اهلا

ما كان لن يكون فقد تغيّر كلّ شيء. تغيّر الهواء والفضاء واللغة، وغابت عصافير الدّوريّ واختفى القرنفل والورد الجوريّ، وخسرت سنديانة الوطن مساحة سمّ الخياط التي كانت طيلة عقود اكسجين حياتها وبئر مائها التي اسماها حكماء الزّمن الغابر الدّيموقراطيّة. قال تعالى: خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. وقال أحدهم إنّ الانسان أغلى قيمة في الوجود. الإنسان؟ أيّ انسان؟ شاهدتهم أطفال شعب فلسطين حفاة عراة ما اغتذوا خبز ملّة ولا عرفوا للبُرّ طعماً. يحملون في راحاتهم الواهية اطباقاً بائسة فارغة ويتدافعون حول موزّع ملاعق الأرزّ وأرغفة الخبز. في العام الخامس والعشرين من القرن الحادي والعشرين. أطفال العالم يلعبون ويمرحون ويرتعون ويضحكون وأمّا الباقون الباقون من أطفال غزّة فيتصارعون على ملعقة الأرزّ. تلك قسمةُ ضيزى في عالم ذئابيّ. من حمّل شهر رمضان أوزار هذا العالم السّافل؟ من هدم برج الحمام؟ من داس ببسطاره العسكريّ شقائق النعمان في حاكورة البيت؟!
تغيّر كل شيء يا صديقي الإمام الذي التقيت بك في مسجد المدينة قبل عقد من الأعوام فهنّئتك بعودتك سالماً من الدّيار الحجازيّة بعد ان أدّيت الرّكن الخامس فتنهّدت وقلت لي: لم اشعر بقيمة الإنسان إلّا عندما عدت الى بيتي في مدينتي. وأمّا في ظهيرة هذا اليوم فقد التقيت الإمام نفسه في صحن المسجد نفسه، وشاهدت لحيته البيضاء مبللة بالدّموع على القتيل العشرين بعد المائتين ويسأل السّلام من السّلام ولا سلام في زمن اغتال المجرمون فيه السّلام. لا يغيّر الله بقوم حتّى يغيّروا ما في أنفسهم. كل شيء تغيّر. وما كان لن يكون وقيمة الإنسان تدهورت، تراجعت الى أسفل السّافلين. هل تذكرون؟ عقد بنيامين نتنياهو صفقة مع حركة حماس في العام 2011 فأطلقت حماس سراح الجنديّ جدعون شاليط وأطلق نتنياهو سراح 1027 أسيراً فلسطينيّاً ومنهم يحيى السّنوار فعمّ الفرح المجتمع الاسرائيليّ، وأمّا اليوم فهناك عشرات الرّهائن الإسرائيليين في اعماق الأرض، في قطاع غزّة مهدّدون بالموت، ونتنياهو يريد ولا يريد، يضع شروطاً ثمّ يغيّرها والمتظاهرون يملأون الشّوارع غضباً ونتنياهو هو نتنياهو ويحبّ نتنياهو فقط والكرسيّ الجالس عليه.
كلّ شيء تغيّر وما كان لن يكون ورئيس أركان جيش اسرائيل الجنرال ذو الاسم الشّاعريّ يزفّ بشرى لشعب اسرائيل بأنّ هذا العام عام حرب، عام الموت، عام الجوع، عام التّوابيت، هل هو رئيس أركان جيش الدّفاع ام جيش الحرب؟ وخواجا ترامب يصرّ على تهجير مليونيّ فلسطينيّ من قطاع غزّة الى جنوب السّودان او الى الصّومال. وخواجا ترامب نفسه قال قبل يومين اثنين فقط إنه لن يطلب من اي فلسطينيّ مغادرة قطاع غزّة. لحظة رجل عاقل ولحظة ثور هائج. واحترنا يا قرعا من وين نبوسك؟ مليونا فلسطينيّ الى الصّومال من الدّلفة الى تحت المزراب. الفعل صمل معناه يبس او كفّ عن الطّعام. ولو يا ترامب عَ الصّومال؟ الله لا يريّح للظالم البال! وإذا كان لا بدّ من التّهجير فليكن الى سويسرا، الى لوكسومبورغ، الى ليالي الأنس في فيّنا حيث الماء والخضراء والوجه الحسن. الذين يستحون ماتوا. ولو يا خواجا يا سيّد العالم سمعت وقرأت أنّنا صرنا انسباء، وأنّ المستورة ابنتك زوجة المحروس ابننا، والنّسب عند الآدميين أهل وانت رأسهم في هذا الزّمن الترالّلي الذي صار فيه نظيرك سموطرتش ابا علي!