
















اهلا-مركز الدراسات الاستراتيجية-روسيا
سيناريوهات المشهد الروسي- الأوكراني
تتدرج روسيا في مطالبها وفقاً للأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، إذ يلاحظ أنها على الرغم من قدراتها العسكرية حريصة على المضي في الجهود الدبلوماسية، ويتضح ذلك من خلال الأوراق الكثيرة التي تحركها من أجل تحقيق أهدافها، وتأتي احتمالية غزو أوكرانيا ضمن تلك الأوراق التي تستخدمها موسكو من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
إمكانيات المفاوضات
ضمن سياسة تأمين وجودها جيوسياسياً تحرص موسكو على منع توسع الناتو في مجالها الحيوي، ويأتي تقارب أوكرانيا مع الناتو ضمن هذه التهديدات التي تسعى موسكو إلى احتوائها، ويعد مطلبها بسحب جميع البنية التحتية العسكرية وعودة الوضع إلى ما قبل عام 1997- بانسحاب دول شرق أوروبا التي انضمت إلى الناتو- المطلب الوحيد عالي السقف الذي قد يكون وضعه على الطاولة كورقة للتفاوض، بحيث يمكن التراجع عنه لاحقاً، وهو ما يدل على استعداد موسكو لتقديم تنازلات، ورغبتها باستمرار المفاوضات لكن وفق رؤيتها واستراتيجيتها، وتأتي مطالبتها بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو مطلباً يمكن تحقيقه عن طريق المفاوضات. إذ نجحت روسيا في إجبار الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومن ثم تمكنت من تقديم مسودة معاهدة واتفاقية تحدد مطالب روسيا من الغرب بشأن مسألة الأمن الأوروبي، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لتقديم تنازلات على غرار عدم قبول عضوية أوكرانيا في الناتو.
يعزز إمكانية المضي والاستمرار بالمفاوضات التكلفة الباهظة المترتبة على الدخول في مواجهة مع روسيا، خصوصاً أنها بلغت حداً بعيداً من التطور العسكري، لكونها قادرة على تحريك صواريخ تزيركون (Tsirkon) التي تفوق سرعتها سرعة الصوت صوب السواحل الأمريكية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين ليسوا مستعدين لتحمل مسؤولية الدفاع العسكري عن حلفائهم؛ أوكرانيا وجورجيا، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك يعد حضور الناتو في أوكرانيا في شكل أسلحة هجومية، وقواعد عسكرية، ومستشارين عسكريين، وإمدادات أسلحة، غير مهم، إذ تمتلك الولايات المتحدة قدرات عسكرية في إطار الدرع الصاروخي حول روسيا، وحاملات الطائرات كفيلة باستغنائها عن وجود مباشر في أوكرانيا. لكن بالمقابل سيكون من الصعب الاتفاق على إنهاء التعاون العسكري والتكنولوجي العسكري بين أوكرانيا والولايات المتحدة والناتو. كما تسعى موسكو إلى الاتفاق على القيود المفروضة على طبيعة الأسلحة التي يمد الغرب بها كييف، وهو سقف قد يكون مقبولاً لروسيا.
احتمالات المواجهة
على الرغم من أن سيناريو المفاوضات يبدو الأرجح فإن احتمالات حدوث مواجهة هو أمر وارد في ظل حالة الاحتشاد الروسي من جانب، والأوكراني من جانب آخر، غير أن تكلفة هذا السيناريو هي الأكبر، ولذا يحاول الجميع تجنبه. لكن ينبغي الأخذ في الحسبان أن فرص تنفيذ الولايات المتحدة لمطالب روسيا بالشكل والإطار الزمني اللذين حددتهما موسكو لن يكون وارداً؛ لتكلفتهما السياسية والأمنية، لكن تبقى احتمالية الاتفاق من الناحية النظرية حيال عدم التوسع وعدم الانتشار ممكنة، غير أنها ستكون ذات طابع سياسي، وليست ملزمة قانوناً، نظراً لتعقيدات المشهد الداخلي الأمريكي، ورغبة الولايات المتحدة في تجنب الخلاف داخل المعسكر الغربي.
وفي حال لم تنجح الجهود الدبلوماسية والمفاوضات ستكسب موسكو في الحالتين؛ فسياستها القائمة حالياً تهدف إلى ترسيخ مخاوفها الأمنية في أوروبا، والتي أصبحت واضحة أكثر بالنسبة للدول الغربية، وهو ما يتطلب منها أن تتعامل بحذر مع هذه الحقيقة، فموسكو لن تمانع في الاشتراك في المفاوضات من أجل حماية استراتيجياتها السياسية في أوروبا، لكن في حال لم تتمكن من تحقيق أهدافها بالوسائل الدبلوماسية، فستحتاج إلى اللجوء إلى أدوات وأساليب أخرى تعتمد أساساً على استخدام القوة العسكرية.
خاتمة
انطلاقاً من الدوافع والأهداف التي تضبط تحركاتها ميدانياً، يتضح أن روسيا مستعدة لتبني مختلف الاستراتيجيات ولاستخدام مختلف الأساليب من أجل تحقيق هذه الأهداف، صحيح أنها منفتحة على خيارات المفاوضات، لكنها في الوقت نفسه قادرة على استخدام قدراتها العسكرية إن لزم الأمر. وبناءً على تعقد فهم السياسة الروسية في ظل حكم بوتين من جهة، وتعقد المشهد السياسي في أوروبا الشرقية، من جهة أخرى، لا يمكن التنبؤ بالموقف الروسي حيال الأزمة الأوكرانية، إذ قد تستجيب موسكو لجهود المفاوضات وتسحب جنودها، أو تكتفي بإرسال إشارات واضحة لحلف الناتو وواشنطن، أو قد تفاجئ الجميع بغزو أوكرانيا في توقيت تراه مناسباً، ويبقى السؤال حول مدى استعداد واشنطن وحلفائها لتحمل النتائج في حال أقدمت روسيا على حرب حقيقية؟