اهلا

أنا كاتب وأديب، صناعتي الكلام، ورأسُمالي قلمي البسيط ذو الحبر الجافّ، وما زلتُ أكتب على الورق الأبيض، ولا أملكُ مالًا أو ذهبًا أو غازًا أو نفطًا، ولستُ أميرًا خليجيًّا يهدي الرّئيس الأمريكيّ ترامب طائرة جمبو 8-747 بوينغ ثمنها مئات ملايين الدّولارات، وفي الوقت نفسه، يتعامى عن مشهد آلاف الأطفال الغزّيّين الّذين يحملون القدور والطّناجر الفارغة ويتدافعون للحصول على ملعقة أرزّ أو مغرفة حساء عدس لا تسدّ رمقًا ولا تُسكتُ جوعًا، في حين أنّ هذا الرّئيس الأهوج لا يُعطي عالمنا العربيّ سوى الإصبع الثالثة لا غير، كما أنّه قرّر بصورة ساديّة لئيمة أن يوزّع عساكره طرود الطّعام، بالنّيابة عن شركة إسرائيليّة على مليونيّ غزّيّ في أربع نقاط لا غير بدل 400 نقطة، كما أعدّت الأمم المتّحدّة كي يزيد الجائعين إذلالًا ويدفع النّاس الى الهجرة من أجلِ عيون حكّام اسرائيل.
بكيتُ مثل ملايين النّاس على مصرع أولادك التّسعة يا آلاء فهي مأساة لا سابق لها في التّاريخ. لقد فقدت خنساؤنا قبل 14 قرنًا أبناءها الأربعة الّذين استشهدوا في سبيل الله والدّين وأمّا أولادكِ فقد اغتالهم هواةُ قتل الأطفال كما وصفهم بشجاعة الجنرال يائير غولان، نائب رئيس أركان الجيش الاسرائيليّ الأسبق.
حزن النّاسُ في النّاصرة ورام الله وعمّان. حزن العربُ من المحيط الى الخليج، وحزن الأجانب، بعدما سمعوا الخبر وشاهدوه على شاشة التّلفاز، وبعد دقائق قليلة عاد الجميع الى حياتهم العاديّةِ يشربون ويأكلون ما يشتهون.
هل استبدلنا جلودنا البشريّة بجلود التّماسيح، أم أنّ الموت صار أمرًا عاديًّا وصارت المجازر خبرًا عاديًّا مثل حوادث الطّرق؟
نشاهد أهلنا على شاشات التّلفاز. نشاهدُ أولادنا الجياع في قطاع غزّة فنتأثّر للحظات ثمّ نتناول من على موائدنا لحمَ الخرفان والفراخ والأسماك وكبد الأوزّ والأصداف حتّى التُّخمةِ ونتحدّث عن الحرّيّةِ والثّورة والوطنِ وجيفارا ونيلسون مانديلا.
ارتقى في قطاع غزّة حتّى الآن 55 ألف شهيد و124 ألف جريح ويعيشُ فيه مليونا جائع وهذا لا يمنعُ السّادةُ الأمراء أن يقدّموا الملياردات والبلايين والأرقام الخياليّة من العملة الصّعبة الى السّيّد كي تنتعش الخزينة الأمريكيّة وكي يرقص الخواجة ترامب بالسّيف، ويا هلا بالضّيوفِ، بالرّماح وبالسّيوفِ!
عذرًا آلاء النّجار! لا تصدّقي دموعنا، ولا تصدّقي بكاءنا، ولا تصدّقي كلامنا ولا تصدّقي نفاقنا!
هؤلاء حكّام اسبانيا وايرلندا وفرنسا لا ساميّون وقحون يهدّدون الخواجة نتنياهو بسبب ما يسمّونه حرب الإبادة في غزّة وطولكرم وجنين ويزعجون الحكّام العرب والمسلمين الّذين يتهافتون على إسرائيل، ويتهافتون على التّطبيع، تهافتًا قوميًّا وأخلاقيًّا، تهافتًا من الرّباط حتى المنامة، ومن السّودان حتّى البيضان.
ذرفتُ دمعةً بل تسعَ دمعاتٍ على صغاركِ إلّا أنّني سأذهب في هذا المساء الى حفلة عرس في قاعة مكيّفة وسوف أستمع مع المئات من أهلنا الى الغناء والموسيقى، وأتناول الطّعام الشّهيّ وأشرب ما تيسّر لي، وسوف أتحدّثُ مع السّامرين عن فيتنام والجزائر والثّورة الشّعبيّة وغسّان كنفاني والنساء الجميلات.
عُذرًا آلاء النّجار!
يبدو أنّنا خسرنا، أجل خسرنا!
لن لن أقول ماذا خسرنا.
أنا كاتبٌ يا بُنيّتي!
صناعتي الكلام.
ليس مثل كلام هؤلاء...
صدّقيني يا بُنيّتي.!