستقبل بل استرحنا عند سين التّسويف وانشغلنا بها وحينما سألني صديق ماذا تسّمي لغتنا ابن الابن أجبتُ "الحفيد" فسألني ثانيةً: وماذا تسّمي ابن البنت فأجبتُ: السّبط، وكأنّني اخترعتُ ما بعد الحاسوب فسألني مرّة أخرى وماذا تسّمون ابن الحفيد يا تلميذ الخليل بن أحمد. فأجبته: لم يعمّر العربيّ حتّى يرى ابن الحفيد فكيف تسألونني عن الغدّ؟!
أشغلني الحاكم برغيف الخبز وصحن الزّيت فلمّا احتججتُ ناولني عظمة ديكٍ عجوز كي أقتات بها في حين سرق بلير خبزي وزيتي.
أقول: لعين وملعون اليأسُ. ولن أكون الأسد الّذي انتفض عن ظهر البعير ورفض أن يؤدّي الشّرطَ للفأر وفرّ من بلادٍ صار الفأرُ فيها يحلّ ويربط.
أنا ابن صاحب البعير الّذي أوصاني: ادفنوا أمواتكم وانهضوا.
أجل.
كم دفنا وكم نهضنا وسوف نبقى ندفن وننهض مرّة بعد مرّة كي لا يبقى الطّود عاليًا وكي لا يبقى الوادي سحيقًا.
لا بدّ أن يصنع النّجارُ السلّم المتين ونرتقي به الى العُلا. ويتدّفق الماء من ينبوع بئرنا.
النّجار ابني وحفيدي وأهلي وربعي.
لا بدّ ممّن لا بدَّ منه.