اهلا-الباحث خالد ابو علي

شتــــــوة نَـيْسَــان ....هل تحيي الأرض والإنسان ؟؟
الباحث : خالـد أبــو علـي
تشهد فلسطين في هذه الأيام تقلبات جوية في حالة الطقس رياح خماسينية واجواء غائمه نتج عنها امطار وانخفاض حاد في درجات الحرارة وخصوصا في ساعات المساء والليل حيث سادت أجواء باردة نسبياً الى باردة في معظم المناطق الفلسطينية وهي موجة برد عادة ما تأتي في نهاية آذار وبداية نَـيْسَــان وتكون شديدة البرودة وخلالها تظهر سنابل القمح والشعير خضراء مكتنزة متهيأة لموجة دفء بعدها لتزداد نضجا وانحناء بثقل حباتها .
نَـيْسَان ( بفتح النون الأولى ) وحسب ما هو معروف هو الشهر الرابع (4) من شهور السنة الميلادية حسب الأسماء العربية الفصحى الواردة في المعاجم العربية ، وحسب الأسماء السريانية المستعملة في المشرق العربي ، يقابله في التسمية الغربية شهر أبريل .
وقال الفلاحون عن البرد الذي يحل في شهر نَـيْسَــان "برد السبل بتهــــدّ الجبل"او " سقعة السبل بترمي الجمل " و " سقعــــة الشعيـــر بتهــــدّ البعيـــر" وقد أسموه برد السبل لأن القمح في هذا الوقت يبدأ بالسَنّبَلة أي تبدأ السنابل تتكون من داخل العروق الخضراء، وقد اعتبروه من أقسى أنواع البرد وأشدها ضررا على صحة الإنسان.وقد لقب الأجداد شهر نَـيْسَــان بـــ ( نَـيْسَــان السبل ) تأكيدا على تزامن تكون ونضوج السنابل فيه .
وقيل عن هذه المنخفضات في التاريخ الشعبي والتقويم الفلاحي الفلسطيني:" بيضل البرد قايم ما دام النصراني صايم" و" ما دام النصراني صايم ما دام النوّ قايم "، فالمسيحيون الفلسطينيون يصومون في هذه الأيام، وبالعادة يوقت فلاحو بلاد الشام للامطار والاجواء من خلال الاعياد والمناسبات الكبرى، ولأجل ذلك قالوا أن الاجواء رغم اعتدالها ودخول الربيع تبقى قابلة لسقوط المطر في الفترة التي يصوم بها المسيحيون في بلادنا.
في شهر نَـيْسَــان ابريل تقل ألأمطار عادة ويكون المزارع قد حرث أرضه للمرة الثانية وينتظر المطر ، حيث من المتوقع ان تمطر السماء بشكل غزير في اليومين القادمين .
وحسب الأرصاد الجويه الفلسطينية يطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة يوم الثلاثاء 11/04/2023 لتصبح دون معدلاتها، ويتحول الطقس الى بارد ٍ نسبياً، وتسقط زخات متفرقة من الأمطار صباحاً وظهراً في مناطق عديدة، وتزداد البرودة مساءً وليلاً. ويوم الأربعاء 12/04/2023: تتأثر البلاد بمنخفض جوي مصحوب بكتلة هوائية باردة يتحرك من جزيرة قبرص الى جنوب تركيا وشمال سوريا، لذا يطرأ انخفاض ملموس آخر على درجات الحرارة ويتحول الطقس الى شتوي بارد بشكل لافت وغائم وماطر على فترات بمشيئة الله في معظم المناطق، وتكون الأمطار غزيرة احياناً ومصحوبة بالرعد وتساقط البَرَد، وبهبات قوية من الرياح، ويحذر من ارتفاع منسوب المياه وتشكل السيول في المناطق المنخفضة والأودية.
اليوم الإثنين العاشر من نَـيْسَــان هطل المطر على بعض المناطق في فلسطين واستبشر المواطنون خيرا لهذه الأمطار وجاءت هذه الأمطار في أوانها ، ومن الممكن ان تطيل فترة اخضرار المراعي خلال شهور الصيف، وهذا مفيد ايضا لمربي الماشية كما تحفظ الرطوبة في الأرض لفترة أطول وهي مفيدة ايضا لأنها تدعم الري الاستكمالي لأشجار الزيتون، وتحفظ الرطوبة عند جذورها لفترات أطول.
كما أن هذه الأمطار تسهم في قتل الحشرات والبكتيريا وتسهم ايضا في تنقية الجو بعد الأجواء الخميسينية التي سادت في فلسطين ، سيما وأنها تتزامن مع انخفاض ملموس في درجات الحرارة ليلا غير معتاد في هذا الوقت من السنة.
ويطلق الفلسطينيون على هذه الأمطار في هذا الوقت من السنة بـ" شتوة نَـيْسَــان " ويرى المزارعون هذه الشتوة ضرورية لمنافعها على بعض الزراعات والمحاصيل الشتوية والصيفية بالمقام الأول، أكثر من أهميتها للمخزون الجوفي . وفي تاريخ المثل الفلسطيني، قال الفلاحون عن هذه الشتوة " شتوة نَـيْسَــان بتحيي الإنسان"، للدلالة على ضرورة وجودها فهذه شتوة ضرورية للمحاصيل البعلية المتأخرة أو ما تعرف بين المواطنين باسم " المقاثي"، وهي محاصيل بعلية مثل البندورة، والكوسا، تروى بماء المطر".
شتوة نَـيْسَــان تنظف الجو من الحشرات الطائره والزاحفه والضارة بالبيئة والمزروعات لإحتوائها على نسبة أملاح عاليه لا تتحملها معظم الحشرات إضافة الى انها تعطي الارض نفسا جديدا كالظمآن وسط الصحراء وتقوم ايضا بتنظيف الارض من الاتربة والاوساخ المتراكمة لتعطي منظرا خلابا لفصل الربيع.
التراث الشعبي الفلسطيني حافل بالأمثال والحكم التي يتم عبرها توصيف أحوال الطقس والتغيرات البيئية المحيطة، الشيء الذي تنتجه التجربة، بخاصة لارتباط الطقس بمواسم الزراعة، والمجتمع الفلسطيني أساسًا مجتمع زراعي .
في شهر نَـيْسَــان ابريل تقل ألأمطار عادة ويكون المزارع قد حرث أرضه للمرة الثانية وينتظر المطر فتمطر مع في هذا الشهر مطرة قوية ويبرد الجو ويكون كأنه أيام الشتاء فيستبشر المزارع خيرا ويقال ( شتوة نَـيْسَــان تسوى العدة والفدان ) ويقال أيضا ( شتوة نَـيْسَــان إبتحيي ألإنسان ) وذلك لأن ألأرض تكون بحاجة إلى سقاية وفي هذا الشهر يكثر الندى في الليل وتكون رطوبة الجو مرتفعة ، والزرع في نَـيْسَــان يكون في أمس الحاجة الى المطر.
وقالوا إن " نَـيْسَــان بلا شتا مثل العروس بلا جلا" أي أن الامطار في نَـيْسَــان ليست غريبة ولا عجيبة ولا داعي لهذا الاستهجان، فنيسان يُعتبر من أشهر المطر.
"ما خلّى المثل وما قال " ، والمثل الشعبي قال الكثير في شهر نَـيْسَــان ، ومن أدقّ ما قال : مطرَةْ نَـيْسَــان بتسوى السكّة والفدّان والراقد عالصيصان "، "مطرة نَـيْسَــان جواهر ما إلها أثمان " ، " شتوة نيسان بتحيي كل عرق فان " ، " شتوة نيسان بتحيي الإنسان " ، " النقطة في نَـيْسَــان بتسوى كل سيل سال ". ، " مطر نَـيْسَــان خير وصحة للإنسان" .
أجدادنا ربطوا بين شهر نَـيْسَــان وبين المحل والخصوبة: " ان أخصبت وراها نيسان، وإن أمحلت وراها نَـيْسَــان " أجواء ماطرة تحمل الخير للأرض، ومثل ما قال جدودنا : " نَـيْسَــان بلا شتا، مثل العروس بلا جَلا " على ضوء شمع خاص يسمى الشمعدان وعلى أنغام موسيقى خاصة للتجلاية وهي في الأغلب أغنية " اتمخطري يا حلوة يا زينة " تسير العروس وتتمخطر وهي تحمل الشمعدان ويتبعنها مجموعة من البنات الصغيرات وهن يحملن الشموع ويشاركنها الرقص وفي أخر التجلاية ينظم العريس إلى عروسه ويحمل الشمع معها. وتعود تجلاية العروس إلى عهـد الكنـعانـيين حين كان الـزواج يقـام في معـبـد إلهة الخـصـب الكنـعانـية "عـشـتار"، حيـث كانـت تقـدم القرابـين لإرضائـها وتضـاء الشـموع للإحتـفاء بقداسـتها.
في شهر نَـيْسَــان تجلى الاجداد بالامثال التي تحمل البشرى والخير : " في نَـيْسَــان اطفي نارك، وافتح شبابيك دارك " ، و" في نيسان بتصير الدنيا عروس، وبخفف الناس الغطا واللبوس " ، و " في نَـيْسَــان بيدفا كل إنسان " ، " بين العقرب والنيساني ارفع غطاك الفوقاني " .
وهناك مجموعة أمثال أخرى تصف هذا الشهر الربيعي الجميل: " نَـيْسَــان بطَعمي الجوعان وبدفّي العريان " ، و " في نَـيْسَــان بتفقّس الصيصان " ، " انْ وَرّق التين، اعجني عجينك من غير تسخين ".
مثل: " الريّة ب نَـيْسَــان بتسوى الصمد والسكة والنير والفدان ". يعني أنه لا تحصل فائدة من سكة المحراث والفدان واستعمالهما في حرث الأرض مالم يرتو الزرع بمطر نَـيْسَــان.
ومثل آخر: " حشيش نَـيْسَــان بيحرك الكسلان" ، " بنيسان بتسرح الغزلان وبيفتح البستان" ، " في نَـيْسَــان.. الحصيدة وين ما كان " . " في نَـيْسَــان ظب العدة والفدان" أي الأعمال المتعلقة بالزراعة الشتوية تنتهي
و" إن أجا نَـيْسَــان حضروا له الفنجان " كناية عن الحث لتحضير لوازم الرحلات
كما وأضاف أن من الأمثال الشعبية أيضا " مطره نَـيْسَــان ذهب" و" نَـيْسَــان بلا مطر مثل عروس بلا جلوة " وكانوا يعتقدون فيما مضى أن مطر نَـيْسَــان يطيل الشعر فيقولون : " مطر نيسان يطول شعر الإنسان" ،
وايضا " ب نَـيْسَــان بتشتي عشية بتمشي الصبح محفية " و" ذهب نَـيْسَــان ذهب كيزان " وكيزان جمع كوز ويصير المعنى مطر نيسان كالذهب في الجرة.
وتوجد أمثال عن أمطار نَـيْسَــان على النقيض مما أوردنا مثل : " كانون فحلها ونيسان محلها "
وقيل كل مثل حسب الحالة المناخية التي كانت سائدة عند قوله، ومن الأمثال التي تشير إلى ارتفاع الحرارة " ب نَـيْسَــان بيدوب التلج وبيبان المرج " ،
كما نقلت بعض الأمثال التي تؤكد عدم استقرار حالة الجو بين المطر والانحباس والبرد والدفء، ومنها : " نَـيْسَــان لسانه فلتان" و" في نيسان أول النهار وَحِلْ.. وتاليه مَحِلْ ".
هذا ويدفع اعتدال الجو في نَـيْسَــان الناس إلى التخفيف من الثياب، وارتداء الثياب الصيفية في بعض السنوات فيقال " بنيسان بتزهر البساتين.. وبتحلا السيارين" و " ب نَـيْسَــان اطفي نارك.. وافتح شبابيك دارك.. واسبح بالشمس لزنارك" .
(المعلومات والأمثال من عدة مصادر ومراجع )