اهلا- صبري جريس التحالف الدولي لحل الدولتين - كلام حق يراد به باطل أبناء عبد العزيز، مؤسس المملكة العربية السعودية، التزموا دائما الحذر والحياد في سياساتهم، وعملوا بشكل او بآخر إلى التمسك بوحدة العرب والمسلمين، إلى أن جاء الحفيد أبو المنشار وراح يدور في سياسة الأحلاف دون أن يدرك خفاياها وأبعادها الحقيقية. لقد تغيرت إيران، وتعلمت من اعتداءات عربان الخليج عليها، فبنت لنفسها ما تيسر من مقومات القوة، دفاعية كانت أم هجومية، مما جعلها القوة الإقليمية الأولى في الشرق الأوسط. وإضافة إلى ذلك تقيم إيران تحالفات إستراتيجية واسعة وبعيدة المدى مع قوتين عالميتين، هما روسيا والصين. ومن هنا فإنها لا تهتم كثيرا بتخرصات اميركا او اسرائيل، ولا تتردد في مجابهتهم ان كانت هناك حاجة لذلك. فكافة القواعد الاميركية في المنطقة، مثلا، إضافة إلى إسرائيل بكامل مساحتها موجودة في مرمى النيران الإيرانية.
السعودية لا تحتاج للتطبيع مع إسرائيل، والصبيانيات السياسية يجب آن تتوقف
منذ اندلاع حرب الإبادة التي راحت إسرائيل تشنها على قطاع غزه، اثر عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023، ثم وسعتها لتشمل الفلسطينيين واللبنانيين جميعا، تقوم السعودية، من حين إلى آخر، باتخاذ إجراءات وبذل جهود مختلفة لإيقاف هذه الحرب – ولكن حتى الآن دون جدوى.
وفي هذا الصدد أطلقت السعودية، قبل نحو شهر، مبادرة جديدة أعلنت بموجبها تأسيس ما أسمته لتحالف الدولي لحل الدولتين، الذي عقد مؤخرا اجتماعا له في السعودية، حضره نحو 70 ممثلا عن دول وتنظيمات مختلفة، للعمل على تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار حل الدولتين – واحدة يهودية والثانية فلسطينية.
وحتى لا نضيع وقت القارئ، ودون الكثير من اللف والدوران، ينبغي التوضيح، بما لا يدع مجالا للتأويل، أن هذا التحرك ليس وطنيا بريئا وخالصا لوجهه تعالى، وإنما هو نشاط مشبوه وخطير، يصب في مسار التطبيع والتتبيع والجوسسة، وإخضاع العالم العربي للمصالح الاستعمارية (الاميركية أساسا) والصهيونية. ومن هنا لا بد من النظر إليه، وبالتالي التعامل معه، بالكثير من الشك والريبة، دون ثناء كبير على السياسة السعودية او تحركات ولي عهدها، أبو المنشار محمد بن سلمان (ويُسمّى كذلك نسبة للمنشار الذي قطّعت به جثة الخاشقجي، بعد أن أمر بن سلمان بقتله إثناء زيارته للقنصلية السعودية في اسطنبول).
أبو المنشار محمد بن سلمان السعودي يتلظى وراء التمسك بحل الدولتين لاستعماله كورقة تين لستر عورته في قناعته (التي تكاد تكون شبيهة بقناعة سيء الصيت والسمعة أنور السادات، عندما ذهب للتطبيع مع إسرائيل) بضرورة التطبيع مع الكيان الصهيوني، للحصول على ضمانات أمنية أميركية ومساعدات تقنية في مجال الاستخدام السلمي للذرة. وما يسمى ضمانات أمنية مطلوب لمواجهة ما يسمى "الخطر الإيراني"، مع أن إيران لم تعتد على أي من جيرانها العديدين، وهم 7 دول مختلفة، بل كان عربان الخليج المعتدين، وعلى رأسهم السعودية، هم الذين حرضوا صدام حسين أيام زمان، خلال ثمانينات القرن الماضي، بمهاجمة إيران, وكما أنهم قاموا أيضا بتمويل تلك الحرب (وحتى الآن لم يعاقبوا بسبب ذلك).
إلا أن السعودية، من ناحية ثانية، في هرولة أبو المنشار وراء التطبيع، لا تستطيع أن تصرف بتلك الطريقة من الرخص والوضاعة التي تصرف بها غيرها، كما فعل، مثلا، ذلك الفاجر الحاقد المتخلف الإعرابي محمد بن زايد / ناقص، بتاع أبو ظبي، الذي وقّع اتفاق تطبيع مع إسرائيل دون أن تُذكر فيه كلمة فلسطين (كذا!). فالسعودية تطمح لان تكون زعيمة العالمين العربي والإسلامي، وان كانت تسير بخطى حثيثة على طريق فقدان هذه الزعامة. كما أنها صاحبة مشروع السلام العربي 2002، المعتمد عربيا وإسلاميا. ولذلك لا تستطيع التنازل عن حقوق العرب والمسلمين في فلسطين والأقصى. وعليه، بالتالي، لا تستطيع إلا المطالبة بقيام دولة فلسطينية، ولو من قبيل على عينك يا تاجر.
مشكلة السعودية، وكل مؤيدي حل الدولتين، هي انفصامهم عن الواقع في إسرائيل وفلسطين، وبالتالي جهلهم به. الحديث عن قيام دولة فلسطينية هو، بالنسبة لإسرائيل الرسمية وكذلك معظم الإسرائيليين، مدعاة للملل والتثاؤب وعدم الاكتراث. هذا الموضوع بالنسبة للأكثرية الساحقة من الإسرائيليين قد انتهى وليس موضع نقاش. وإحدى الأسباب الرئيسية لذلك هو سوء الأداء الفلسطيني والعربي، بعد أن تحولت أنظمة التطبيع العربية المعنية، وعلى الخصوص منها الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، إلى تابعين وجواسيس لأميركا وعملاء لإسرائيل. فالنظام الإسرائيلي يعتقد أن الفلسطينيين لا يستطيعون القيام بثورة ولا يستحقون دولة، بل بالنسبة لعضهم على الأقل من المستحسن أن يهاجروا من البلد.
ويكفي للإشارة على عمق استخفاف الإسرائيليين، حكومة ومعارضة، بالفلسطينيين وقضيتهم أنهم منذ نحو 10 سنوات يرفضون حتى مجرد الحديث مع من يسمي نفسه ‘"رئيس" ما يسميها ‘"دولة" فلسطين، محمود عباس، الذي أسبح، نتيجة للسياسات الخائبة التي انتهجها، كعميل امني لإسرائيل، لا أكثر من مختار فلسطين ورئيس بلدية رام الله – وليس في العير ولا النفير. والانكى من ذلك أن فلسطين، وخصوصا في الضفة الغربية، تحولت في عهده إلى مستعمرة إسرائيلية.
غير انه على الرغم من هذا التناقض المطلق في المواقف السياسية لا يُعدم الإسرائيليون طريقة يسترون بها عورة مؤيدي التطبيع في السعودية، وذلك بخلق وضع تستطيع معه السعودية التبجح بتأييد القضية الفلسطينية، دون آن تقوم بأي عمل ملموس في هذا الصدد؛ أي، مثلا، كما تفعل أنظمة العمالة والجوسسة في الأردن ومصر (وهم "إخوة" مختار فلسطين، كما تسميهم وكالة "وفا").
إلا أن مثل هذه الطروحات أصبحت نوعا من الأحلام. زمن أول تحوّل، ومنذ "طوفان الأقصى" أصبحت المقاومة، بأدائها على الجبهات المختلفة خلال أكثر من سنة، هي التي تضع النغم في الموسيقى، بعد أن خرجت من عنق الزجاجة. وبالتالي لن تمر أية ترتيبات في المنطقة، حتى ولن حظيت بتأييد انظمة التطبيع والتتبيع والجوسسة العربية كلها، دون موافقة المقاومة بأركانها المختلفة.
وما يثير الغضب والحنق في "حدوثة" التطبيع هذه هي أن السعودية ليست بحاجة لأميركا ولا لإسرائيل. انها ليست نظام شحاذين متسول، يركض وراء فتات المساعدات التي قد يتكرم بها المستعمرون الاميركيون عليهم، مثل الاردن او مصر او سلطة اوسلو.لدى هذا البلد من الموارد ما يسمح له بتوفير كل احتياجاته، عسكرية كانت ام مدنية، ومن خلال القفز تماما عن كافة المطبات الاميركية. ومن المستحسن أن تنتهج السعودية مثل هذا المسار، اذ بعكس ذلك ستتحول إلى ما يشبه النظام المصري، لا يعوّل احد عليها.
سياسة إيران تعتمد على أسس أن الشرق الأوسط هو لسكانه ولدولهم، وليس لأميركا او باقي المستعمرين الغربيين او إسرائيل. ومن هنا يوجد أساس واسع ومتين للاتفاق مع إيران، وليس مخاصمتها. وإيران تبقى في النهاية بلدا مسلما وقريبا من العرب، لا استعماريا ولا صهيونيا.
صبيانيات ابو المنشار يجب ان تتوقف.