
















اهلا أظهرت الدراسات أن أكثر من 84% من الفلسطينيين لا يثقون بالآخرين، وهذه النسبة تدق ناقوس خطر على البنية الأخلاقية والاجتماعية لمجتمعنا.
الإعلام والتزييف: بين تزيين الأوهام وكشف المستور
الإعلام، السلطة الرابعة، تحوّل في كثير من الأحيان إلى شريك في صناعة الوهم. بعض الوسائل المحلية باتت تُجمّل الأكاذيب الانتخابية، وتتغاضى عن التحقيق والمحاسبة، بينما الإعلام العبري يشن حربًا ناعمة على الوعي الفلسطيني، يُزيّف الوقائع، ويُشوه صورة الضحية.
لكن في المقابل، برزت مبادرات إعلامية فلسطينية مستقلة، تعتمد على التحقق من المعلومات، وتنقل جلسات القضايا علنًا عبر برامج البث القضائي الإذاعي، مما أتاح للمواطنين متابعة ملفات الفساد والانتهاكات عن قرب، وساهم في تعزيز الرقابة الشعبية وخلق حالة من الوعي الحقوقي الناضج.
البث القضائي: شفافية على الموجة
رغم أنه لا يزال محدود الانتشار، إلا أن بث جلسات المحاكمات والإجراءات القضائية عبر الإذاعة والتلفزيون فتح نافذة نادرة نحو الشفافية. هذه التجربة ساعدت المواطنين على فهم النظام القضائي، وفضحت محاولات التلاعب بالقانون، وأسهمت في خلق مساحة جديدة من المساءلة الإعلامية.
الكذب والانتخابات: بين خداع البرامج وتزيين الأوهام
تحوّلت الحملات الانتخابية في فلسطين إلى مسابقات في براعة الكذب. تُطرز البرامج بأحلام لا تتحقق، وتُسَوَّق الشعارات بلغة براقة، في حين يدرك المواطن في أعماقه أن أغلب ما يسمعه غير واقعي. ومع ذلك، يختار البعض التصويت للكاذب إما بدافع العشيرة أو الفصيل أو لانعدام الثقة بالبدائل.
والمفارقة المؤلمة أن الناخب يعرف الكاذب... لكنه لا يحاسبه. ليس لأنه غافل، بل لأنه مقيد، يائس، أو محبط من خيارات تبدو متشابهة في زيفها.
نحو وعي نقدي ومجتمع صادق
كتاب الكل يكذب لا يكتفي بوصف المشكلة، بل يدعونا لفهمها وتحليلها من جذورها. في فلسطين، الكذب أصبح جزءًا من "معمار الأزمة"، يُعيد إنتاج نفسه في كل محطة، ويغذي دورة الانحدار.
الطريق إلى التغيير يبدأ من هنا:
بإعلام حر، وبث قضائي شفاف، وثقافة محاسبة، ووعي جمعي يرفض الخداع ويُطالب بالحقيقة.
فقط حين نكف عن التصفيق للكذب، نمنح الحقيقة فرصة لاستعادة مكانتها، ونمنح أنفسنا فرصة للشفاء.