اهلا- السعودية احتفت المملكة أمس الموافق الثاني والعشرين من فبراير للعام 2022م ولأول مرة في تاريخها بيوم تأسسيها على يد مؤسسها قبل ثلاثة قرون؛ حيث انتقلت فيه المدينة في الدرعية إلى مرحلة الدولة وهي الدولة السعودية الأولى التي حظيت أثناء قيامها بتوافر جميع عناصر الدولة على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود بن مقرن في عام 1139هـ؛ حيث أصبحت دولة قوية يشار إليها بالبنان، واستمر الحكم فيها إلى سلالة أبنائه من بعده قرنًا بعد قرنًا وجيلًا بعد جيل، بدءًا من ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ووصولًا إلى العهد الحالي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله. اليمامة.. خلفية تاريخية انتقلت قبيلة بنو حنيفة إلى اليمامة حينما سار عبيد بن ثعلبة بعشيرته؛ وذلك في مطلع القرن الخامس الميلادي قاصدًا اليمامة حتى وصل إلى موقع (حجر) وهي الرياض اليوم، فاتخذها سكنًا له، بعد ذلك قام أفراد القبيلة بتأسيس عدد من مراكز الاستقرار التي امتدت على ضفاف وادي حنيفة؛ حيث أصبحت اليمامة إقليمًا يحكمه أفراد هذه القبيلة بكامله، وعندما ظهر الإسلام كان ملك اليمامة هو ثمامة بن أثال الحنفي صاحب القصة الشهيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين مدى الاستقرار والقوة التي شكلتها هذه القبيلة في هذا الإقليم. وخلال العصر الإسلامي، وبعد انتقال العاصمة من المدينة المنورة إلى خارج الجزيرة العربية، أهمل إقليم اليمامة وعاش ردحًا من الزمن طي النسيان لما يزيد على الألف عام؛ حيث تأسست الدولة الأخيضرية في منتصف القرن الثالث الهجري، واتخذت من الخضرمة (في الخرج) عاصمة لها، وبعد سقوط الدولة الأخيضرية عاد بعض بنو حنيفة إلى وسط الجزيرة العربية ليعيدوا تأسيس دولتهم من جديد. المدينة الدولة مفهوم دولة المدينة city state مفهوم يوناني كلاسيكي يعود إلى ما يقرب من خمسمائة سنة قبل الميلاد؛ فقد كانت شبه جزيرة اليونان مشكلة من عدة مدن؛ فالمدينة الإغريقية كناية عن دويلة صغيرة مستقلة، نواتها مدينة وتتبعها القرى المجاورة لها، ولو نظرنا إلى منطقة نجد ومدينة الدرعية تحديدًا التي أسسها الأمير مانع المريدي في عام 850هـ (1441م) -الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز- للاحظنا أنها مدينة متوسطة الحجم بمفهوم المدن تلك الأيام، ولها مركز حضري يتألف من نسبة كبيرة من السكان ومكتفية ذاتيًّا من الناحية الاقتصادية؛ لوقوعها على مفترق طرق تجارية ولكونها منطقة زراعية، وتولي مانع المريدي وأبناؤه وأحفاده من بعده حكم "الدرعية" وتوفير أسباب الحماية وممارسة التجارة والسيطرة على الطرق التجارية لتأمين أسباب العيش لسكانها. حلم بناء دولة عربية بعد الإسلام وفي عصر الخلفاء الراشدين، وبني أمية، وبني العباس، وهي دول كبيرة، شَهِد القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، وما تلاه تهميشًا كاملًا للعنصر العربي حتى انهارت الدولة على يد القائد المغولي هولاكو، فانقسمت الإمبراطورية الإسلامية إلى ممالك متعددة، وكان حلم بناء دولة عربية في جزيرة العرب يراود بعض العقلاء؛ وذلك لما اعترى هذه المنطقة الجغرافية من الإهمال خلال قرون عديدة، ولسيطرة أعراق أخرى؛ أبرزها الفارسي، والتركي على مقدرات وخيرات الأرض العربية، والشعوب العربية. وعلى الرغم من قلة المؤرخين في منطقة نجد؛ إلا أن أحدهم وهو المؤرخ راشد بن علي بن جريس، الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي (ت 1298ھ/ 1880م تقريبًا)، قال كلامًا مؤداه أن فكرة إنشاء دولة عربية في جزيرة العرب واضحة للأمير مانع المريدي، ولابنه ربيعة، وحفيده موسی بن ربيعة، وابن الحفيد إبراهيم بن موسى بن ربيعة الذي كان يسمى بأمير نجد، وغيرهم.. ويذكر أنهم أمراء مستقلون، أي لا يتبعون لأحد، وأن في تفكير الأمير موسى بن ربيعة الاستقلال بجزيرة العرب، وفي تفكير والده، وجده، ووالد جده "مانع" الاستقلال بمنطقة نجد، وشرق الجزيرة العربية التي جاء منها الأمير مانع لتأسيس دولته في نجد، بالمنطقة التي كان يسكنها أجداده من قبيلة بني حنيفة. مقومات الدرعية لتكون المدينة الدولة حين نتأمل في الموقع الجغرافي لمدينة الدرعية يتضح لنا أنه موقع استراتيجي لعاصمة دولة كبرى، ومن أبرز مقومات ذلك وقوعه أعلى واحد من أهم الأودية في نجد وهو وادي حنيفة، عدا أنها تقع على أحد أهم الطرق التجارية القديمة؛ ذلك الطريق الذي تعد الدرعية في قلبه، والذي يأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية مرورًا بنجران ثم يتجه شمالًا إلى اليمامة، ثم الدرعية حيث يتجه إلى الشمال نحو دومة الجندل وإلى الشرق نحو العراق وإلى الغرب نحو الحجاز، ويعد هذا الطريق هو طريق الحاج القادم من فارس والعراق ووسط آسيا، الذين كانوا يواصلون سيرهم عبر الدرعية إلى مكة المكرمة. الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن تولى الإمام محمد بن سعود الحكم عام 1139هـ/ فبراير 1727م بعد مقتل زيد بن مرخان أمير الدرعية؛ حيث بويع إمامًا على الدولة الجديدة، الدولة السعودية الأولى، وتوفي الإمام محمد بن سعود عام 1179هـ/ 1765م بعد أربعين عامًا من القيادة والتأسيس، وبتأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى؛ أصبحت الطرق التي تم بها قوافل التجارة والحج آمنة، نتيجة لسياسة الإمام محمد بن سعود بتأمين هذا الطريق والارتباط بعلاقات مع القبائل التي يمر من خلال مناطقها، والاتفاق معها على ضبط الأمن وتقديم الخدمة اللازمة للمستفيدين منه. والمتابع لأحوال الدول يرى أن الإمام محمد بن سعود فهم هذه الأمور والدروس والتجارب المتراكمة الطويلة، وبفضل الله ثم بفضل عبقريته انتقلت (دولة المدينة في الدرعية) إلى مرحلة الدولة، والتي تعارف المؤرخون على تسميتها بـ(الدولة السعودية الأولى)، وكانت الدولة السعودية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا دولة عربية صافية بحكامها وشعبها؛ إذ لم تطأها يد أجنبية معتدية إلا ودحرتها. نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب القوة السياسية والاقتصادية للدولة أدت إلى انتقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب إليها وقدرتها على تحمل أعباء أعداد كبيرة من المهاجرين الذين انتقلوا لها بعيد انتقاله، وجاء انتقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب أيضًا نتيجة طبيعية لسياسة الإمام محمد بن سعود، فقد عرف عنه التدين، وقد كان أخواه "ثنيان" و"مشاري" وكذلك ابنه عبدالعزيز، على تواصل مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب في العيينة؛ وهذا يعطي فكرة عن تفكير الإمام محمد بن سعود المستقبلي، وأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يخرج من العيينة إلا بعد أن دعاه الإمام محمد للقدوم للدرعية، وأن هناك دولة قادرة على حماية الدعوة. وتبايع "الإمام" و"الشيخ" على نصرة الدعوة؛ حيث رأى الإمام محمد بن سعود في تأييد الدعوة الإصلاحية أنها تتفق مع مبادئ الدولة التي يعمل على تأسيسها؛ خاصة في الجانب الديني؛ لذا رأى بعض المؤرخين أن الإمام محمد بن سعود عندما علم بتخلي أمير العيينة عن تأييدها، أوعز إلى البعض بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية لوجود الدولة فيها واستعدادها لحمايتها.