
















اهلا- زياد عيتاني-بيروت رد الحزب بين العقلانية وخيبة الأمل
بعد 27 يوماً من إغتيال القائد العسكري (الأعلى رتبة) في “حزب الله” فؤاد شكر، شن الحزب “عمليّة الأربعين” الانتقامية، من خلال إطلاق نحو 340 صاروخاً وعشرات المسيرات الهجومية الموجهة ضد قواعد عسكرية في محيط جغرافي يمتد من الشمال الاسرائيلي حتى تل أبيب ليستهدف 11 هدفاً منها 4 أهداف في الجولان، فضلاً عن قاعدتين في تل أبيب إحداهما جوية والأخرى استخباراتية وتعتبر مقراً سرياً، فيما يبدو أنه محاولة من الحزب لتثبيت معادلة جديدة للردع تشمل استهداف ضاحية تل أبيب الشمالية مقابل استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، واستهداف قواعد عسكرية سرية مقابل استهداف قادة الصف الأول.
وعلى الرغم من تحقيق “حزب الله” نجاحاً عملياتياً، فإن العملية وحجمها لم يكونا متناسبين مع اغتيال قيادي تاريخي ويحمل الرتبة العسكرية الأولى لـ”حزب الله”، وسط معركة مستمرة منذ الثامن من تشرين الأول، إضافة إلى سياقها المرتبط بحرب الإبادة في قطاع غزّة، وارتباطها بمجريات العملية التفاوضية “المستحيلة”. كان الرهان معقوداً على أن يمثل رد “حزب الله” بداية لمرحلة جديدة من الاشتباك في جبهة الشمال، تنتهي بها مرحلة “الإسناد” (ولو مؤقتاً، وتتحول فيها الجبهة من ساحة اشتباك تكتيكي إلى ساحة اشتباك إستراتيجي).
صحيح أن العملية كشفت من الناحية العسكرية عن حالة من الخلل الاستخباري لاسرائيل، على الرغم من قدراتها الاستخبارية العالية، سواء كان ذلك على صعيد تقدير حجم ضربة “حزب الله”، أو الهدف المنشود استهدافه، أو توقيتها، أو حتى القدرة على الكشف الدقيق عن حركة المقاتلين، وأماكن تذخير إطلاق الصواريخ والمسيرات، إلا أن عملية الرد مثّلت خيبة أمل كبيرة عند الحزب وجمهوره، ولم تمنحه أي رصيد إضافي، كونها أفقدته ورقة تلويح “حزب الله” بالقوة التي امتلكتها طيلة 27 يوماً. فـ “حزب الله” كان مثقلاً بوعود ما أسماه “الرد المزلزل” ومضطراً للوفاء بهذه الوعود أمام جمهوره، خصوصاً مع تصعيد القصف الاسرائيلي خلال الأسبوع الماضي في البقاع وصيدا وسائر الجنوب، حيث بدا وكأن تأخر الرد قد أغرى إسرائيل بالتمادي في استهدافها، لمخازن الصواريخ والذخائر. وهذا ما دفع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله الى تقديم شرح تفصيلي لكيفية رصد إسرائيل الهجوم قبل وقوعه بدقائق كي ينفي عنها أي نجاح معلوماتي في هذا الصدد، بل شدد أكثر من مرة على أن الهجوم يعكس الفشل الاستخباراتي الاسرائيلي، شارحاً بصورة مفصلة عملية إعداد الهجوم وتنفيذه خلال إطلالته، كي يضيف للهجوم زخماً إعلامياً أكثر مما حققه بالفعل على أرض الواقع، فيكون بذلك- في رؤيته- قد وفى وعده بـ”الرد المزلزل” من دون أن يشعل حرباً واسعة.
وبعد نحو 12 ساعة من تنفيذ الهجوم، ألقى حسن نصر الله خطاباً لشرح تفاصيل الهجوم ولتفنيد ما اعتبره ادعاءات إسرائيلية بأن الهجوم قد أحبط. إذ اعتبر أن الرد الذي وجهه “حزب الله” على اغتيال فؤاد شكر قد أُنجز بحسب ما كان مخططاً له، ولم يتأثر بالهجوم الاستباقي الذي ادعت إسرائيل أنها نفذته. وإهتم بالحديث عن تفاصيل تتعلق بتوقيت الهجوم، وتحديد الهدف ومراحل تنفيذ العملية وطبيعة الصواريخ المستخدمة ولكنه سكت عن وصف المسيرّات وعددها. وأوضح نصر الله أن الحزب أراد انتقاء الهدف بدقة من بين بنك الأهداف الزاخر الذي يملكه، فهو هدف عسكري بالأساس، لأن “حزب الله” قرر منذ منتصف التسعينيات الإحجام عن استهداف المدنيين الاسرائيليين كي يحمي بذلك المدنيين اللبنانيين. كما أنه هدف يطال مقراً يعتقد الاسرئيليون أنه سري للمخابرات العسكرية، وهو استهداف لوحدة المخابرات العسكرية المسؤولة عن الاتصالات الاستخباراتية وبالتالي تختص بالتعقب والرصد وتقدم المعلومات اللازمة لتنفيذ الاغتيالات.
الخلاصة أن العملية لم تكن على قدر الشخصية التي اغتالتها إسرائيل، ولم يأتِ الردّ موازياً لقواعد الاشتباك التي خرقتها، من استهداف للضاحية، إلى استهداف لمدنيين، بل جاءت أقل بكثير من مستوى الخشية التي كانت تعيشها. وهذا ما سيعيد جبهة الجنوب الى قواعد الاشتباك التقليدية، بحيث بات يخشى أن تتحول جبهة “المساندة” و”المشاغلة” إلى حرب إستنزاف، تفرض على قيادته مناقشة جدية وعميقة وموضوعية، عن جدوى إستمرار جبهة الجنوب مفتوحة، بعدما إنتهت “عسكرياً” حرب الإبادة الجماعية على غزة، من دون أن تحول “جبهة المشاغلة” دون تحقيق المخطط الاسرائيلي “الجهنمي”.