اهلا-حسناء ابوحرفوش-بيروت سقوط الأسد فرصة تاريخية للمنطقة
أشارت قراءة أميركية إلى أن سقوط نظام الأسد في سوريا خلق فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بقيادة القوى الاقليمية بدلاً من القوى الخارجية. وربطت موقع سوريا الاستراتيجي بالاستقرار والأمن الاقليمي، كما سطرت مساعي الحكومة الانتقالية السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” لكسب الدعم الدولي ورفع العقوبات لتحقيق استقرار سياسي واقتصادي، بالتوازي مع سعي الصين والاتحاد الأوروبي الى لعب أدوار رئيسية في إعادة الاعمار.
وتشمل التحديات بناء مجتمع شامل يحترم الأقليات الدينية والعرقية، وتأمين الموارد المالية الضخمة المطلوبة لإعادة الاعمار. وفي حال نجحت سوريا في بناء دولة حديثة ومستقرة، يمكن أن تصبح جسراً للتجارة والتعاون الاقليمي، ما يفتح الباب لعصر جديد من الازدهار والسلام في الشرق الأوسط، شريطة تجاوز الصراعات التقليدية والتعاون بين القوى الاقليمية والدولية.
ووفقاً للمقال الذي يحمل توقيع ماركو فيسينزينو المتخصص في الشؤون والمخاطر الجيوسياسية، “أوجد سقوط نظام الأسد في سوريا فرصة تاريخية لاعادة تشكيل الشرق الأوسط بقيادة القوى الاقليمية بدلاً من الاعتماد على الجهات الخارجية. وتتمتع سوريا بموقع استراتيجي يجعل استقرارها محورياً للأمن الاقليمي، حيث تقع على تقاطع دول عدة. كما أظهرت زيارة وفد الحكومة الانتقالية السورية إلى الدول العربية خطوة مهمة تُظهر براغماتية جديدة، مع تقبل التعاون بين القوى المتنوعة، خصوصاً وأن سوريا تحتاج الى دعم ديبلوماسي ومالي لاعادة بناء البلاد ورفع العقوبات المفروضة عليها، وهو ما قد يتحقق عبر تعاون إقليمي يشمل القوى العربية والدولية.
ومثل أزمة عدم اليقين هذه فرصة تاريخية لاعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي. ففي العقود الأخيرة، شهد الشرق الأوسط العديد من محاولات إعادة الضبط الفاشلة. والآن حان الوقت لتغيير المسار، وعكس الدورة، ولتتولى الجهات الفاعلة الاقليمية – وليس الجهات الخارجية – زمام المبادرة في تشكيل التغيير. والواقع أن الجغرافيا الاستراتيجية لسوريا تمنحها نفوذاً هائلاً. فهي تشكل محوراً للأمن الاقليمي لأنها تقع في قلب الشرق الأوسط وتحدها عدة بلدان. وكل الدول المسؤولة لديها مصلحة راسخة في استقرار سوريا. وفي هذا السياق المهم، كانت أول زيارة خارجية لوفد من الحكومة الانتقالية السورية إلى المملكة العربية السعودية بمثابة اختراق سياسي كبير. فكلا الجانبين مدفوع بالبراغماتية والواقع السياسي، وليس بالتقارب الإيديولوجي.
وبعد نحو 14 عاماً من الحرب وسوء الادارة الاقتصادية والعقوبات، تحتاج سوريا بشدة الى اعتراف ديبلوماسي أكبر لرفع العقوبات التي فرضت في عهد الأسد. كما تحتاج الى إزالة هيئة تحرير الشام من قوائم الارهاب. وهذا من شأنه أن يطلق العنان للمساعدات المالية الدولية الحاسمة. وقبل أسبوع، دعا مجلس التعاون الخليجي الى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا. وبدأت عملية ذوبان الجليد. لكن خطاب الحكومة السورية الانتقالية ورفضها للانتماءات المتطرفة السابقة، على الرغم من كونه مشجعاً، يجب أن يكون مدعوماً بالأفعال.
ومع ذلك، مع إطاحة الأسد لا ينبغي تجاهل إيران تماماً لأنها لا تزال قادرة على تعقيد الأمور بالنسبة الى دمشق. وعلى طول حدوده الممتدة مع سوريا، يواجه العراق أيضاً العديد من المخاوف، وخصوصاً احتمال زعزعة استقرار المحافظات الغربية كما لا يزال الوضع دقيقاً بالنسبة الى الأردن على طول حدوده الممتدة لثلاثمائة وستين كيلومتراً مع سوريا.
أما بالنسبة الى لبنان، فهناك فرصة تاريخية لإنشاء دولة أكثر وظيفية مع تقليص التدخل الخارجي. ولا شك في أن الجغرافيا تفرض تأثير الأحداث في سوريا على مستقبل لبنان. ومنذ سقوط دمشق، زار العديد من الوفود الأجنبية العاصمة السورية لقياس أصحاب السلطة الجدد. ولا تستطيع سوريا أن تهرب من الجغرافيا السياسية من خارج الشرق الأوسط.
وقبل أيام قليلة فقط، التقى وفد أوروبي يضم وزيري خارجية فرنسا وألمانيا بالزعيم السوري أبو محمد الجولاني في دمشق. وكان السيناريو متوقعاً. وبالتنسيق إلى حد كبير مع القوى الاقليمية، كانت التوقعات العامة واضحة: لا دعم للتطرف، ولا أسلحة كيميائية واحترام الأقليات وإدماجها. بالاضافة إلى ذلك، أراد الأوروبيون إخراج القواعد الروسية من سوريا.
وبدت الحكومة السورية الجديدة منفتحة حتى الآن على المناقشات، بهدف انتزاع التنازلات الديبلوماسية والاقتصادية حيثما أمكن ذلك. وهي تتفاوض مع روسيا بشأن قواعدها البحرية والجوية الاستراتيجية. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فقد لا يكون مستداماً سياسياً. كما زار وزير خارجية أوكرانيا دمشق مؤخراً بحثاً عن شراكة استراتيجية مع الحكومة الجديدة بحيث تسعى أوكرانيا إلى مواجهة النفوذ الروسي وتسجيل نقاط ديبلوماسية مع حلفائها الأميركيين والأوروبيين. وعلاوة على ذلك، تريد أسواقاً جديدة لصادرات الحبوب الأوكرانية واستبدال روسيا كمصدر رئيسي للغذاء.
ومع أن التحديات في سوريا تبقى كبيرة، بما في ذلك بناء مجتمع شامل واحترام حقوق الأقليات، يعتمد مستقبل سوريا على قدرة القوى الاقليمية والدولية على العمل المشترك لتحقيق الاستقرار والازدهار. وتتطلب إعادة البناء موارد هائلة ودعماً من مجلس التعاون الخليجي والدول الكبرى كالصين والاتحاد الأوروبي. وإذا نجحت الحكومة السورية الجديدة في تعزيز التماسك الداخلي وجذب الاستثمارات، فقد تصبح سوريا جسراً للتجارة الاقليمية، ما يمهد لعصر جديد من التعاون والتنمية في الشرق الأوسط”.