اهلا- زياد عيتاني- بيروت

تلويح إسرائيل بإغتيال نصر الله وتقرير “تلغراف” تعويض معنوي لها
لم ينتظر “حزب الله” طويلاً، للرد على إعلان إسرائيل أن جيشها أقر خطط ردع ضده، والاتفاق على تسريع جاهزية قواتها للهجوم على لبنان، بحيث تعمد الحزب عقب هذا الاعلان نشر فيديو لتصوير جوي فوق مناطق استراتيجية وعسكرية في ميناء حيفا، ما أثار انزعاجاً وإرباكاً كبيرين داخل المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، لأن الخرق الجوي ومحتوى التصوير هما الأكثر إثارة للقلق منذ بداية الحرب، ما يؤكد قدرات الحزب المخابراتية وتجميع المعلومات عن المنشآت الحيوية داخل الكيان الصهيوني من عسكرية وإقتصادية ونفطية.

وفي محاولة للرد على إختراق الحزب معلوماتياً الحدود الاسرائيلية، تحدثت تقارير إسرائيلية عدة عن عمق الاختراق الاستخباراتي في هيكل “حزب الله” لدرجة الحديث عن قدرة إسرائيل على اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله. فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن إيران حذّرت “حزب الله” من احتمال أن تقوم إسرائيل باغتيال أمينه العام، كاشفة أن مبعوثاً إيرانياً وصل الى بيروت فور اغتيال قائد وحدة “نصر” التابعة للحزب في جنوب لبنان طالب سامي عبد الله، والتقى مقربين من نصر الله لإبلاغهم قلق إيران من أن إسرائيل تستهدف الأمين العام نفسه. وأوردت “يديعوت أحرونوت” أن “الموساد يعرف على ما يبدو الموقع الدقيق لنصر الله في جميع الأوقات حتى لو غيّر أماكن وجوده، وحتى نصر الله نفسه يعرف أن إسرائيل يمكن أن تصل إليه ولكنها تحجم عن ذلك”. فهل إسرائيل جادة في إغتيال السيد نصر الله في حال بادر الحزب إلى شن هجوم على إسرائيل؟

هنا يجب الأخذ على محمل الجد التحذيرات التي نقلها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الى المسؤولين الاسرائيليين، من هجوم إيراني محتمل (يصعب صدّه)، جراء استمرار المواجهة بين تل أبيب و”حزب الله”، إذ نقلت صحيفة “هآرتس” أن هوكشتاين حذّر من احتمال أن تؤدي الحرب مع الحزب إلى هجوم إيراني واسع النطاق على إسرائيل، سيكون من الصعب على أنظمة الدفاع الاسرائيلية صده، ويترافق مع احتمال اطلاق نيران واسعة النطاق من “حزب الله” في لبنان.

يرجح المتابعون عن كثب للاتصالات الديبلوماسية، أن تلميح إسرائيل الى امتلاكها معلومات دقيقة عن أماكن وجود السيد نصر الله، لا يعدو كونه جرعة معنويات زائدة للداخل الاسرائيلي، في أعقاب الفيديو الذي سجلته المسيرة “هدهد”، ضمن قواعد سعي الطرفين، إسرائيل و”حزب الله”، إلى تسجيل النقاط التصعيدية ربما لتعزيز توازن الردع. وفي هذا الاطار، تناولت صحيفة “يديعوت أحرونوت” التقارير المسرّبة بالقول: “طالما كان مفهوماً أن حزب الله يعتقد أن إسرائيل لا تنوي القضاء على نصر الله، على مدار 32 عاماً من قيادته للحزب، فإن التقارير التي تسمّي أحياناً خلفاء محتملين تزعج نصر الله على الأرجح، بحيث يشتبه في أن تل أبيب تسرّب هذه المعلومات لإضعافه وخلق توتر داخلي في قيادة حزب الله”.

ويؤكد المتابعون أن خطوة “مجنونة” من هذا النوع تنطوي على حسابات بالغة التعقيد ونتائج كارثية على إسرائيل وعلى المنطقة بأسرها، الأمر الذي يكبح إسرائيل من أن “تطلق النار على رأسها”، وذلك للأسباب الآتية:

إقدام إسرائيل على إغتيال السيد نصر الله سيعقبه إنتقام شديد من دون قواعد ولا ضوابط ولا سقف، نظراً الى رمزيته الحزبية والدينية والمرجعية، وبالتالي سيؤجج النزاع في المنطقة. فلدى “حزب الله” ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف القادرة على بلوغ الأراضي الاسرائيلية، والسيناريوهات ترجح هجوماً كبيراً رداً على اغتيال نصر الله إن حدث.
بالنسبة الى “حزب الله”، الوضع يختلف بصورة كبيرة عن الساحة في غزة، فلبنان يتسم بالامتداد الإسنادي من الداخل السوري، والذي بات مرتبطاً بدوره بإيران. وهذا يمنح الحزب قاعدة دعم قوية، فهو امتلك قدرات عسكرية كافية خلال العقد الماضي ليشكل الآن “تهديداً إستراتيجياً” لاسرائيل، اذ يمتلك مئات الآلاف من الصواريخ المختلفة، بما في ذلك صواريخ موجهة بدقة وصواريخ كاتيوشا معدلة لزيادة الدقة، بالاضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات. كما تتضمن ترسانة “حزب الله” طائرات مسيّرة مجهزة بصواريخ روسية الصنع، بالاضافة إلى نوع من الصواريخ الايرانية يسمى “ألماس” مزود بكاميرا، مشابه للصاروخ الاسرائيلي “سبايك”، وهذا السلاح النوعي يغيّر قواعد اللعبة في حال نشوب حرب برية، لأنه يجعل المقاتلين أقل عرضة للهجمات الاسرائيلية، لا سيما وأن الفيديو التي نشره “حزب الله”، ينطوي على أبعاد بالغة الخطورة، بحيث وُضع في إطار ترسيم معادلات ردعٍ بـ”الأحمر العريض”، ليس أقلّها أن حيفا مقابل أي توسيع للحرب في اتجاه شمال الليطاني، وليس بيروت التي تحكمها معادلات أخرى ليس أقلها تل أبيب وما بعد.
إن إغتيال شخصية إستثنائية كالسيد نصر الله، سيؤدي حتماً إلى زعزعة في البنيان السياسي بلبنان، على غرار ما حصل في أعقاب إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (لا يزال لبنان والمنطقة يعيشان تداعياته)، وما يزيد من حتمية زعزعة الاستقرار السياسي، الفراغ الرئاسي وتعطيل عمل المؤسسات، ما سينجم عن ذلك صراعات داخلية وفوضى شاملة.
حصول حدث مزلزل بهذا الحجم ستكون إرتداداته على مستوى المنطقة بأسرها، بحكم حضور الحزب في دول الاقليم، الأمر الذي سيعرّض المصالح الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة للاضطراب. وهذا ما سيؤدي الى تعميق أزمات المنطقة، في وقت تسعى فيه الادارة الأميركية الى إحتواء التوترات.
من خلال قراءة موضوعية لتلك الأسباب، فإن تلويح إسرائيل بإغتيال السيد حسن نصر الله (ولو مواربة)، لا يعدو كونه تعويضاً معنوياً، بعد تمكن الحزب بواسطة “الهدهد” من إختراق الأجواء الاسرائيلية وإجراء مسح معلوماتي دقيق، وبالتالي وسيلة لإبقاء الحزب تحت تأثير الضغط النفسي.

و”حزب الله” الذي يجيد جيداً وبصورة عميقة وموضوعية تحليل السلوك الاسرائيلي وقراءته بكل جوانبه السياسية والعسكرية والأمنية والاعلامية، أبطل سريعاً مفعول “جرعة” المعنويات، التي حاول العدو الاسرائيلي من خلالها التعويض عن الإحراج الكبير الذي مني به، فعمد ليل السبت الماضي إلى بث مقطع فيديو جديد تحت عنوان “إلى من يهمُّه الأمر”، كشف فيه عن مواقع إستراتيجية في إسرائيل بإحداثياتها ومن دون أي ذكر لها، وسط حديث عن أنها لأهداف “لا تعلمُ بها إلا المنظومة الأمنية في تل أبيب”. والجزء الثاني مما رصدته “هدهد”، أربك الجيش الاسرائيلي مرة أخرى، فعمد إلى تسريب تقرير لصحيفة “تلغراف” البريطانية عن تخزين الحزب لصواريخ نوعية في مطار رفيق الحريري الدولي.