
















اهلا- صبري جريس-فسوطة التاريخ لن يعيد نفسه، ولا ينبغي السماح بذلك
في منع توسيع التطبيع او تكرار المؤامرات الاستعمارية
ليس هناك من شك في أن أسباب الحرب على فلسطين، المستعرة منذ نحو 10 أشهر، والتي يدفع الفلسطينيون إثمانا ناهضة لها، تعود أولا وأساسا إلى المحاولات الاستعمارية، التي يقودها المستعمرون الأميركيون الجدد (وهو وصف هدفه تمييزهم عن المستعمرين الأوروبيين القدامى، أمثال بريطانيا وفرنسا) لتثبيت زرع عملائهم المستعمرين الصهيونيين في المنطقة، بل حتى جعلهم "جزءا منها". وكانت هذه هي فكرة الخرفان الشخاخ، الذي يتبرز على نفسه في حفاظه، الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، والذي سنرتاح منه بعد بضعة أشهر، على أي حال.
وللوقوف على أبعاد هذه المؤامرات، على المخاطر التي قد تجرها على المشرق العربي، يكفي أن نشير إلى ذلك التناغم القائم بين الحزبين الكبيرين في بلد المستعمرين الأميركيين، وكيف يكمّل كل منهما الآخر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحفظ على اسرائيلهم وتمكينها من تأدية دور العمالة للمصالح الاستعمارية في منطقتنا – وهي التي تعتبر أساسا جزءا لا يتجزأ من تلك المصالح، في أي حال.
الكل يتذكر ما فعله ذلك البلطجي الأرعن، المسمى ترامب، عندما كان رئيسا، وكيف كاد يهلك نفسه لإنشاء وتطوير ما سماها اتفاقيات أبراهام، التي استغلها لتطبيع العلاقات بين اسرائيلهم وكل من عورة النملة البحرين ومحمد بن ناقص بتاع الإمارات وملك المغرب، الذي يعقد "أحلافا عسكرية" مع إسرائيل. هذه "المآثر" التي أسس ترامب لها تبناها خلفه الخرفان بايدن وسعى للبناء عليها وتوسيعها، بإضافة الجمل السعودي إلى شلة المطبعين، مبديا استعداده حتى لعقد حلف أميركي دفاعي مع السعودية، لإغرائها على التطبيع مع إسرائيل.
وكانت هذه هي الخلفية التي انطلقت حماس منها لشن عملية "طوفان الأقصى"، لإفشال هذه المؤامرة، كما أوضحت فيما بعد صراحة في بيان مطوّل صدر عنها، بعنوان "لماذا طوفان الأقصى؟". وقد صادق بايدن، بطريقته الخاصة به وفي تصريحات واضحة صدرت عنه، على صحة ما ذهبت إليه حماس في قراءتها لما يحاك من مؤامرات اميركيىة صهيونية خليجية، وبالذات سعودية.
هناك ما يدفع السعودية، خصوصا عندما تكون في قيادة غلام مثل محمد بن سلمان، "ابو المنشار" (نسبة للمنشار الذي قطّعت به جثة الخاشقجي، الذي أمر بن سلمان باغتياله في القنصلية السعودية في اسطنبول) للتحسب مما قد يحمله المستقبل من مفاجآت لها، خصوصا في ضوء رذالتها ودناءتها في الماضي – على اعتبار، جريا وراء القول المأثور، أن القط المخرّب يخاف من طقة قفل الباب. السعودية هذه، مع باقي "اطزاز" (جمع "طز") الخليج حرضوا ودفعوا وموّلوا حرب الخليج التي شنها صدام حسين العراقي، في ثمانينات القرن الماضي، ضد ايران. والسبب كرههم للثورة الإيرانية الشيعية، وذلك في فصل آخر من استمرار التخلف الناجم عن الخلاف السني الشيعي شبه الأزلي.
لقد خسرت إيران الكثير في حرب صدام ضدها، واضطرت إلى القبول بالهزيمة و"تجرع السم"، على حد تعبير الخميني في حينه. ولكن تشاء الأقدار، مرفقة بغباء الانظمة السنية الخليجية، ان تقدم لها خدمات جليلة. فبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية بفترة قصيرة ارتكب صدام حماقة غزو جارته الكويت، فدخلت المنطقة العربية في صراعات عميقة، مع بعضها البعض، استمرت نحو 15 سنة – ولكن بعيدا عن إيران.
هذه الصراعات العربية منحت إيران فترة ذهبية من الهدوء، لا تقدر بثمن، استغلتها على أحسن وجه لتطوير قواها الذاتية. فخلال هذه الفترة انتقلت إيران من دولة عالم ثالث إلى أخرى، تكنولوجية متطورة. فدخلت العالم الحديث من أوسع أبوابه وراحت تنتج، مثلا، الأقمار الصناعية والصواريخ بأشكالها المختلفة، من باليستي ومجنح وخلافه، إضافة إلى المسيّرات على اختلاف أنواعها. وباختصار، أصبحت قوة عسكرية يحسب لها حساب. وهي اليوم القوة الأولى في الشرق الأوسط، وليس غيرها.
لو كان هناك حكام عاقلون في السعودية خاصة (وليس الغلام ابو المنشار) والخليج عامة لأقدم القوم جميعا على فتح مسار تفاهم وتعاون بين العرب والفرس على كلا ضفتي الخليج، خدمة لمصلحة العرب والمسلمين والمنطقة يأسرها. أي، مثلا، تماما كما تفعل حماس وحزب الله في تعاونهما لصد العدوان - وهو ما يتم في إطار تعاون سني شيعي قل نظيره. ولو كان هناك شيء من العقلانية لدى الغلام ابو المنشار لاتعظ بما حدث مع مصر، عندما راحت، تحت تاثير خرف الفهلوي السادات، تطبّع مع الاسرائيل وتتعاون معها، وكانت النتيجة أن فقدت زعامة العالم العربي، ولم يعد "يعبّرها" احد.
على السعودية أن تدرك أن الصداقة مع الصهيونيين داء ليس له دواء، نهايته تصغيرها وتحجيمها، ووضعا في مصاف المطبعين الثلاثة الكبار، الأردن ومصر وسلطة / بلدية فلسطين. هؤلاء هم حماة ديار صهيون، وليس هناك من شرف او منفعة في الانضمام لهم. من يصادق الصهيونيين ويتعلق بأهداب المستعمرين الأميركيين يفقد زعامة او قيادة العرب والمسلمين – وهذا ينطبق على السعودية قبل غيرها.
تشاء الظروف أن تتجدد محاولات حياكة مؤامرة المستعمرين الأميركيين الجدد في السيطرة على المشرق العربي بعد قرن بالضبط، بالتمام والكمال، من استكمال ترسيم وتنفيذ مؤامرة المستعمرين القدامى، البريطانيين والفرنسيين. فحتى صيف 1923 كان أولئك المستعمرون القدامى قد انتهوا من وضع خططهم، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، لتقسيم المشرق العربي إلى كيانات منفصلة خاضعة لسيطرتهم، في وضع يؤمن مصالحهم. وبعد ذلك بقرن كامل، وفي صيف 2023 كان ورثتهم الجدد يستعدون لتمديد وتجديد مضاعفات تلك المؤامرة – وهو ما جرفه وألغاه "طوفان الأقصى".
وهذه المرة كانت محاولة تجديد النفوذ الاستعماري اميركيا مكلفة للغاية، دفع الفلسطينيون بالذات مقابلها الآلاف من الشهداء والجرحى. ولولا وقاحة بايدن وإدارته لما وصلنا أبدا إلى الوضع الحالي. وهذا، بحد ذاته، ولو كانت هناك قيادة فلسطينية تستحق هذا الاسم، لكانت عاقبت اولئك المستعمرين ياستثنائهم من المشاركة في أية حلول في المنطقة، مهما كان الثمن.
بقي أن نشير أن ما كان ممكنا قبل قرن من الزمن، من خداع الشعوب او الضحك على اللحى، لم يعد ممكنا اليوم. قوى الثورة والتغيير تنمو وتكبر وتنتشر في كل مكان. وعي ليست صامتة ولا يمكن أن تكون كذلك. ولن يستطيع عتاة الرجعية العربية بيع بضائعهم لشعوب أوطانهم مرة أخرى.
لا عودة للماضي ومؤامراته، ولا لعالم الخنوع الذي ميزه، مهما كان الثمن.