اهلا
تواصل الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو إطلاق التهديدات التصعيدية بموازاة مواصلة العدوان المجزري في غزة جنوبا وفي لبنان شمالا، وخصوصًا جنوبه. وهم يتوهمون أنهم بهذا ينجزون خطوات في مخطط "تغيير الشرق الأوسط" المغرور والمتغطرس، ويحاولون إيهام المجتمع الإسرائيلي أنهم يحققون بهذه الحرب أمنًا وسلمًا له.
لكن الجميع يرى، وإن لم يكن كله يعترف، أن هذه الحرب التي دخلت عامها الثاني والتي اتسعت رقعتها الدموية مؤخرًا لتشمل معظم أراضي دولة لبنان، لم تؤدّ سوى إلى الكوارث والانهيار السياسي والأخلاقي والاقتصادي وانسداد الأفق ومراكمة الإحباط، ومراكمة سجلات جرائم الحرب. والواقع واضح لمن لا يريد خداع الذات، فلا الصواريخ على العمق الإسرائيلي توقفت، ولم يستعِد المواطنون الشعور بالطمأنينة، ولم يعد سكان البلدات الحدودية لبيوتهم. هذا لن يتحقق بالحروب!
وتتزايد هذه الأيام، وإن كان الأمر ببطء، الأصوات التي تكاشف بالحقيقة البسيطة: لن تحقق الحرب أي إنجاز سياسي لإسرائيل، وهي تقترب من مراحل شديدة الخطورة أولها الاستنزاف بلا أفق وأكثرها تطرفًا الحرب الإقليمية المفتوحة. وينقل الاعلام هنا وهناك بعض التقارير والمواقف القليلة العقلانية - وسط طغيان بروباغاندا مؤسسة الاحتلال - ويقول فيها باحثون وصحفيون ومراسلون عسكريون إن هناك كذب على الرأي العام، وإن الكثير من العمليات الحربية بلا مبرر وهدف، وإن هناك مخططات تهجير واستيطان في شمال غزة، وإنه لا يمكن إعادة الهدوء لفترة ما قبل الحرب في الشمال إلا بتسوية سياسية – وهو كلام يقوله أيضًا ضباط في الميدان.
منذ عام ونحن نؤكد ولا نزال وسنظلّ نرفع الصوت ضد الحرب ومطالبة كل ذي رشد ومنطق بسيط في المجتمع الإسرائيلي بالتعلم من تجارب الماضي الطويل الثقيل: لن تحقق النزعة والعقلية والممارسة الحربية العدوانية أيّ أمن وأيّ سلم لأحد. أبدًا! وحدها الانعطافة السياسية الكاملة من هذه العدوانية نحو سبل ومسارات المفاوضات وآفاق التسويات السياسية، ولو بأدنى درجات العدالة، يمكنها البدء بنقل هذه البلاد والمنطقة برمتها من حضيض الاحتلال والاستيطان والتهجير والحرب إلى بدايات تحقيق استقرار وطمأنينة ووضعية من اللا-حرب، على الأقل!