
















اهلا- د. جمال الشريف رحيل الكاتب والشاعر والمثقف الفلسطيني الكبير زكريا محمد
رحل اليوم امس الأربعاء الكاتب والشاعر والمثقف الفلسطيني الكبير زكريا محمد عن عمر ناهز الـ73 عامًا، وهو في واحدة من ذروات إنتاجه البحثي والابداعي.
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية، الكاتب والشاعر زكريا محمد، الذي وافته المنية عن عمر ناهز 73 عاماً.
وقال وزير الثقافة عاطف أبو سيف، إن رحيل زكريا محمد يشكل خسارة للثقافة وللمثقفين الفلسطينيين، إذ قدم مساهمات جادة للشعر وللثقافة الوطنية الفلسطينية، وطالما كان نشاطه الأدبي والبحثي محط تقدير واهتمام، وكانت أعماله الشعرية ومساهماته الأدبية تحفز على الإبداع، وكرس جل حياته من أجل قضية شعبه وحريته ونضاله.
ويذكر أن الراحل محمد وُلد في قرية الزاوية بمحافظة سلفيت عام 1950، ودرس الأدب العربي في جامعة بغداد، وانتقل إلى بيروت وعمل في الصحافة عام 1975، وعمل منذ الثمانينيات في منابر إعلامية وثقافية فلسطينية مختلفة في بيروت وعمّان ودمشق، أهمها مجلات "الحرية"، و"الفكر الديمقراطي"، وعاد إلى فلسطين عام 1994 وتولى منصب نائب رئيس تحرير مجلة "الكرمل" التي ترأسها محمود درويش.
من إصداراته في المثيولوجيا: ديانة مكّة في الجاهليّة: كتابُ الميسر والقداح، ديانة مكّة في الجاهليّة: الحمس والطلس والحلّة، مضرّط الحجارة: كتابُ اللقب والأسطورة، ذاتُ النحيين: الأمثال الجاهليّة بين الطقس والأسطورة، نقوشٌ عربيّة قبل الإسلام، اللغز والمفتاح: رُقم دير علا ونقوس سيناء المبكّرة، نخلة طيء - كشف سر الفلسطينيين القدماء، عبادة إيزيس وأوزيريس في مكة الجاهلية.
وأصدر في أدب الأطفال: أول زهرة في الأرض، مغني المطر، كما أصدر في الرواية: العين المعتمة، عصا الراعي.
أما في الشعر فأصدر: قصائد أخيرة، أشغال يدوية، الجواد يجتاز أسكدار، ضربة شمس، حجر البهت، كشتبان، علندي، زرواند.
وتُرجمت أعماله إلى عدد من اللغات منها اللغة الكورية.
"كان من المفترض أن أموت قبل ثلاثة وعشرين عاماً بالضبط"
كتب الشاعر والباحث الفلسطيني الكبير زكريا محمد مطلع هذا العام نصًا عنونه بـ""أرمي قبعتي عاليًا"، كانت طلبته منه جريدة "الأخبار" اللبنانية لمناسبة السنة الجديدة. الفقرات التالية تبدو اليوم شديدة المعنى، وعالية الحزن:
"الرقم 23 يمثل لي شيئاً ما. فقد كان من المفترض أن أموت قبل ثلاثة وعشرين عاماً بالضبط. ففي عام 1999، شخصت بأنني مصاب بسرطان القولون. لكن الذي حصل أن الأطباء قصّوا لي جزءاً من أمعائي الغليظة، ورموها ورموا السرطان معها، فنجوت وعشت.
وقد بدا لي بعدها أن الله كان بهذا يمنحني وقتاً إضافياً من أجل أن أنجز مهمات ما. لذا أغرقت نفسي في الشغل. توقفت عن كل شيء، وتركت الناس ومشاغلهم ورائي، وركّزت على الكتابة، على الشغل، ولا شيء غيره.
غير أنني لم أكن متأكداً تماماً من المهمات المطلوبة مني. حاولت جاهداً أن أتبيّنها، وأن أنجزها بكل ما استطعت من همّة. كنت أحس أحياناً أنني عرفت هذه المهمات. لكن في أحيان أخرى، يصيبني الشك حولها، فأتشتّت وأتشوّش، وأركض مسرعاً من هنا إلى هناك، من هذه المهمة إلى تلك. ثم أنام وأنا أدعو الله أن يدلني على المهمات التي أرادها مني. لكن يبدو لي أنه أعطاني الوقت، ثم ترك لي كي أتكهّن بما أراده مني تكهناً.
كنت أقول لنفسي أحياناً: أنا شاعر، والله يريدني أن أكتب شعراً جميلاً. هذه هي مهمتي. ويصيبني هوس الكتابة الشعرية. أكتب كل يوم. أكتب كل ساعة. أفكر شعراً وآكل شعراً. وأحاول أن أنقّي ذاتي، وأن أوقف تشتتي، كي أنجز المهمة على أكمل وجه.
لكن في لحظات أخرى، يُهيَّأ لي أنّ الله عهد إليّ بأكثر من مهمة في وقت واحد، وأن عليَّ أن أركض وراءها كلّها في اللحظة عينها. لذا، فأمامي على الشاشة مشاريع لعشرة كتب على الأقل. أنتقل من هذا إلى ذاك. وحين أغرق في واحد، يصيبني شعور بالذنب على إهمالي المهمات الأخرى.
وهكذا، أضيع بين المهمات. أعرف بشكل مؤكد أنها مهمة حربية، وأنها تتعلق بالكتابة، وأنّ عليّ أن أنجزها. لكنني لا أعرف أين تقع هذه المهمة بالضبط. لذا أنتقل من الشعر، إلى الميثولوجيا، إلى الأديان، إلى تاريخ فلسطين، إلى النقوش، إلى تاريخ اللغة العربية، إلى غوامض القرآن، إلى معتقدات العصر الحجري... إلخ. أركض كما لو أنّ أحداً يجلدني على ظهري ويصرخ بي: ألم أقل لك اركض؟ لقد أعطيتك وقتاً مستقطعاً، وعليك أن تدبّر أمرك فيه. عليك أن تركض. اركضْ، اركضْ. وأنا أركض في الوقت المستقطع. أقلب كل حجر وأرى ما تحته. لكنّ الحجارة كثيرة جداً.