اهلا إعادة بناء هيكلية الحزب (2)… إستهداف صفي الدين قبل إكمال وفد إيراني تنصيبه وعليه، فإن “حزب الله” لم يكتسب هذه الشهرة الكبيرة كونه أحد أقوى الأذرع الايرانية إلا لنجاح هذه القيادة، وتحديداً الأمين العام السيد حسن نصر الله، إضافة إلى مجموعة القيادات التي اغتالها مؤخراً العدو الاسرائيلي، قبل إغتيال نصر الله، والذي وضع نصب عينيه أنه لا يستطيع أن يهزم الحزب على المستوى العسكري، من دون أن يحرمه من مجهود هذه القيادات وخبراتها، وعلى رأسها نصر الله نفسه. لذلك، يواجه “حزب الله” تحدياً هائلاً يتعلق بسد الثغرات التي سمحت للعدو الاسرائيلي بإغتيال قيادته الى أن بلغ به الإمعان في ساسية “التصفية” أن يغتال أمينه العام، بعد أسبوع واحد فقط من تفجير مئات من أجهزة “البايجر” و”الووكي توكي” المفخخة، وإغتيال كبار قادته. إلا أنه وعلى الرغم من أهمية القادة الذين تم إغتيالهم، فإن إغتيال “السيد” شكل ضربة كبيرة للحزب قيادة وكوادر ومقاتلين وجمهوراً، نظراً الى “رمزيته المرجعية” (دينياً ودعوياً وسياسياً وجهادياً وتأثيرياً)، بحيث يجمع المحللون على أن نصر الله الزعيم الشعبي وأحد أقوى الشخصيات في المنطقة، سيكون من الصعب استبداله، لأنه كان “شخصية استثنائية وخطيباً موهوباً، إستطاع أن يجذب قاعدته الشعبية بسحره، وفي الوقت نفسه يرهب خصومه بخطاباته النارية”. إغتيال نصر الله، شكّل ذروة الضربات القاصمة التي وجهتها إسرائيل الى الحزب، بعد سلسلة من الاغتيالات لقيادات الصف الأول، وضربة استخباراتية بتفجير آلاف الأجهزة بين أيدي عناصره. فعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، قاد نصر الله “حزب الله” ليصبح قوة إقليمية، ما أكسبه العديد من الأعداء في المنطقة، وكانت قيادته ترتكز بصورة كبيرة على الصراع مع إسرائيل. ففي ظل قيادته، أجبر “حزب الله” الجيش الاسرائيلي على إنهاء احتلاله الذي دام 18 عاماً لجنوب لبنان والانسحاب في عام 2000، كما أعلن نصر الله في عام 2006، “النصر الالهي” على إسرائيل بعد خوض الحزب حرباً استمرت شهراً، إنتهت بفشل الجيش الاسرائيلي في تحقيق أهدافه، ما أكسب الحزب وقائده الاحترام والاعجاب في جميع أنحاء المنطقة. كذلك، إن قوة نصر الله كقائد كانت تكمن في قدرته على توحيد الأجزاء المختلفة من “حزب الله”، وهو الأمر الذي سيكون تحدياً لمن يخلفه. وبحسب مراقبين مطلعين على الحزب وبيئته وتركيبته، فإنه، بعد اغتيال أمينه العام، ليس كما هو قبله، لأن شخصية نصر الله، التي كانت تختصر تنظيمه، يستبعد كثيرون، أن يأتي بعده من يستطيع أن يملأ الفراغ، الذي تركه اغتياله. وعلى الرغم من أن “حزب الله” سعى في الأيام التي تلت الاغتيال، إلى إظهار نوع من التماسك، ليعيد شد عصب الجماعة من خلال كلمة نائب الأمين العام نعيم قاسم، الذي أكد أن الحزب مستمر في أهدافه وميدان جهاده، وكذلك متابعة “منظومة القيادة والسيطرة”، وهي التي حكي الكثير عن تضرُرِها بعنف، نتيجة كثرة الاختراقات وعمقها، والتي تمظهرت، ابتداءً من اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، مروراً باغتيال القائد العسكري لـ “حزب الله” فؤاد شكر بغارة جوية أيضاً في الضاحية، وما تبعهما من اغتيالات لقيادات تُشكل رأس هرمية الأجنحة العسكرية، وصولاً إلى ذروة الاستهداف، نصر الله نفسه. وفي الوقت الذي يجمع فيه كل المحللين والمتابعين، وصولاً الى أوساط “حزب الله” نفسه، على أنه ليس من الأمر اليسير أن تملأ أي شخصية قيادية الفراغ “القاتل” الذي خلفه إغتيال “السيد”، إلا أنهم يؤكدون أن “حزب الله” تاريخياً كان يستبدل قادته بسرعة، مشيرين إلى أن هاشم صفي الدين، قد جرى إعداده لفترة طويلة ليخلف نصر الله، الذي وضعه على مر السنين، على المسار الذي يؤهله لتولي زمام القيادة، علماً أن الحديث عن خلافة نصر الله كان من المحرمات في صفوف أنصار الحزب قبل اغتياله، إلا أن عدة آراء كانت تعتقد أن صفي الدين هو من يتمتع بمنصب الوريث غير الرسمي. باستثناء حدوث تغيير جذري داخل الحزب أو ضربة إسرائيلية استباقية تستهدفه، فإن اسم هاشم صفي الدين كان الأكثر تداولاً لخلافة ابن خالته حسن نصر الله على الرغم من أن الرجل الثاني رسمياً في “حزب الله” هو نعيم قاسم، الذي أشار في أول خطاب له منذ اغتيال نصر الله، الاثنين 30 أيلول، إلى أن الحزب سيختار أميناً عاماً جديداً في أقرب فرصة، وبالنظر إلى النظام المعتمد داخله فإن من المتوقع أن ينظم مجلس الشورى الذي يعتبر الهيئة العليا للحزب انتخابات لعهدة مدتها ثلاث سنوات. وبالفعل، بدأت قيادة الحزب تنسق مع القيادة الايرانية للتوافق على خليفة نصر الله، وسط تكتم شديد، إذ تكشف مصادر مطلعة أن وفداً ايرانياً رفيعاً حضر سراً الى لبنان بعد إغتيال نصر الله، للقيام بهذه المهمة، فضلاً عن معاونة الحزب على كيفية معالجة “الفجوات المميتة” للإختراقات الأمنية والمخابراتية التي كشفت ظهره، وجعلته يتعرض لهذا الكم الهائل من الضربات والاستهدافات. وفي وقت لا تزال تطرح فيه وبقوة أسئلة حول قدرة “حزب الله” على استيعاب خسارة زعيمه الشهير، الذي كان يمثل ركيزة إيديولوجية واستراتيجية له، فإن صفي الدين كان يبدو المؤهل أكثر من غيره لترؤس الحزب، بحيث يستطيع الاعتماد على دعم شقيقه عبد الله صفي الدين، رئيس مكتب “حزب الله” في إيران، وهو صاحب نفوذ كبير، أدرج مثل هاشم على قائمة الارهابيين التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية بسبب ارتباطهما بالحكومة الايرانية. كذلك، كان صفي الدين (عملياً وفعلياً) الرجل الثاني داخل الحزب، بحكم العلاقة الوثيقة والثقة المطلقه بينه وبين نصر الله (بمعزل عن صلة القربى)، وخير دليل على ذلك، أنه وعلى مدى ثلاثة عقود أمسك بكل الملفات اليومية الحساسة، من إدارة مؤسسات الحزب إلى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركاً الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله. في الوقت الذي كان يجري فيه الوفد الايراني مباحثات مكثفة مع أبرز قادة “حزب الله”، بصورة منفردة وليس جماعياً، لاعتبارات أمنية، كان الهدف منها الاسراع في انتخاب صفي الدين أميناً عاماً للحزب،من دون الإعلان عن ذلك، خشية تعرضه إلى اغتيال، وذلك بهدف الإمساك بمفاصل الحزب وتشكيلاته القيادية، حفاظاً على تماسكه من خلال المرجعية القيادية العليا للحزب المتمثلة بالأمين العام، لكي يتمكن من مواجهة أكبر حرب يتعرض لها، من خلال إنتظام عمل هيئاته القيادية والتنفيذية، شنّ طيران العدو الاسرائيلي مساء الخميس غارة كبيرة على الضاحية الجنوبية، قدرت قوتها بحجم الغارة التي إستهدفت الشهيد حسن نصر الله، وما لبث أن أعلن في بيان لجيشه أنها إستهدفت السيد هاشم صفي الدين. ومنذ تنفيذ الغارة، لم يصدر أي بيان عن “حزب الله” يؤكد الخبر أو ينفيه، في حين أن الاعلام الاسرائيلي والغربي، بدا غير متيقن من نجاح العملية، الأمر الذي أبقى الأمور غامضة. بانتظار أن تتكشف الأمور، وما إذا كان صفي الدين هو المستهدف، فإن الحزب أمام تحدٍ جديد على الصعيد القيادي والتنظيمي، بشأن الآلية البديلة التي سيضطر الى اعتمادها بشأن هرمية قيادته وآليتها في أخطر وأصعب مرحلة يعيشها، والتي لا مبالغة إذا وصفت بأنها “حرب وجودية”.
إن التنظيمات التي من نوع “حزب الله” الفاعلة والمسلحة على وجه الخصوص التي تنتهج العمل والأداء السري بشكل أو بآخر، تتأثر بفقدانها قياداتها من الناحية العملية والنظرية، إذ ان هذه القيادات لا يقتصر عملها على الادارة ورسم السياسات والاستراتيجيات (الادارة اليومية والادارة العسكرية) وحسب، بل تمثل تلك القيادات في كل المرحلة العمرية لهذه التنظيمات “الصندوق الأسود” الذي يجمع بيديه الخطوط كافة، من حيث الداعمين الخارجيين والممولين، وطريقة التعامل مع النفقات والأسلحة والذخائر، والتخزين وغيرها من الأمور اللوجيستية التي تمثل العمود الفقري عملياً في حياة هذه التنظيمات.