
















اهلا
صافرات الإنذار تدوّي وتملأ الفضاء رعباً وتحذّر الناس من الدّمار ومن الخراب ومن الحرائق ومن البنايات المنهارة.
صافرات الإنذار، سفير الموت يقول لك: دع كلّ شيء واهرب الى الملجأ، الى الغرفة المحصّنة (اذا كنت محظوظاً وتملك ملجأً او غرفة امنةً محصّنة).
صافرات الإنذار تخطف منك الفصل الجميل من الرّواية الشّائقة التي تقرأها وتطرد بطلها الى المجهول وتسرق الوصف الانسانيّ والموقف الانسانيّ والعلاقة الانسانيّة وحرفيّ الحاء والباء من عالمك.
صافرات الإنذار تخطف قهوتك وأغنيتك وموسيقاك وازهارك وعصافيرك وصوت فيروز وحنجرة ام كلثوم ونداء الحياة في عينيّ حفيدتك الجميلة وتقول لك: كم انت ضعيف ايّها الانسان!
صافرات الإنذار تسرق النوم من العينين والابتسامة من الوجنتين وتزرع الرّعب في المحيّا ولا تسمح لك بقراءة الفقرة التي تحبّها ولا بسماع الأغنية التي تريدها.
لا شيء اقسي من الحرب وأوحش من الحرب وأسفل من الحرب.
لا سلطة للإنسان على الزّلازل ولا على التّسونامي ولا على انفجارات البراكين، بل يقف عاجزاً مذهولاً مرعوباً امامها وامام عدائها للحياة إلاّ أنّ الإنسان نفسه هو الذي يشعل الحروب ويمطر المدن بالصّواريخ وبالقنابل وبالدّمار وبالخراب وبالموت.
ما أحقر الإنسان عندما يتحوّل الى عدوّ للحياة.
نشر مواطن يهوديّ اسرائيليّ على صفحته صورتين مخيفتين للدّمار الذي نتج عن صاروخ اصاب حيّاً في احدى المدن وكتب: هذه ليست ايران ولا لبنان ولا غزّة ولا غلاف غزّة. هذا هو مركز البلاد. هذه الحرب التي اشعلها الرجل الذي يعشق كرسيّه.
يحبّ الانسان الحياة ولا حياة بدون راحة بال، ولا راحة بال بدون الأمن والسّلام، والمذيعة الحسناء تروي الآن من على شاشة التّلفاز أنّ صافرات الانذار دوّت ثلاث مرّات في هذه الليلة وهدمت الصّواريخ عدّة بنايات في المدن وانتشلت طواقم الانقاذ اطفالً ورجالاً ونساءً من تحت الأنقاض.
هذا الدّمار الذي أراه في جارتنا طمرة. وهؤلاء النّاس أعرفهم. أعرف الأب وأعرف الجدّ وأعرف الخال وأعرف العمّ. أعرف الطّمراويّين من جبل الصّنيبعة الى بير الطّيرة. أعرف آل الخطيب وآل سمارة وآل ابو الهيجاء وآل ذياب، العائلات الثّاكلة، كما أعرف عائلات طمرة جميعها.
الخبر ليس عاديّاً بل مرعب، ومخيف ومحزن ومؤلم.
الحزن كبير والألم كبير والموت كبير.
هؤلاء العنصريّون الذين يفرحون لموت العرب، ويرقصون لموت العرب، ويهتفون فرحاً لموت العرب ليسوا بشراً. فقد سلبت العنصريّة انسانيّتهم والقت بها في الجحيم.
هل سيعاقبون؟ ومن سيعاقبهم؟ وما هو العقاب؟
اشكّ اشكّ اشكّ.
لا شيء أبشع واقسى من الحرب سوى العنصريّة التي تعرّي الانسان من انسانيّته.
الحرب هي عدوّة الحياة وعدوّة النّهار وعدوّة الأزهار وعدوّة العصافير وعدوّة المطر وعدوّة الحبّ.
الحرب عدوّة قهوة الصّباح وعدوّة اللغة.
ذرفتُ الدّموع على جيراني.
هؤلاء اهلي، وهؤلاء بناتي وحفيداتي.
اللعنة على الحرب وعلى عشّاقها.
المجد للحياة والسّلام.
المجد للزيتون والأزهار والعصافير والأطفال.