اهلا - الاتحاد
ترجمة الاتحاد
شاؤول أرييلي، هو مسؤول سابق في الجيش الاسرائيلي والمؤسسة العسكرية، وباحث مختص في الصراع العربي-الاسرائيلي، نشر مقاله هذا في صحيفة هأرتس
حظيت مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الترانسفير "الطوعي" لسكان قطاع غزة بردود فعل إيجابية من بعض الأوساط في المجتمع الإسرائيلي، لا سيما داخل الجهاز السياسي، بقيادة وزراء وأعضاء كنيست ينتمون إلى تيار الصهيونية الدينية. وعلى الرغم من أن الخطاب العام في إسرائيل كان يميل في السابق إلى اعتبار فكرة الترانسفير – أي تهجير السكان العرب من أرض إسرائيل – نتاجًا للتطرف السياسي، فإن البحث التاريخي يكشف عن صورة أكثر تعقيدًا. إذ يظهر أن هذا المفهوم كان حاضرًا في الفكر الصهيوني منذ نشأته، وشكّل جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات التي تبنتها قيادات الصهيونية.
ورغم أن الحركة الصهيونية في مراحلها الأولى افترضت أن تحقيق أغلبية يهودية في أرض إسرائيل سيتم أساسًا من خلال هجرة يهودية واسعة النطاق، فإنها لم تتجنب قط التفكير في إمكانية تحقيق هذه الأغلبية عبر تهجير جزء من السكان العرب إلى خارج الحدود المرسومة للوطن القومي اليهودي. فقد رأت القيادة الصهيونية أن هذا الطرح، الذي يتيح استيعاب اليهود المضطهدين في بلدانهم الأصلية وتحقيق أغلبية يهودية في البلاد، يتمتع بتبرير أخلاقي راسخ، طالما أنه يستند إلى موازنة الحقوق اليهودية بحقوق العرب في فلسطين، ذلك أن العرب المعنيين، وفقًا لهذا المنطق، لا يختلفون عن إخوانهم في الدول العربية المجاورة، ومن ثمّ، لا يشكّل بالنسبة لهم فارقًا جوهريًا البلد الذي يقيمون فيه. وبناءً على هذا التبرير الأخلاقي، فإن الشرط الوحيد اللازم لتنفيذ فكرة الترانسفير هو توفير الدعم المالي الكافي.
رغم أن الخطاب العام في إسرائيل كان يميل إلى اعتبار فكرة الترانسفير نتاجًا للتطرف السياسي، فإن البحث التاريخي يكشف عن صورة أكثر تعقيدًا: هذا المفهوم كان حاضرًا في الفكر الصهيوني منذ نشأته، وشكّل جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات التي تبنتها قيادات الصهيونية
وفي هذا السياق، يشير إدوارد سعيد إلى أن ثيودور هرتسل، في يونيو 1895، طرح بالفعل إمكانية تنفيذ "إعادة توطين" محدودة للسكان العرب الأضعف، حيث كتب في يومياته: "نسعى لنقل السكان الفقراء بهدوء إلى خارج الحدود، عبر توفير فرص عمل لهم في البلدان التي سيعبرون اليها، بينما نحرص في بلادنا على منعهم من أي عمل".
لم يكن هرتسل وحيدًا في طرحه. فقد كان الكاتب والناشط الصهيوني يسرائيل زانغويل أقل تحفّظًا حين صرّح عام 1905 قائلًا: "أرض إسرائيل مأهولة بالفعل [...] وعلينا أن نكون مستعدين إما لطرد القبائل التي تقطنها بالسيف، كما فعل أجدادنا، أو لمعالجة مسألة هجرة السكان الأجانب، الذين هم في معظمهم من المسلمين، والذين اعتادوا على ازدرائنا لعدة أجيال." وكان زانغويل أول من صاغ، عام 1920، الحجة التي أصبحت محورية في الفكر الصهيوني لاحقًا: العرب يملكون العالم العربي بأسره، بينما لا يملك اليهود سوى أرض إسرائيل. وقد استُخدم هذا الطرح كأساس لتبرير فكرة الترانسفير طوال سنوات وجود الحركة الصهيونية.
ومع ذلك، فإن دافيد بن غوريون، الذي ظل حتى ذلك الحين مؤمنًا بفكرة الهجرة اليهودية، رفض هذا التوجه. ففي عام 1918 كتب: "أرض إسرائيل ليست أرضًا خالية من السكان... ولا يمكن المساس بحقوق هؤلاء السكان تحت أي ظرف من الظروف. وحدهم حالمو الغيتو مثل زانغويل يمكن أن يتصوّروا أن فلسطين ستُمنح لليهود مع الحق في إبعاد غير اليهود عنها. لن توافق أي دولة على ذلك. وحتى لو بدا أننا حصلنا على مثل هذا الحق، فلا يملك اليهود أي شرعية أو قدرة على تنفيذه. ليس من المرغوب فيه ولا من الممكن نزع ملكية السكان الحاليين من أرضهم. فهذه ليست رسالة الصهيونية."
ما قد يكون مفاجئًا هو أن فكرة الترانسفير لم تكن حكرًا على التيار اليميني في الحركة الصهيونية. فقد اعترف حاييم كلوارسكي، الذي أصبح لاحقًا أحد مؤسسي حركة "بريت شالوم" اليسارية، خلال اجتماع اللجنة المؤقتة في يونيو 1919، قائلًا: "على مدار خمسة وعشرين عامًا من عملي في الاستيطان الزراعي، قمتُ بتجريد العديد من العرب من أراضيهم، وتفهمون أن هذا العمل – نزع ملكية أشخاص ولدوا على هذه الأرض، وربما ولد عليها آباؤهم أيضًا – ليس بالأمر السهل على الإطلاق، خاصة عندما لا ينظر المُجرد إلى المَجردين كقطيع من الأغنام، بل كبشر لهم قلب وروح."
أما زئيف جابوتنسكي، زعيم التيار التنقيحي ، فقد تبنّى خلال تلك السنوات موقفًا قريبًا من موقف بن غوريون، وكتب عام 1923: "أرى أن إبعاد العرب عن أرض إسرائيل أمر غير مقبول على الإطلاق؛ فقد سكن في هذه البلاد دائمًا شعبان... وأنا مستعد للقَسَم باسمنا وباسم أجيالنا القادمة أننا لن نُخلّ أبدًا بمبدأ المساواة في الحقوق، ولن نحاول أبدًا إقصاء أي أحد". لكن بعد ثلاث سنوات فقط، وفي كتاب صدر عام 1926، أعاد جابوتنسكي صياغة رؤيته للمواجهة التي اعتبرها حتمية مع الشعب الأصلاني لفلسطين، حيث كتب بوضوح: "المأساة تكمن في أن هناك هنا تصادمًا بين حقيقتين، إلا أن عدالتنا أعظم [...] العربي – رغم تخلفه الثقافي – إلا أن وطنيته صافية ونبيلة كتلك التي لدينا؛ لا يمكن شراؤه بالمال، ولن يكون بالإمكان قمعه إلا بقوة قاهرة".
يشير المؤرخ توم سيغيف إلى أنه في يونيو 1931، كتب يعقوب طهون، أحد الناشطين الصهاينة البارزين في مجال الاستيطان، إلى الكولونيل فريدريك كيش، رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، مؤكدًا أن الحل المثالي من وجهة نظر الحركة الصهيونية هو نقل العرب إلى شرق الأردن. وأضاف أن هذا الحل مرغوب جدًا أيضًا من وجهة نظر العرب أنفسهم، حيث إن الأموال التي سيحصلون عليها مقابل بيع 100 دونم من الأراضي في فلسطين ستتيح لهم شراء 500 دونم على الأقل في شرق الأردن. أما ميخائيل بار-زوهر، فيشير إلى أنه في يوليو 1936، وفي إطار مساعي دافيد بن غوريون، رئيس الوكالة اليهودية آنذاك، لإحباط "قانون الأراضي" الذي اقترحه المندوب السامي البريطاني – والذي كان يقضي بتخصيص حدٍّ أدنى من الأراضي لكل فلاح عربي – اقترح خلال اجتماع لحزب ماباي أن يقوم اليهود بشراء أراضٍ في شرق الأردن، ونقل الفلاحين الذين سيبيعون أراضيهم لليهود في فلسطين إلى هناك.
وتُعتبر سنة 1937 نقطة تحول في تاريخ فكرة الترانسفير، حيث اقترحت لجنة بيل البريطانية تنفيذ "عملية نقل سكاني واسعة النطاق"، تشمل ترحيل 350 ألف عربي من الجليل، مقابل 2,500 يهودي من الدولة العربية المقترحة. وقد برر وزير المستعمرات البريطاني، أورمسبي غور، هذه الفكرة بالقول إن عرب فلسطين لم يعتبروا أنفسهم حتى ذلك الحين فلسطينيين، بل جزءًا من سوريا والعالم العربي، وبالتالي لا يوجد عائق أمام نقلهم.
المنظرون والزعماء في حركة العمّاليين الصهاينة مثل كتسلسون وبن غوريون تلقفوا بحماس مشاريع نقل السكان، الأول قال: "ضميري هادئ تمامًا بهذا الشأن. الجار البعيد خيرٌ من العدو القريب" وشدد الثاني أن على الحركة الصهيونية أن "تمارس كل وسائل الضغط" لحمل بريطانيا على "اقتلاع حوالي مئة ألف عربي من قراهم التي عاشوا فيها لمئات السنين"
بيرل كتسنلسون (المعروف كمنظّر العماليين الصهاينة والزعيم في مباي – المترجم) أيّد هذه الفكرة بشكل كامل، وقال "إثارة مسألة نقل السكان ولّدت نقاشًا لدينا: هل يجوز ذلك أم لا؟ ضميري هادئ تمامًا بهذا الشأن. الجار البعيد خيرٌ من العدو القريب، وهم لن يخسروا شيئًا بانتقالهم، ونحن بالتأكيد لن نخسر. في المحصلة النهائية، هذه إصلاحية سياسية واستيطانية لصالح كلا الطرفين. لطالما اعتقدت أن هذا هو أفضل الحلول... كنت وما زلت مؤمنًا بأنهم سينتقلون إلى سوريا والعراق." وقد تلقّى دافيد بن غوريون هذه التوصية بحماسة استثنائية، وفي 12 يوليو 1937 كتب في يومياته أن "هذه المسألة المتعلقة بالترانسفير القسري تعوّض عن جميع العيوب والنواقص الواردة في التقرير"، كما أنها "قد تمنحنا شيئًا لم نحصل عليه من قبل، لا في زمن الهيكل الأول ولا في زمن الهيكل الثاني." وأضاف أن على الحركة الصهيونية أن "تمارس كل وسائل الضغط" لحمل بريطانيا على "اقتلاع حوالي مئة ألف عربي من قراهم التي عاشوا فيها لمئات السنين."
وفي أواخر يوليو 1937، خلال اجتماع المجلس العالمي لاتحاد عمال صهيون في زيورخ، وسّع بن غوريون طرحه قائلًا:"من الصعب إيجاد أي مبرر سياسي أو أخلاقي يعارض نقل هؤلاء العرب من منطقة ستكون تحت الحكم اليهودي إلى منطقة ستكون تحت الحكم العربي [...] حتى مع أقصى درجات التقوى والتشدّد الأخلاقي، لا يمكن معارضة عملية نقل تضمن للمنقولين ظروفًا مادية كافية وأقصى درجات الأمن القومي". ومع ذلك، دعا بن غوريون إلى توخّي الحذر نظرًا للتداعيات المحتملة على إقامة الدولة اليهودية. وفي يونيو 1938، أوضح موقفه قائلًا: "أنا أؤيّد الترانسفير القسري، ولا أرى فيه أي شيء غير أخلاقي"، لكنه استدرك قائلًا: "لكن فقط إذا قامت بريطانيا بتنفيذه. والحكومة البريطانية ألغت الفكرة... ولذلك، ليس فقط أنه من غير الممكن أن ننفذ ذلك بأنفسنا، بل لا يمكننا حتى أن نقترحه... إن في هذا الاقتراح خطرًا هائلًا على الصهيونية في البلاد وعلى اليهود عمومًا".
موشيه شاريت، وزير الخارجية لاحقًا، أبدى دعمه أيضًا لفكرة الترانسفير. ففي حفلة بمنزل الدكتور هيلبرن في 12 ديسمبر 1937 في القدس، قال شاريت:"أريد أن أرفض المقارنة مع ألمانيا. ما تفعله ألمانيا باليهود هو أن حكومة تأخذ الناس وتطردهم من دون أن تهتم بمصيرهم، ولا تسمح لهم بأخذ ممتلكاتهم معهم – عملية كهذه غير ممكنة. مسألة النقل هنا بسيطة جدًا [...] حتى لو كانت قسرية، فسيتم ذلك مقابل تعويض عن الممتلكات التي يتركونها هنا، مع الاعتناء بحالتهم في المكان الجديد."
من جهة أخرى، تحدث المفتي أمين الحسيني، رئيس الهيئة العربية العليا، عن هذا الموضوع في مذكراته عام 1954 معبرًا عن رفضه القاطع منذ ذلك الحين وحتى اليوم: "في عام 1934، تواصل معي شخصيًا ومؤخرًا مع شخصيات فلسطينية وطنية أخرى مندوبون بريطانيون، وعرضوا أن ينتقل عرب فلسطين إلى شرق الأردن حيث يُمنح لهم أراضٍ ضعف المساحة التي كانت بحوزتهم. كما عرضوا أن يدفع اليهود لهم كل الأموال اللازمة لتنفيذ هذا العرض. وكان من الطبيعي أن يرفض العرب هذا العرض التافه".
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تواصل النقاش حول فكرة الترانسفير، في وقت كانت فيه عمليات نقل جماعي عنيف للسكان تجري ضد شعوب عديدة من الأراضي التي احتلها الجيش الألماني. ويلاحظ توم سيغف أن جابوتنسكي كتب في هذا السياق قائلاً: "لقد اعتاد العالم على فكرة الهجرات الجماعية وبدأ تقبلها، حتى أنه بدأ يحبذها. هتلر - مهما كان مكروهًا بالنسبة لنا - أضاف مؤخرًا سمعة جيدة لهذا المفهوم".
كان يوسي فايتس (من أبرز زعماء "الصندوق القومي اليهودي"-المترجم) أكثر حسمًا عندما كتب في مذكراته الشخصية عام 1940: "قمنا بجولة صباحية في القرى العربية. فكرت في الخطة التي كنت أعمل عليها منذ سنوات: إخلاء البلاد من أجلنا. بيننا وبين أنفسنا يجب أن يكون الأمر واضحًا: لا يوجد مكان في البلاد لشعبين معًا"
مع تزايد الأخبار عن ما يجري لليهود في أوروبا، أصبح نبرة القادة الصهاينة أكثر حدة وحسمًا فيما يتعلق بالعرب في فلسطين. ففي بداية عام 1940، كتب جابوتنسكي: "إذا لم يرغب العرب في البقاء، لا أرى أي مأساة أو كارثة في رغبتهم في الهجرة... لا ينبغي لنا أن نخاف من إمكانية أن يغادر 900 ألف شخص من البلاد..."
وكان يوسي فايتس (من أبرز زعماء "الصندوق القومي اليهودي") أكثر حسمًا عندما كتب في مذكراته الشخصية عام 1940: "قمنا بجولة صباحية في القرى العربية. فكرت في الخطة التي كنت أعمل عليها منذ سنوات: إخلاء البلاد من أجلنا. بيننا وبين أنفسنا يجب أن يكون الأمر واضحًا: لا يوجد مكان في البلاد لشعبين معًا. إذا غادر العرب، فستكون البلاد واسعة وفضاءً لنا. إذا بقي العرب، ستظل البلاد فقيرة وضيقة. الحل الوحيد هو أرض إسرائيل دون العرب. لا مجال هنا للتسويات! يجب نقل الجميع. لا يجب أن يبقى أي قرية أو قبيلة، فقط بهذه الطريقة، ترانسفير لعرب إسرائيل، سيأتي الفرج."
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، في اجتماع اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية عام 1944، الذي ناقش اقتراح حزب العمل، قال بن غوريون: "لو سألوا ما يجب أن يكون برنامجنا، لما خطر ببالي أن أقول لهم ترانسفير [...] لأن الحديث عن ذلك قد يضر من ناحيتين: قد يضر في الرأي العام العالمي لأنه قد يخلق انطباعًا بأنه لا يوجد مكان [لليهود] في فلسطين بدون طرد العرب [...] الضرر الثاني هو أن هذه التصريحات قد تضع العرب [...] في موقف دفاعي."
قبيل قرار تقسيم فلسطين، عاد الحذر إلى تصريحات القيادة الصهيونية. حيث قال موشي شاريت: "يمكن أن يكون الترانسفير هو التتويج، المرحلة الأخيرة في تطور السياسة، لكن بالتأكيد ليس نقطة الانطلاق." وأضاف لاحقًا: "ماذا سيكون عندما تُؤسس الدولة اليهودية؟ من الممكن جدًا أن النتيجة ستكون ترانسفير العرب."
حرب الاستقلال وتأسيس دولة إسرائيل خلقت فرصة لتطبيق فكرة الترانسفير عمليًا. في يونيو 1948، كتب موشي شاريت: "الفرصة التي يفتحها لنا الوضع الحالي لحل مشكلة الدولة اليهودية الأكثر إزعاجًا مرة واحدة وإلى الأبد، هي أوسع بكثير مما كنا نتوقع. حتى إذا كان من المستحيل تجنب بعض الاضطرابات، يجب علينا أن نغتنم الفرصة التي منحتنا إياها التاريخ بسرعة وبشكل غير متوقع."
في 31 أكتوبر 1948، تم نشر وثيقة هامة من "لجنة الترانسفير"، التي كتبها يوسي فايتس، عزرا دينين، وزلمان ليف ليفشيتس، والتي حددت سياسة إسرائيل منذ ذلك الحين وحتى اليوم:
العرب أنفسهم مسؤولون عن فرارهم؛
لا يجب إرجاعهم؛
يجب التعامل مع الباقين كـ "مواطنين متساويين في الحقوق"؛
يجب توطين الفارين في سوريا، العراق، والأردن.
في الخمسينيات، استمرّت فكرة الترانسفير بطرق مختلفة. في 1949، كتب والتر إيتان، المدير العام لوزارة الخارجية، رسالة سرية إلى موشي شاريت، الذي كان حينها وزيرًا للخارجية: "هناك خطة لطرد السكان العرب من عدد كبير من الأماكن، خاصة في الجليل [...] الطرد، أي النقل بالقوة إلى أماكن أخرى، ضروري لأسباب أمنية."
وكان موشي دايان أكثر صراحة عندما قال في اجتماع لحزب ماباي في 1950: "يجب أن تكون سياسة الحزب موجهة بحيث نرى هذا الجمهور من 170 ألف عربي كما لو أن مصيرهم لم يُحسم بعد. آمل في السنوات القادمة أن تكون هناك فرصة أخرى لتنفيذ ترانسفير هؤلاء العرب من أرض إسرائيل".
ومع ذلك، كانت هناك أيضًا أصوات معارضة داخل الحركة الصهيونية. حذر بينحاس لافون في اجتماع لجنة ماباي في 1950: "لا يمكن العمل بين العرب عندما تكون السياسة هي الترانسفير. لا يمكن العمل بينهم إذا كانت السياسة هي قمع العرب – فهذا يمنع العمل الفعلي. ما يتم تنفيذه هو قمع دراماتيكي ووحشي للعرب في دولة إسرائيل."
يتسحاك بن-تسفي، الذي أصبح فيما بعد رئيس الدولة، طرح أسئلة حادة في اجتماع لحزب مباي في يوليو 1950: "ما هو موقف الدولة تجاه الأقليات؟ هل نريد أن يبقوا في الدولة، أو أن يُستوعبوا فيها، أو أن يخرجوا منها؟ [...] لقد أعلنّا عن المساواة بين المواطنين دون تمييز عنصري. هل المقصود هو الوقت الذي لن يكون فيه عرب في الدولة؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا خداع."
فكرة الترانسفير اكتسبت زخماً جديداً بعد حرب حزيران 1967. حيث نفذت إسرائيل فعلياً عملية تهجير لـ 90-95 ألف سوري من هضبة الجولان. في الثمانينيات، طرح الحاخام مئير كاهانا المطالبة بطرد الفلسطينيين مواطني إسرائيل، واعتمدت أحزاب اليمين مثل "موليدت" و"ايحود لؤومي" فكرة "الترانسفير الطوعي" كجزء من برنامجها.
يمكن استخلاص ثلاثة دروس رئيسية من تاريخ الترانسفير: أولاً، ليست فكرة هامشية أو متطرفة، بل هي جزء جوهري من التفكير الصهيوني حول حل الصراع اليهودي-العربي. ثانياً، حصلت الفكرة على شرعية من جهات دولية، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين. ثالثاً، حتى عندما بدا أن الفكرة قد تم تجاهلها، استمرت في التأثير على صانعي القرار
اليوم، يواصل بتسلئيل سموتريتش نفس النهج، حيث يعلن: "هناك [في أرض إسرائيل] مكان لتعريف وتحقيق الطموحات القومية لشعب واحد فقط - الشعب اليهودي. هذا عادل. هذا أخلاقي". ويقدم سموتريتش "خطة الحسم" التي تستند إلى ثلاث خيارات: "من يريد أن يخضع– نقبله"، "من يريد أن يذهب – يذهب"، و "من يريد أن يقاتل – سنقاتله".
من تاريخ فكرة الترانسفير يمكن استخلاص ثلاثة دروس رئيسية: أولاً، ليست فكرة هامشية أو متطرفة، بل هي جزء جوهري من التفكير الصهيوني حول حل الصراع اليهودي-العربي. ثانياً، حصلت الفكرة على شرعية من جهات دولية، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين. ثالثاً، حتى عندما بدا أن الفكرة قد تم تجاهلها، استمرت في التأثير على صانعي القرار.
يجب علينا مواجهة حقيقة أن فكرة الترانسفير لم تكن محصورة بـ "المتطرفين" فقط. بل دعمها قادة من جميع أطياف الطيف السياسي الصهيوني - من رجال "بريت شالوم" إلى الراديكاليين. حتى "المعتدلين" الظاهريين رأوا في الترانسفير حلاً شرعياً.
علاوة على ذلك، لم تقتصر الحركة الصهيونية على الحديث فقط. كما كتب يوسف فايتس في اجتماع الحكومة في أغسطس 1948: "إذا كنا نقول إنه ليس جيداً أن تكون هناك قرى فارغة تدعو العرب للعودة والتسلل – يجب ألا تبقى هذه القرى على حالها". كانت هذه رؤية عملية أدت إلى سياسة منع عودة اللاجئين وتشجيع هجرة العرب مواطني إسرائيل.