















اهلا- علي حسين في العامين الاخيرين تلقيت أكثر من دعوة لزيارة المملكة العربية السعودية للمساهمة في بعض الفعاليات الثقافية ، وكان آخرها الدعوة التي وجهها لي الاصدقاء في مركز " إثراء " للحديث حول " واقع القراءة في العالم العربي " ، وبسبب مشاغل شخصية وظروف العمل كنت اعتذر ، وكان الاخ الصديق عبد اللع الغبين صاحب " دار أثر " التي تتولى طباعة كتبي حريصا على حضوري في معارض الكتب سواء في الرياض او جدة ، والمفرح بالنسبة لي ان لديَّ قراء اعزاء من السعودية يحرصون على التواصل معي والحديث عن شؤون الكتب .. ولأن المملكة السعودية تقيم اكثر من معرض للكتاب كان آخرها معرض المدينة المنورة الذي شاركت فيه بعض دور النشضر العراقية ، كنت كالعادة اقوم بجولات في المعرض عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي للتعرف على آخر الاصدارات ، التقط غلاف من هنا، وعنوان من هناك وارسله الى بعض الاخوة ، وهذه المرة ورطت الصديق الدكتور حسين مايع صاحب دار قناديل والصديق حسن هاشم صاحب مكتبة النهضة في مغامرتي حيث وصل عدد الكتب التي طلبتها اكثر من ثلاثين كتابا ، البعض منها جاء هدية من الاصدقاء في دار سبعة وهي من الدور المتميزة في اختياراتها ، والقسم الاكبر ارسله الاخ عبد الله الغبين .. وهناك كتب من دار معنى ودار ترياق وجميعا دور نشر سعودية تقدم للقراء ترجمات لأحدث ما تنتجه دور النشر العالمية ..وقد لاحظت في اكثر الكتب المترجمة ان هناك عبارة توضع وهي " تمت ترجمة هذا الكتاب ضمن مبادرة ترجم " وسألت الاخ عبد الله الغبين فاخبرني ان هذه المبادرة اطلقتها وزارة الثقافة السعودية لتشجيع حركة الترجمة حيث تقدم الدعم المالي للكتاب المترجم .. تتمعن في العناوين فتجد نيتشة وآلان باديو وافلاطون وماركيز وعبد الرزاق قرنح وزيجمونت بومان وكونديرا وادغار موران وشكسبير وهابرماس واحدث الروايات التي فازت بالبوكر وغونكور ونوبل ومئات المطبوعات في شتى فروع المعرفة التي تثبت ان السعودية طوت صفحة الماضي وتسير بثقة نحو المستقبل ، وتقرأ في الاخبار فتجد ان ميزانية وزارة الثقافة لهذا العام تجاوزت المئة مليون دولار وان صندوق التنمية الثقافية وضعت فيه دفعة اولى ميزانية بخمسين مليون دولار .
من بين الكتب التي عرضت في معرض المدينة الترجمات الجديدة لمؤلفات الفيلسوف الفرنسي الشهير آلان باديو حيث صدر له عن دار سبعة كتاب بعنوان " ميتافيزيقيا السعادة الحقيقية " وكتاب " آلان باديو على لسان آلان باديو " وقبلهما كتاب " بيان ثان من اجل الفلسفة " ولا زلت انتظر ان يصلني كتابه " لغز مايو 68 .. لنا الحق في التمرد " .. وفي هذا المكان ربما صدعت رؤوسكم بالحديث عن " آلان باديو " ، هذا الفيلسوف الذي ما يزال يشغل اهتمامات القراء في معظم بلدان العالم ، تلميذ سارتر ، الماركسي المتجدد ، استطاعت كتاباته أن تتحدى الفكر السياسي والفلسفي السائد في فرنسا ، الاستاذ السابق في مدرسة المعلمين العليا التي تخرج منها جان بول سارتر ، وقد جلس على كرسي عالم الاجتماع الشهير " بيير بورديو " الذي توفي عام 2002 ، آلان باديو يعد اليوم نموذج المثقف العضوي فقد سخر من الرئيس الفرنسي ساركوزي عندما اصدر عام 2007 كتاب بعنوان " ما الذي يعبر عنه اسم ساركوزي ؟ " ، فكان واحدا من الكتب التي حظيت باقبال كبير ، وفيه صَّور مسعى ساركوزي إلى السلطة كنتيجة لرغبة في دمج فرنسا في شبكات التمويل الراسمالية العالمية .. يحتل باديو مكانته في الفكر الفرنسي اليوم بازدراءه جميع اشكال الشوفينية ، واعتقاده بمحدودية الديمقراطيىة " الراسمالية " ، ومناهضته للهيمنة الامريكية ، وادانته للاأخلاقية الراسمالية .
تعلمت من قراءاتي للفلسفة ان افضل طريقة للتعرف على خبايا " مدرسة الحكمة " هي الاقتراب منها وتناولها مثلما يتناول القارئ الروايات المشوقة ، ومثلما نتابع المحقق في روايات ارسين لوبين او اغاثا كريستي وهو يسعى الى اكتشاف الحقيقة المتعلقة بالجريمة ، فان قارئ كتب الفلسفة عليه ايضا أن يتذكر ان كل المعرفة الفلسفية لها بنية هرمية لا يمكن الصعود إلى قمة الهرم دون السير في الطريق الذي سيؤدي بك الى تسلق هذا الهرم .
عندما كنت صبيا وحاولت قراءة كتب الفلسفة وبالأخص محاورات افلاطون في ترجمة زكي نجيب محمود ، كنت اتخيل سقراط انسان بسيط ممكن ان التقي معه في الشارع ، وياخذني الخيال احيانا فاعتقد ان سقراط يمكن ان يدخل ذات يوم إلى المكتبة التي كنت اعمل فيها ليبحث عن آخر كتاب صدر لجان بول سارتر او يحاول التعبير عن اعجابه بشيوعية ماركس . وانه ربما سيدخل في نقاش عن الفلسفة ، وما اذا كان لها دور مفيد في حياتنا اليومية .. كنت انظر الى سقراط من خلال المحاورات وهو ياخذ صور شتى ، الفيلسوف ، السياسي ، المثير للجدل ، المتجول في الاسواق بملابس مهلهلة بحثا عن الاسئلة ، لكن نسختي من سقراط كانت تتعلق بموقفه من السعادة التي وصفها بأنها " كل ما يرغب فيه جميع الناس، وهي دائماً الهدف النهائي لأفعالنا، وهي بالتالي خير غير مشروط " في كتابه " ميتافيزيقيا السعادة الحقيقية " – ترجمة محمد كراي – يضع آلان باديو هذا العنوان لفصل من فصول الكتاب " لكي يكون المرء سعيدا هل عليه تغيير العالم ؟ " حيث يؤكد ان السعادة ليست إمكانية ارضاء كل انسان ، كما انها ليست فكرة مجردة لمجتمع جديد يكون كل فرد ضمنه راضيا :" إن السعادة هي الوجه الذاتي لمهمة عسيرة: أن نتدبر أمر تبعات حدث ما ، وان نكتشف تحت ركام الوجود الرتيب والكئيب ، والإمكانات المضيئة التي وهبنا إياها الواقع " ويطرح باديو سؤالاُ : كيف نغير العالم ؟ ويؤكد ان الاجابة مبهجة " نغير العالم عندما نكون سعداء " لكن علينا ان ندفع الثمن وهو ان نكون في بعض الحالات غير راضين " انه الاختيار ، الاختيار الحقيقي لحيواتنا ، إنه الاختيار الحق لحياة حقيقية " .
آلان باديو المولود في السابع عشر من كانون الثاني عام 1937 ، يتذكر انه غادر مسقط راسه الرباط وهو في السادسة من عمره ، حين قرر والده استاذ الرياضيات الهروب ليلا من مدينة الرباط التي يعيش فيها ويعمل ، بعد ان حذره اصدقاء له من ان الحكومة في فرنسا لا ترغب بوجوده في المغرب ، كان الأب اشتراكيا يلقي الخطب التي تطالب باستقلال المستعمرات الفرنسية ، مغرما بافكار تروتسكي ، حتى انه كان يبعث برسائل الى صاحب نظرية الثورة الدائمة ، يشرح له فيها احوال المستعمرات الفرنسية التي تعيش حالة من التخلف في اوضاع اقطاعية تقوم جنبا الى جنب مع اشكال الاستعمار الحديث . في باريس يصبح الاب عضوا في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي ، يتعرف على جان بول سارتر ، وسيشاهد الابن آلان وهو في العاشرة من عمره ، سارتر حين اشار له والده بان الفيلسوف الوجودي كان صديقه من ايام المقاومة.. سيختبر الوجودية في شبابه ، ومثل سارتر يحلم بان تكون الفلسفة دليلا هاديا للحياة في العالم المعاصر ، يقول انه ادرك قيمة الفلسفة بعد ان قرأ كتاب سارتر الشهير " الكينونة والعدم " . في العشرين من عمره يكتب مقالا عن سارتر يقول فيه ان سارتر علمني ان اقرأ الفلسفة مثلما اقرأ الروايات ، كانت كتب سارتر " قد فتحت امام باديو نقطة الانطلاق :" سارتر مثل لي طريقة جديدة في فهم الوجود . يمكن للناس ان يختاروا مستقبلهم " ، في السابعة والعشرين من عمره يقرر السير على خطى صاحب "الغثيان " . كان سارتر قد اصدر اول اعماله الفلسفية على شكل رواية ، اراد من خلالها ان يجد طريقة نحو فلسفة وجودية تطرح افكارها من خلال الادب ، فكان قرار آلان باديو ان تكون اول اعماله رواية بعنوان " الماجستيس " صدرت عام 1964 ، قال انها تجسيد لمقولة سارتر التي اعتبرت التعبير الروائي نمطا من التفلسف ..ومثل سارتر سيؤمن ان الرواية نوع من انواع التعبير الأدبي الملتزم بقضايا مجتمعه :" يعرف الأدب خيبة الإنسان وضعفه، وعلى أساس تلك المعرفة يقوم بتبديل وتحويل حتمية مصائر البشر " ، ومن اجل تلك المعرفة يصدر عمله الروائي الثاني " جاذبية " عام 1969 .
وفي الثامنة من عمره سياخذه والده للاحتفال بتحرير باريس ، عام 1955 يدرس الفلسفة ، وفي الجامعة سيلتقي بمعلم آخر سيكون له تاثير كبير عليه وهو لويس ألتوسير ، وسيصبح باديو فيما بعد احد افراد المجموعة التي كانت تسمى " ابناء التوسير " وكان من بينهم جاك رانسيير وآلان باديو وإتيان باليبار، وقبلهم ميشيل فوكو وجيل دولوز ، وسيطلق باديو على استاذه التوسير لقب " ، الفيلسوف الماركسي العظيم " الذي يؤمن ان مهمة الفلسفة هي إعادة تنظيم جميع التجارب النظرية والعملية، من خلال اقتراح تقسيم معياري كبير جديد يقلب النظام الفكري القائم ويعزز قيم جديدة تتجاوز القيم المشتركة. وان الفلسفة هي مخاطبة مجانية موجهة إلى الجميع، ولكن أولا وقبل كل شيء، إلى الشباب، لأن الفيلسوف يعرف تمامًا أن الشباب يجب أن يتخذ قرارات بشأن حياته، وأنه غالبا ما يكون أفضل استعدادا لقبول مخاطر ثورة منطقية..لكن سرعان ما سيتمرد الطالب باديو على استاذه ألتوسير ، فالتلميذ يجد في الفلسفة فعلا ديمقراطيا يبشر بقدوم مدينة فاضلة ، تلك المدينة التي تجعله يدمن قراءة افلاطون ويعيش تحت رغبة ملحة في إصلاح العالم ، يختار سبينوزا موضوعا لاطروحته في الدراسات العليا ، وفي تلك السنوات يتعرف على عالم النفس جاك لاكان الذي يصفه باديو بانه عقل في المقام الاول ، يتعلم منه ان لا يكف عن التفكير ، ويؤكد باديو ان لاكان والتوسير قد " وجد كل منهم في حركة رجوعهما ، الاول الى فرويد والثاني الى ماركس ، افكارا جديدة لا تخص بالفعل احد سواهما "
ينخرط باديو منذ شبابه في نضالات ومساجلات وكتابات عديدة لاستعادة الفلسفة والتاريخ والسياسة والغد الأفضل للناس، ويساهم في تاسيس الحزب الاشتراكي الفرنسي ، وتتجه افكاره صوب الماوية حيث كان ناشطا في تظاهرات 1968 ، واليوم يوصف بانه اشبه بافلاطون معاصر يصغى الجميع الى حكمته ، يعمل في المعهد العالمي للفلسفة. يكتب عددا من المسرحيات يتخذ مواقف صلبه ضد الحروب والاضطهاد والعنصرية، يتناول العديد من الموضوعات بدءا بالإيديولوجيا، ومرورا العنصرية، التسامح، التعددية الثقافية، حقوق الإنسان، الفلسفة ، العولمة، الوجود ، الثورة والحب ، ما بعد الحداثة، ووليس انتهاءً بالسينما والدين. يكتب باديو :" إنّ كلّ فلسفة، وحتى وإن كانت مدعومة بمعارف علميّة معقّدة، وبآثار فنّية مجدِّدة، بسياسات ثوريّة، وبحالات حبّ كثيفة، إنّما هي ميتافيزيقا للسعادة، وإلاّ فهي لا تستحقّ أيّة لحظة عناء" .
ما هي الفلسفة يصرح آلان باديو بكل ثقة :" الفلسفة هي أنا ، وهي كذلك أنتم كلكم الذين تقرأون ما أكتب ، وانتم الذين تفكرون في هذه الاثناء معي او ضدي " .
قبل اكثر من ثلاثين عاما قرأت في مجلة العرب والفكر العالمي مقالا مطولا كتبه آلان باديو بعنوان " بيان من اجل الفلسفة " ترجمة مطاع صفدي وفيه يشير باديو الى هرمية الفلسفة الفرنسية ، وكيف يتعامل ابناء الفلسفة مع آبائهم واجدادهم من الفلاسفة ، حيث نجد كل واحد منهم يتعامل مع الذي سبقه على طريقته الخاصة ، منهم من يتمرد ، ومنهم من يجلس الى جانب القبر ، ومنهم من يحاول اعادة رسم الحدود المقبولة لما يجب عليه ان تكون علاقته مع الاب ،يرسم لنا آلان باديو خارطة توضح الابناء وكيف انهم يتبعون خطوات الآباء :" أن الفلسفة إلى حد كبير تكرار لعملها، سارتر مع ديكارت وهيغل دولوز مع ليبنيتز وسبينوزا. ميرلوبونتي مع برغسون. وعن نفسه يقول أنا مع أفلاطون وهيغل. سلافوي جيجيك مع كانط وشيلينع. ومنذ ثلاثة آلاف عام عندما ظهر طاليس نجد الجميع مع الجميع " - الفلسفة تكرارا خلاقً ترجمة أيمن الجندي - .
يؤكد آلان باديو ان الفلسفة لا يمكن ان تُعرف فهي مثل العدالة والحرية يجب ان تُعاش ، ولهذا هو يؤمن مثل ابيقور أن التفلسف فعل يومي مستمر ومتوحد مع الحياة نفسها ، التي يجب ان تتجدد في كل لحظة ، فالفيلسوف مهمته أن يطرح أفكارا جديدة ومشاكل جديدة. وهو بذلك يكتسب المزيد من المواجهة ، كما ان عليه أن يكون قادراً على جذب عدد كبير من الناس إلى صلب مشكلات المجتمع. وباديو يضع وراءه عبارة افلاطون الشهيرة " إن الفلسفة إيقاظ " وان هذا الإيقاظ يتطلب من الفيلسوف او المثقف ان يقيم علاقة دائمة مع واقعه.. ويمضي ليخبرنا في " بيان من اجل الفلسفة " ان الفلاسفة الاحياء اليوم ليس منهم الكثير ، والمثير ان معظم هؤلاء يقولون ان الفلسفة مستحيلة ويتساءل باديو:هل صحيح انه ليس لنا رغبة بالفلسفة ؟ ، باديو الذي ينظر بعين التقدير الى مكانة الفلسفة في حياتنا اليومية ، يقول ان معظم فلاسفتنا ماضون في البحث عن " كتابة ارتجاعية . وحوامل بعيدة وارتجاعات انحرافية من اجل الوصول الى مكان مزعوم لم يعد للفلسفة ان تاوي اليه " – بيان من اجل الفلسفة ترجمة مطاع صفدي - .
من يتابع مسيرة باديو الفلسفية سيجد ان موضوعة الفلسفة وعلاقتها بالواقع والحقيقة تشكل ركنا اساسيا من اركان فلسفته ، فهو يرى على الفلسفة عدم التخلي عن مطلب الحقيقة ، وما نحتاج إليه اليوم من أجل إعادة السعادة إلى العالم ثانية إنّما هو تحديداً إعادة علاقة الفلسفة بحياة الناس لكن باديو ايضا يتأسى للحال الذي وصلتن اليه الفلسفة اليوم فهي " مهجورة " حسب قوله ، فقد تم التخلي عنها " لان االعالم لم تعد له طموحات كبيرة حول نفسه " آلان باديو على لسان آلان باديو ترجمة فتحي المسكيني - .
يخبرنا باديو ان لم يكن يتوقع ان يصبح فيلسوفا في يوم من الايام ففي شبابه تمنى ان يصبح ممثلا ، لكنه سيعثر في مكتبة امه على كتاب جان بول سارتر " نظرية الانفعالات " وقد اقتعه هذا الكتاب ان الفلسفة هي الشيء الوحيد الذي يجب ان يثير اهتمامه :" كيف يمكنني ان اعرف الفلسفة كما تلقيتها وفهمتها فيما بعد من سارتر ، الذي كان معلمي الاول " .
آلان باديو الذي الذي احتفل قبل اشهر ببلوغه الخامسة والثمانين قال لمحرر مجلة لوبان الفرنسية حين سأله عن تاثير الفلسفة على المجتمع في الوقت الحاضر :" تنخرط الفلسفة في التفكير بعصرها عندما تضع في مكان مشترك حالة الاجراءات التي تشترط قيامها . فهذه العناصر العمليانية مهما كانت ، فانها تتجهه دائما الى ان تفكر المجموع ، فتشكل بممارسة فكرية واحدة جاهزية الثبات الرياضي واشعر ، والابداع السياسي والحب ، وبهذا المعنى فان السؤال الفلسفي الوحيد ، بالطبع هو سؤال الحقيقة " .
في كتابه " بيان ثانٍ من اجل الفلسفة " – ترجمة فتحي المسكيني - يؤكد باديو على نفس المسألة التي اثارها في بيانه الاول من ان الفلسفة مهددة في وجودها نفسه ، بعد ان كانت مثلما وصفها هايدغر " مكتوبة على شهادة ميلاد اوربا والغرب " .
يجد آلان باديو ان الفلسفة يراد لها اليوم ان لا تخالف السائد ، للقضاء على مهمتها الفلسفة ، وهو يستشهد بسقراط الذي كان يثير الاسئلة في الاسواق من اجل يخالف الاراء السادة ، ومن اجل ان يؤكد ان التفلسف ممكن حتى مع بائع السمك ..غيرأن الفلسفة هنا ليست بمعنى "التفلسف الفارغ"، بل بمعناها الأعمق، وهي المعرفة وطرح تساؤلات حقيقية حول الحياة ، والأمر كما يقول باديو هنا لا ينحصر في اروقة الاكاديميين فقط ، بل يرتبط بمعارفنا اليومية، وما يواجهه الإنسان في حياته ويستحق أن يطرح حوله الأسئلة التي تبين وضع الإنسان في هذا العالم.
لن تنتهي حكايتي مع آلان باديو ما دامت المطابع تخرج لنا الجديد من مؤلفاته ، فانا من الذين يؤمنون انه لايمكن للإنسان ان يوجد من دون اي شكل من اشكال الفلسفة ، اي من دون نظرة شاملة إلى الحياة . . ماذا يمكن ان تقول الفلسفة للقراء من الشباب الذين اقابلهم في المتنبي او اتحدث معهم عبر الماسنجر وكلهم حماسة شوق للمزيد من المعرفة . يقول آلان باديو انه ليس هناك موضوع آخر للفلسفة التي تخاطب الشباب غير الموضوع الذي شغل سقراط قبل 2500 عام وهو :" كيف تكون حياتنا الحقيقية ؟ وما هو الشيء الذي يستحق ان نعيش من اجله ؟ " .
كان سقراط ينظر الى وظيفة الفلسفة على انها نداء سامٍ ، وهو الوحيد المناسب لها ، وحتى عندما حكم عليه بالموت ، لم يفكر في ترك مهمته النبيلة وهي " ان نعيش من اجل هدف نبيل " .