اهلا
لم أكن احسب ولو حتى في أسوأ خيال أن يكون اللقى يوم اللقاء...فلقد انتظرنا اليوم التاسع من الشهر التاسع لنزجي لحضرتك أسمى آيات الحب والوفاء والتقدير احتفالاً بعيدك الميمون...ولنهتف معك: عدت يا أيها الشقي...
لكن لله كان قرار آخر مغاير ومخالف، فقد سبقنا كما يبدو في احتضانك لأنه يبدو أنه يحبّك أكثر مما نحبك نحن...
رغم أننا عرفناك طفلاً صغيراً، فأغدق عليك كل ما كان بحوزته من دلال واحترام وتقدير وتدليع....
لإنك كنت أنت وحدك شغله الشاغل، وفزت بأعظم قدر من اهتمامه ورعايته...
وهكذا نشأت ونموت وكبرت وتخطيت حدود الطفولة فتفوّقت وتميزت في كل المجالات تقريباً...
وتفوّقت في المدرسة ونلت قصب السبق وحزت على أفضل النتائج وكذلك في الثانوية أيضاً، وكان طريقك للتخنيون ممهداً، وغزوت ميادين الكيمياء وأبليت فيها بلاء حسناً...
لكنه القلب قاتله الله، شطّ بك عن التعلم والدراسة وسايرت قلبك وتبعت هواه وكان ما كان....
وانخرطت في العمل فأبدعت في كل ما اشتغلت به من عمل يدوي وعمل ذهني، لكن إبداعك لم يحمك من بعض النصابين والغشاشين والخونة والمحتالين الذين ضللوك وسلبوا حقوقك طمعاً وخسة، كما أنك تعاملت مع الكثيرين من سراة الناس وساداتهم الشرفاء، فأبدعت وارتقيت بعملك الرخامي إلى درجة الفن وكأنك نحّات موهوب وليس صانع رخام...
لكنك وللأسف أهملت نفسك رغم أنك كنت وفياً مخلصاً لكل أصدقائك ومعارفك وأحبائك، كريماً سخياً لا يشقّ لك غبار في ذلك، وغمرتهم بأفضالك وفضّلت عليهم جميعهم...وسامحتهم حتى بأدوات عملك القيمة الثمينة...
واستغل بعض الأثمة والسفلة طيبة قلبك وكرمك وسماحتك أسوأ استغلال...
واعتكفت في السنوات الأخيرة في المنزل، ترافق والدتك الكريمة المحترمة لتبعد عنها وحدتها ولترفدها وتمدها بكل ما تحتاج إليه من حطام هذه الدنيا، وكنت تفضلها حتى عن نفسك لتفانيك وتنزهك عن الأنانية.
إلى أن تركتك وحيداً، فانطويت على نفسك، وعشت حراً كريماً عزيز النفس موفور الكرامة أبياً لا تتربح لأحد جميلاً، بل تفعل الجميل وتغدق الخير والبركة على الآخرين...
وكان ما كان...
كان من المفروض أن تأتي كريمتك ونجلك ليحتفلا معك بعيد ميلادك،
لكنها جاءا ليجداك قد فارقتهما وللأسف إلى الأبد...
وكيف فارقتهما؟ ليس بعذاب وآلام ومعاناة وشقاء، بل رحلت بقبلة، كما رحل النبي موسى في حينه، بقبلة...
ولقد قال الحكماء والفلاسفة وغيرهم الكثير الكثير في الحياة والموت، فكله قضاء وقدر...لكن يبدو أن القضاء والقدر مصابان بقصر نظر أو أنهما لا يحسنان التمييز بين من يجب أن يختاراه ومن يجب أن يبقياه هنا ويعطياه المزيد من الحياة – مع شقائها أو حلاوتها – على هذه الأرض!
فهل القضاء والقدر لا يختاران إلا اتقياء الله والصالحين والذين لا يؤذون حتى النملة؟
أما الأشرار والطغاة اللئام والأرذال والسفلة فلا يدنو منهم لا قضاء ولا قدر ويتركانهم يسرحون ويمرحون على كيفهم؟
فلماذا كل هذا؟ فهل يخافانهم أو يشمئزان منهم فيتجنبانهم ويسبتعدانهم عنهما؟
وأنت يا سيدي ويا من قطعت مئات الأميال لأقول لك كلمة واحدة، هي شكراً، فهل هكذا ترد عليّ؟ لم يكن أملي هكذا بل على العكس، كنت أظن أنني اهتديت أخيراً إلى الطريق القويم والصحيح الذي يوصلني إليك، فبماذا كافأتني؟ بانتزاع أحد أعز المخلوقات على قلبي؟ فهل هذه هي مكافئتك لي؟
وانتما يا فادي ومنى، أنتما قلبانا وروحانا ونحن وكل ما نملك وما لدينا يرخص ويهون من أجل عيونكما...وواصلا درب المرحوم وطريقه الذي أحبه واحترمه كل من يعرفه...
وأنت يا أبو فادي افرح وتهلل هناك حيث أنت، وسرّ بصفّ الساحجين واحد لهم أرق الحداء وأجمله بصوتك العذب الشجي، واعزف على أوتار عودك وغنِّ واملأ الجو غناء...
وليكن ذكرك مطوباً وممجداً وخالداً أبد الدهر...
وعهداً ووعداً أننا لن ننساك...
وهل ينسى المرء روحه حتى ننساك؟
فأنت خالد في قلوبنا وأرواحنا ما دام ينبض فينا عرق...رحمك الله وإلى علياء المجد ومساكن الأبرار يا قرّة العين!!!
ووداعاً، وداعاً يا أبو فادي العزيز الغالي...