
















اهلا- جورج مناريوس باختصار شديد وبدل ان اكتب مقال طويل لتوضيح اساس الخلاف على طبيعة السيد المسيح بين الخلقدنيوين والاخلقدونين، قررت ان اكتب بعد السطور بلاستناد الى محاضر جلسات مجمع خلقدونية واقوال القديس كيرلس الكبير من القرن الخامس، وذلك لان مقولته الشهيرة عن طبيعة المسيح هي موضع الخلاف .
بل بلاحرى يرجع الخلاف الى فهم كل طرف من الاطراف لكمة " طبيعة " في مقولة القديس كيرلس الكبير عمود الدين : "الطبيعة الواحدة المتجسّدة للإله الكلمة" التي قالها باللغة اليونانية.
في الحقيقة انا لم اكتشف شيء جديدا، بل ما اختصرته لكم في هذا المقال هو امر معروف منذ سنين، فمن المعروف ان اساس الخلاف في خلقدونية هو خلاف لفظي و بعد ذلك تطور ليصبح خلاف عقائدي نتيجة بعض الاطماع السياسية والإقتصادية.
وبهدف نشر حضارة التقارب ومن باب التوعية عن اسباب الخلاف بين الكنائس الرسولية، خلافا لنشر الخلافات وكيل الاتهامات من الطرفين. رايت انه من المفيد نشر الحقائق و اساس الخلافات، لعل وعسى تساعد مثل هذه المنشورات في التقارب ما بين الإخوة بناء على توضيح الحقائق التاريخية، التي نيسناها او تناسيناها.
جميعنا كمسيحين نؤمن بان يسوع المسيح كلمة الله المتجسد هو ( اقنوم الكلمة المتجسد الواحد) او ( طبيعة واحدة ، مسيح واحد) ، مكون من طبيعتين طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية اي إنسانية.لكننا نختلف في التعبير عن هذا المفهوم الايماني وهنا تكمن المشكلة التي بدات في خلقدونية عام 451م.
تاريخيا يرجع اساس الخلاف الى أوطيخيوس Εὐτυχής او اوطاخي الذي كان رئيس دير في القسطنطينية يضم أكثر من 300 راهب، حيث كان يعلم ان المسيح اقنوم الكلمة المتجسد مكون من طبيعة واحدة.
كان اوطاخي يعلم ان : " طبيعتي المسيح، الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، اتحدتا وصارتا بعد تأنسه طبيعة واحدة، إذ ابتلعت الطبيعة الإلهية الطبيعة البشرية. " وهذا ما يسمى بالطبيعة الواحدة Μονοφυσιτισμός مونوفيزيؤس، وهذا ما نرفضه جميعنا.
و بسبب اعتقاده الخطاء هذا تقرر عقد مجمع مسكوني في مدينة خلقيدونية في العام 451 حضره حوالي 500 اسقف. وكان مجمع خلقيدونية المجمع المسكوني الرابع للكنيسة المسيحية الجامعة. ففي عام 450م. عندما صعد الامبراطور مرقيون العرش الامبراطوري وعلى الفور سعى لتحقيق الوحدة الكنيسة، التي كانت معرضة للخطر نتيجة تعاليم اوطاخي بشان طبيعة السيد المسيح، حيث كان ينادي اوطاخي بالطبيعة الواحدة Μονοφυσιτισμός مونوفيزيؤس للمسيح. [1]
و بما ان اوطاخي اسند بدعته لمقولة القديس كيرلس الكبير الشهيرة في طبيعة المسيح: "الطبيعة الواحدة المتجسّدة للإله الكلمة"
Μία φύσις τού Θεού Λόγου Σεσαρκωμένε
فكان من الطبيعي ان يرد البابا ديسقورس، بابا الإسكندرية، على هذه البدعة مستخدما نفس تعبير البابا كيرلس الكبير. و في الجهة الاخرى كان البابا لاوون اسقف روما يتهم البابا ديسقورس باتباعه تعاليم اوطاخي، حيث اعتقد البابا لاوون ان البابا ديسقورس كان ايضا يقول في المسيح "طبيعة واحدة".[1]
وذلك يرجع الى ان القديس كيرلس الكبير استعمل التعبيرين "طبيعة Φύσις فيزيس " و " اقنوم Υπόστασις هيبوستاسيس" بالتبادل حيث لم يكن يفرق بينهما في كتاباته الاخرستولوجية. بينما كان يفرق اباء روما والقسطنطينية بين التعبيرين.
و على هذا الاساس فسر اباء الاسكندرية عبارة القديس كيرلس الكبير حسب تقاليدهم والتى تطابق فى المعنى بين الطبيعة والاقنوم، على خلاف اباء القسطنطينية و روما فكانوا يميزون بين لفظ "طبيعة" معنى الخصائص التي تحدد الكائنات واقنوم اي الذات و الماهية.
وهذا هو منشاء الخلاف اللفظي لانه مما لا شك فيه أن القديس كيرلس الكبير كان يقصد بلفظ ( طبيعة φύσις فيزيس) الشخص الواحد او (الاقنوم Υπόστασις هيبوستاسيس)، إذ كان يقول إن السيد المسيح هو "طبيعة واحدة" مكونة من جوهرين ، جوهر إلهي و جوهر إنساني، أي إن السيد المسيح هو "كائن فرد"، "شخص واحد"، إله وإنسان معا في نفس الوقت و قد إتحدت الطبيعتين ( الجوهرين) في السيد المسيح من غير اختلاط او امتزاج او تغير لاي من الطبيعتين.
و خلص المجمع في عام 451م الى ان :" وحدة الطبيعتين في ألوهية السيد المسيح والإنسانية موجود "من دون التباس، دون تغيير، دون شعبه، دون انفصال". وبالتالي الطبيعتين متحدتين في شخص واحد وجوهر واحد " طبيعة او (أقنوم)." [1]
و مع مرور الزمن اتضح لكثير من اللاهوتيين ان القديس كيرلس استعمل التعبيرين طبيعة ( Φύσις فيزيس) واقنوم( Υπόστασις يوباستاسيس) بالتبادل فمرة يطلق على الطبيعة معنى الاقنوم ومرة يطلق عليها الوجود، لكنه في الحالتين كان يعني في قوله الذي هو اساس الخلاف : "الطبيعة الواحدة المتجسّدة للإله الكلمة". ان " الاقنوم الواحد المتجسد للإله الكلمة ".
Μία φύσις τού Θεού Λόγου Σεσαρκωμένη
حيث كما سبق واضحت ان اساس الخلاف اللفظي هو كلمة واحدة وهي " φύσις " اي طبيعة، ففي فكر القديس كيرلس كانت كلمة φύσις طبيعة وكلمة Υπόστασις اقنوم تفيد نفس المعنى لذلك استعملها بالترادف.
فقد كتب القديس كيرلس فى رسالته الى ثيؤدوريتوس :
" ان طبيعة اللوغوس هى الاقنوم والذى هو هو اللوغوس "[2]
و هنا يظهر ارتباط الطبيعة بالاقنوم في فكر القديس كيرلس الكبير واضحا وبهذا المعنى استعمل عبارة طبيعة واحدة للكلمة المتجسد، و كتب القديس كيرلس الكبير ايضا :
" تعبير بحسب الاقنوم يدلنا ليس علي شئ الا طبيعة (φύσις) او اقنوم (Υπόστασις) الكلمة الذي هو الكلمة ذاته اتحد حقا بطبيعة بشرية بدون تغيير ولا تشويش كما قلنا كثيرا ويعرف كمسيح واحد هو نفسه الاله والانسان "[3]
"أنا أعرف أن طبيعة الله غير قابلة للتألم، وغير متغيرة، وغير متبدلة، رغم أنه بواسطة الطبيعة الناسوتية، المسيح واحد في طبيعتين ومن طبيعتين "[4].
وفي عام 1971 اقيم حوار مع الكنيسة الكاثوليكية من أجل الوحدة من خلال اللقاءات التي دعت إليها مؤسسة برو أورينتا "نحو الشرق" في النمسا ، وحضر اللقاء الأول قداسة البابا شنوده الثالث (وكان وقتها أسقف التعليم والمعاهد الدينية)، وصدرت عن هذا اللقاء وثيقة كانت النواة للوثائق التي وقعت فيما بعد حول الاتفاق بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية بشأن طبيعة السيد المسيح، وجاء في هذه الوثيقة:
"إننا نؤمن بأن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح هو الله الابن المتجسد، تام في لاهوته وتام في ناسوته، لم يكن لاهوته منفصلا عن ناسوته لحظة واحدة ولا لمحة بصر، وأن ناسوته واحد مع لاهوته دون اختلاط ولا امتزاج ولا انقسام ولا انفصال، فنحن في إيماننا المشترك بربنا الواحد يسوع المسيح نعتبر سره الفائق الوصف واللا متناهي، ويعجز العقل البشرى عن استيعابه وفى نفس الوقت , نحرم كلاً من تعاليم نسطور وأوطاخي " [6]
في النهاية، ايوجد شخص مسيحي يقول ان يسوع المسيح هو من طبيعة واحدة؟ الم يتكون من طبيعتين؟ طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية ؟ اذا نحن نقول نفس القول في المسيح.
المراجع............
[1] مجمع خلقيدون ترجمه إلى العربية عن الأصل اللاتيني المحفوظ بمكتبة الفاتيكان الراهب فرنيسي ماريا ، وصادق عليه ثلاثة كرادلة ، طبع فى روما سنة 1694م جزء 2 ص 47-158
[2] ق.كيرلس الكبير الدفاع عن الحروم الاثني عشر
PG 76. 401
[3]Contra Theodoretum ACO I.I.6,115
[4] رسائل القديس كيرلس، رسالة 53 إلى كسيستوس أسقف روما، ترجمة مؤسسة القديس أنطونيوس.
[6] اللجنة الدولية المشتركة للحوار بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبين الكنيسة الكاثوليكية